للراحلة عائشة بزيو

صدور ”إطلاق سراح الأشياء”

صدور ”إطلاق سراح الأشياء”
عائشة بزيو
  • القراءات: 1139

أحيانا، يعيش الحلم أطول من حياة صاحبه، وهو حال عائشة بزيو التي صدرت لها مجموعة قصصية بعد وفاتها، بقرار من أختها حياة، التي أرادت أن تحقق غاية شقيقتها وفاء منها وحبا لها، فأصدرت لها هذه المجموعة ووضعت نسخة لها على قبرها، فأي وفاء هذا؟ وأي حب مثل حب حياة لعائشة؟.

تحدثت حياة بزيو لـ”المساء، عن هذا الحلم الذي تحقق لأختها وإن كان بعد وفاتها، فقالت إن إطلاق سراح الأشياء هو عنوان لمجموعة قصصية صدرت حديثا عن دار خيال للنشر والتوزيع للراحلة عائشة بزيو (17 جوان 1964-23 نوفمبر 1998)، التي تخرجت من المعهد التكنولوجي لتكوين المعلمين ببسكرة، ومارست التدريس في إحدى مؤسسات البلدة (سيدي خالد) لمدة أربع سنوات، ثم استأنفت دراستها في جامعة محمد منتوري، ونالت شهادة ليسانس في علم النفس العيادي الذي كان له أثر واضح في كتاباتها التي تميزت بالتحليل العميق لشخصيات قصصها، كما أثرت وظيفة التعليم كذلك في أسلوبها القصصي. 

وتابعت حياة، أما عن كتابها، فهو حكاية أخرى بحد ذاته، فبعد وفاتها المباغتة، قررت أن أجمع شتات أوراقها وأحسن قصصها التي ظلت مبعثرة في مسودات متداخلة وغير مرتبة (وقد شرحت ذلك مطولا في تقديمي للكتاب)، جلبت بعضها من مكتبها في العمل بمديرية الأمن ببن عكنون، ومن مقر سكنها بباش جراح، عملت على جمعها وتنسيقها وتقسيمها، حسب أجناسها الأدبية (عندها مجموعة من المسرحيات، قد يتضمنها الإصدار الثاني الذي أعمل عليه حاليا)، اعتكفت على حلم لم يفارقن منذ أن قطعت العهد على نفسي في إخراج قصصها إلى النور، لتخليد أفكارها بنبوءاتها وتوصيفها الحيادي للواقع الجزائري وتنويرها الناضج. أضافت حياة أن المجموعة القصصية لعائشة بزيو، تقع في 240 صفحة وتضم تسع قصص قصيرة ومجموعة من الخواطر والرسائل، تندرج ضمن الأدب الملتزم، تناولت فيها الكاتبة الراحلة، كل الجوانب والقضايا التي شغلت البيئة الجزائرية وهمومها. توقفت حياة عن الكلام لهنيهة، ثم قالت أنا شقيقتها أصغر منها آمنت بكل ما آمنت به، لكن انشغالي بالتعليم والأولاد والتأليف (عندي كتابين) ووالدتي رحمها الله.. كل هذه الأسباب عطلتني، كما أنني كنت أريد إخراجه في حلة تليق به

أحداث مؤلمة ومفعمة بالإنسانية 

في المقابل، كتب مقدمة المجموعة الكاتب والمترجم بوداود عمير، وفي هذا قال لـ«المساء، إن قصص عائشة لا تشبه القصص، مضيفا أن سياق نشرها، نكاد لم نتعود عليه في وسطنا الأدبي؛ ذلك أن خلف تلك النصوص تتوارى أحداث قصة واقعية مثيرة، قصة حزينة، مؤلمة، ومفعمة بالقيم الإنسانية. تكاد حياة عائشة بزيو تشبه مسار الشاعرة الراحلة صافية كتو، والكاتبة الراحلة يمينة مشاكرة في طموحهما وخيبتهما وآمالهما وأوجاعهما. الفرق أن الكاتبتين الشهيرتين، حققتا على الأقل، رغبتهما في نشر أعمالهما، بينما لم تتح فرصة النشر للراحلة عائشة بزيو أثناء حياتها.

قدم المترجم الفذ، تفاصيل عن المبدعة عائشة بزيو، فتحدث عن طموحها، وأنها ماتت في ريعان شبابها، كما حققت أحلاما، بفضل عزيمتها وإصرارها، متحدية الهامش وسطوة القبيلة، لكنها أخفقت في تحقيق أحلام أخرى راودتها ذات طموح. وتابع أن عائشة جاءت من بلدة منسية في الجنوب الجزائري، وقفت في مواجهة القبيلة والأحكام المسبقة، ورفضت متحدية الخضوع للأمر الواقع، في سبيل تحقيق حلمها في الدراسة والكتابة والإبداع؛ كل شيء كان يقف ضد تحقيق حلمها، لم يكن الأمر سهلا، لكنها استطاعت بعزيمتها وإصرارها افتكاك بعض مبتغاها، على الأقل في اختيار التخصص العلمي الذي يناسب رغبتها. واصل سرده لهذه التفاصيل المتعلقة بالكاتبة الراحلة، فقال؛ إنه في الجزائر العاصمة وجدت عائشة ضالتها في الدراسة والكتابة بحرية؛ فلم يلبث أن تفوقت في دراستها، لتختار عن سبق إصرار علم النفس كتخصص، تحاول من خلاله، فهم رياء بعض الناس ونفاقهم، وسر سلوكهم العدواني.

