الفنانان عترون وشرفاوي برواق ”عائشة حداد”

صندوق الذاكرة وانفجار الأكوان الملهم الأول

صندوق الذاكرة وانفجار الأكوان الملهم الأول
الفنانان عترون وشرفاوي برواق ”عائشة حداد” مريم.ن
  • القراءات: 691
❊ مريم.ن ❊ مريم.ن

يجتهد الفنانان نريمان سادات شرفاوي وفريد عترون في معرضهما المشترك المقام برواق عائشة حداد، إلى غاية الثامن نوفمبرالجاري، في استحضار القيم والعلامات الجميلة التي ميّزت حياتنا فيما سبق من الأيام الخوالي، مع قراءة متمعنة في تحولات الكون وتغيرات الزمن، حيث لا يبقى حينها سوى الأصيل والصادق و«ما يبقى في الواد غير حجارو.

حضرت بالمعرض، اللوحات الفوتوغرافية لفريد عترون (مهندس بترول) متفاوتة الحجم تختلف من حيث المواضيع، فبعضها يصوّر طبيعة الجزائر بعدة مناطق، ورصّع بعضها بقطع الحصى أو الخيوط وحتى بالقش والقصب. كما عرضت بعض القطع ومجموعات التحف في غاية التناسق، ولعل حبات الزيتون من أجمل ما جلب الانتباه، فالحصى لم تدع مجالا للشك في أنّها زيتون حقيقي.

اختار فريد عترون الحصى ليعبّر عن خوالجه، وقد اجتهد في جمعها من البحار التي تخط واجهة الجزائر الزرقاء، منها البحر بشرشال، تبدو لامعة تعكس قدرة الخالق، وتقول لناظرها بأنّ الجمال هو ابن الطبيعة، طعّمه المخيال الخصب للفنان، ليتحول إلى تحفة ويكسر الصورة النمطية للكثيرين، كون الحجر لا علاقة له بالجمال والإحساس.

يضم المعرض حوالي 40 لوحة للفنانين، كانت بمثابة ثمرة جهد سنوات من البحث والاكتشاف، والتقى كلاهما عند نقطة طبيعة الجزائر القارة، وما يتصل بها من جغرافية، وإنسان له جذوره في الزمن وميراثه الثقافي والاجتماعي غير القابل للفناء.

أكد فريد عطرون في حديثه لـ«المساء، أنه مولع بكل ما هو تقاليد وتراث جزائري، علما أنه ينحدر من منطقة سيدي عيش ويخزن في ذاكرته أجمل سنوات صباه وشبابه بها، وذكر بعضا من ذكرياته، كجلوسه مع جدته وهي تحضر الأجبان، بعد أن ترج الشكوة لتعطيه ما صنعته، وتنتظر ردة فعله التي هي بمثابة اختبار لمنتوجها، وعندما يرضى فريد الطفل بعد تذوقه الجبن، تتأكد هي من أن ما صنعته جيد، وهو اليوم يحاول أن ينقل تلك الصور للأجيال التي لم تعش تلك الحياة، وأن يصنع جسورا عابرة للذاكرة بين الأمس واليوم،  وهدفه الحفاظ على هذا التراث وعلى هذه التقاليد الأصيلة.

يقول الفنان بأنّه يعتمد أسلوب التكنولوجيا الحديثة، ليوصل هذا الزمن الجميل من حياة أجدادنا، كي تتقبله أجيال الشباب، بالتالي فهو يطعم الصور الفوتوغرافية بالبعد الثالث، الذي يوحي للزائر بأنه جزء من هذا الفضاء، يدخله ويسكنه ويعيش حياته كما كانت تماما.

من بين الأماكن التي يستحضرها الفنان، البيوت القديمة والمعالم التاريخية والمدن، وكذا لقطات الحياة كما يسميها، وهي لقطات حية في الزمن الآن أو في الذاكرة، وغالبا ما تكون مشهدا حيا لنشاط تقليدي يكاد أن ينقرض في أيامنا، بالتالي لا يصل إلى الآتين، أما الجمهور المخضرم الذي عاش تلك الأيام فيرى الصورة ناطقة ويلقي بنفسه في أعماقها.

كما أكد الفنان أن المعرض يجسد معاني الهوية الجزائرية وضرورة العودة إلى كنفها، وطاف مع المساء في المعرض ليتحدث عن بعض الأدوات الأخرى التي جلبها، منها المكنسة والجفنة والغربال وقصعة العود والأطباق والأواني وغيرها، ودعا إلى ضرورة إحيائها في يومياتنا، على الأقل كديكور في المنازل أو الفنادق، مع لمسة عصرية خفيفة، كتحويل الجرة إلى أباجورة وهكذا. كما قدّم أغراضا أخرى ولوحات، منها لوحات الزيتون في الأغصان تقطر بالزيت القبائلي الناصح، يستطيع الزائر لمسه، وهو منجز بتقنية ثلاثية الأبعاد.

قدم عترون بعض اللّوحات من تاريخ المقاومة والثورة ضد الاستعمار الفرنسي، منها الصورة التي التقطها لمنزل علي زعموم بقرية إغيل إمولا في ولاية تيزي وزو، الذي شهد كتابة بيان أول نوفمبر 1954، بعد اجتماع الستة بالعاصمة وكذلك منزل البطلة لالة فاطمة نسومر ثاخلويث، حيث كبرت وترعرعت. وأكد الفنان أن بعض المؤرخين وعلماء الآثار الذين زاروا معارضه أفادوه بتوجيهاتهم.

بالنسبة للفنانة نريمان، فهي بارعة في أسلوبها التجريدي المفعم بالألوان والرموز، كما تفضّل السفر عبر الصحاري والمجرات، حيث الانطلاق والحرية، وتستخدم الألوان الموجودة في الطبيعة، والألوان الحارة والقوية التي تعكس قوة الطبيعة والكون. ولا تقتصر تجربة ناريمان على التلوين، فهي تستخدم تقنية الرسم واللصق أيضا، لتطرح وسائل تعبيرية جديدة تتعدى الطرق التقليدية في التعبير. من بين لوحات الفنانة، نجد مثلا لوحة ضخمة بعنوان طاقة حيوية، مركب عليها القش، وبها تنتشر الرموز. هناك أيضا لوحات صغيرة مرصعة بالحصى الملون، منها نقطة استفهام و«حب قلبين وغيرها، وتحاول في كل لوحة تصوير جزء من مضمونها بالخيط، كأن ترسم به قلبين.

قد تبدو بعض اللوحات مبهمة، لكنها تعكس التمكن والتقنيات العالية في مزج الألوان والأضواء وإيجاد المكان المناسب لطرح فكرة اللوحة.