كانت تقرأ كثيرا، وكانت تكتب كثيرا؛ تسجل بدقة وعناية تفاصيل حياتها الحافلة بعنفوان الحياة وتناقضاتها، وتكتب بوح أولئك الذين تلتقيهم وتلامس همومهم. كتابات أدهشت بلغتها وتفاصيلها جميع من قرأها، هكذا أوصى جميع من أتيح له الاطلاع عليها بطبعها، وعندما عزمت على نشرها باغتها الموت على حين غرة، وفي قلبها يسكن حلم نشرها في كتاب-أضاف عمير-. وتابع هكذا بقيت نصوصها المخطوطة حبيسة الأدراج نحو عشرين سنة، عندما قررت شقيقتها بدعم ورجاء من أمهما، وبتشجيع من أصدقاء وأقارب ومثقفين، نفض الغبار عن أغراضها، ونشرها وتحقيق حلمها، وكانت المجموعة إطلاق سراح الأشياء، بعد فرز ومراجعة وبحث مضن.

أضاف مجددا أنه مباشرة بعد صدور الكتاب الأسبوع الفائت، توجهت أخت المرحومة نحو قبر أختها، قرأت على روحها الفاتحة، ووضعت نسخة من المجموعة القصصية على قبرها مع باقة ورد، وكأنها تخاطبها ها أنذا عزيزتي عائشة، قد حققت لك أمنيتك الغالية، فلتنامي في هدوء وسكينة. ليعود ويؤكد لـ”المساء، أنه أتيح له قراءة المجموعة، مخطوطا، كما شجع كثيرا شقيقتها على نشرها، مشيرا إلى ضم المجموعة لمقدمة عميقة ومؤثرة كتبتها شقيقتها، تكشف بعضا من أسرار حياتها وأحلامها ومسارها الإبداعي، وعن ظروف وملابسات كتابة تلك القصص ونشرها. 

إنصات مدهش لهمس الجمال المختلف والمتفرد 

أما الناقد طارق لحمادي، فقد كشف لـ”المساء، عن إعجابه بعمل عائشة بزيو، ولهذا فقد كتب في غلافها ما يلي لا أعرف عن عائشة غير نصها المشرع على الحياة في جذوره، الملتحم بالواقع في فروعه، المثير لرغبة التأمل والمشاركة في ثماره، من باب هذا التصور تحول نص هذه المبدعة إلى شجرة عطاء، توحي بحياة أكثر خصبا، وتدل على قيم أعلى حضورا، وتلتزم بحمل أمانة تتجاوز جرفة الكتابة (الفن) إلى رتق ما في الحياة من تمزق ظاهر.

واصل عبر هذا الحس كبر نص عائشة داخل واقعية استأثر بها الهامش، وأطل منها البطل المخلوق من حفر عارفة ذلك البطل المشدود إلى جاذبية قدرية نحتت مصيره، ووقفت به في أغلب الأحيان على لمسة حزن شفافة، عبر حوارات سلسة حية طازجة، فيها من إرهاف السمع لدقائق الواقع ما فيها، وعليها رموز إيحاء ما عليها، لينهض نص-عائشتنا رحمة الله عليها- على صوت تشكل حياة لم تتكلف رسمها، ولا افتعلت صناعتها. اختتم كلمته قائلا لقد تجاوزت عائشة بموهبتها الأصيلة النص الكلاسيكي المؤثث برائحة الماضي إلى ما دونه من تجريب، عبر إنصاتها المدهش لهمس الجمال المختلف والمتفرد، في قراءات عززت فهمها لواقع حياة قصيرة عاشتها، تاركة خلفها أثر بصمة فريدة في كتابة باقية.

فعلا، قد يموت الإنسان من دون أن يحقق من أحلامه الشيء الكثير أو من دون تجسيدها في الواقع أصلا، قد يرحل وفي قلبه غصة لهذه الغاية التي قد شكلت أحد أهم مناياه في الحياة الدنيا، إلا أنها بقيت حبيسة أعماقه، أم أنها كعائشة خطتها على الورق وكُتب لها عن قصد أو غير قصد، أن تدفن، بيد أن لعائشة أختا اسمها حياة أحيت هذه القصص وحولت هذا الحلم إلى حقيقة، ليصبح لعائشة أثر في عالم الأدب وبصمة لا غبار عليها.