عبد القادر ضيف الله رئيس جمعية صافية كتو لـ “المساء”:

صدور كتاب “الشيخ بوعمامة وإيزابيل إبرهاردت، لقاء أم مصير؟”

صدور كتاب “الشيخ بوعمامة وإيزابيل إبرهاردت، لقاء أم مصير؟”
  • 1415
لطيفة داريب لطيفة داريب

كشف الكاتب والأستاذ الجامعي رئيس جمعية صافية كتو، عبد القادر ضيف الله لـ(المساء)، عن تكفل الجمعية بإصدار كتاب (الشيخ بوعمامة وإيزابيل أبرهاردت، لقاء أم مصير؟) للباحث بوداود بلعرج، بمناسبة مرور 32 سنة على رحيل الشاعرة صافية كتو.

وبهذه المناسبة، سيتم تنظيم حفل بيع بالتوقيع لكتاب (الشيخ بوعمامة وإيزابيل إبرهاردت، لقاء أم مصير؟) للباحث بوداود بلعرج، اليوم، بملحقة دار الثقافة بغدادي بلقاسم بعين الصفراء (ولاية النعامة). وجاء في الكتاب أن هذا الأخير يجمع بين شخصيتين بارزتين يربطهما زمن واحد بالمنطقة (العين الصفراء وما جاورها)؛ إذ يُعتبر الشيخ بوعمامة من أبرز الأبطال التاريخيين الذين صنعوا مجد المقاومة الجزائرية في الجنوب الغربي (1881 1908). أما الشخصية الثانية فهي شخصية أعلامية وأدبية كبيرة، تركت بصمتها رغم عمرها القصير الذي لم يتجاوز 27 سنة؛ فقد كانت مناهضة للاستعمار، وكشفت عن معاناة الشعب الجزائري، وكان لها الدور الرئيس في نقل أخبار مقاومة الشيخ بوعمامة إلى كبريات الصحف العالمية آنذاك؛ أي خلال أحداث 1903 و1904.

معركة زناقة (بني ونيف)

في 31 ماي 1903 تعرضت كتائب القبعات البيض والحراسة الخاصة بالحاكم العام للجزائر جونار، لهجوم مجاهدي الشيخ بوعمامة بالطريق المؤدي إلى فيقيق (المغرب الأقصى)، قرب واحة نخيل زناقة. وكان خط السكك الحديدية وصل إلى منطقة بني ونيف 150 كلم جنوب العين الصفراء. وكان التحضير قائما لـ جونار لتدشينه، فأعاد الشيخ بوعمامة الهجوم. كما نصّب رجاله كمينا للحاكم العام للجزائر، الذي نجا بأعجوبة.

معركة تاغيت والمنقار

من 17 إلى 18 أوت 1903، طوّق 600 مجاهد المركز العسكري لتاغيت (جنوب بشار)، والذي كان تحت قيادة النقيب دوسيسبيال؛ إذ دامت المواجهات عدة أيام، أسفرت عن عدد كبير من القتلى لكلا الجانبين.

أما في 02 سبتمبر 1903 فقد هاجم 200 مجاهد بالمنقار (30 كلم شمال تاغيت)، قافلة محملة بالمؤونة والأسلحة. وكانت الحصيلة ما يقارب سقوط 40 جنديا أجنبيا من القبعات البيض، وجرح 46 آخرين من أصل 110 جندي كانوا مكلفين بحراسة القافلة.

الصحافة تحل بالمنطقة

وقد بثت هذه الأحداث المتتالية الرعب والقلق في فرنسا، وكان لها صدى إعلامي دولي كبير. وهكذا في بداية شهر سبتمبر 1903، حل بالمنطقة مجموعة من الصحافيين ذوي شهرة واسعة، للاطلاع على هذه الأحداث، نشير بالذكر إلى المراسل الخاص بجريدة لومتان جون رودس، والصحافية المبعوثة من جريدة الأخبار إيزابيل إبرهاردت المسلمة، القادرية،  ذات الأصل الروسي، مرتدية بذلة الفارس العربي وباسم مستعار سي محمود، والتي لقبتها النساء في زاوية سيدي بوتخيل بقصر العين الصفراء، بـ محمودة؛ لأن هذه الزاوية تابعة للطريقة القادرية. 

وفي هذه الأثناء كانت هذه الأخيرة تراسل وتكتب وتصف المنطقة والأحداث، وكانت إرادتها كبيرة في متابعة العمليات العسكرية، وسير الأحداث أمام قلق واندهاش الضباط الفرنسيين؛ إذ كتبت: فأسلوب الرقابة وطريقة المقص أصبحت سارية التنفيذ ضد البرقيات الخبرية؛ تجنبا لتسرب هاجس الاسم الذي ملأ منذ 25 سنة، صدى الجنوب الوهراني، الاسم القديم الذي أصبح أسطورة، والذي طرق بغرابة مقلقة الواقع هنا، إنه بوعمامة. وقد أدت إيزابيل إبرهاردت دورها بوعي وحنكة كمبعوثة خاصة، حيث أجرت استجوابًا مع جرحى معركة المنقار، الذين كانوا بمستشفى العين الصفراء. وكانت إيزابيل تعرفت على الجنرال ليوتي، الذي عُيّن في الفاتح منأكتوبر 1903 قائدًا لإقليم العين الصفراء، وهو صاحب سياسة إحلال السلام، التي اعتُبرت سياسة ماكرة، فطلب من إيزابيل التعاون لإنجاح هذه السياسة، لكنها رفضت. وفي بداية 1904 دعت إيزابيل الحركة الفرنسية المناهضة لسياسة الحكم الفرنسي الاستعماري، إلى التحقق من العنف الغاشم المسلط على سكان الجنوب الوهراني من لدن الجيش، تحت قيادة الجنرال ليوتي، نتيجة هزائم المعارك التي قادها البطل الشيخ بوعمامة. وبالفعل جاء رئيس الحركة المناهضة في الوقت الذي ماتت إيزابيل إبراهاردت عن عمر يناهز 27 سنة، ثم أشار قائد الحركة إيرناستجيرولت في تقريره، إلى أن السيطرة العسكرية في منطقة العين الصفراء قائمة على الضغط وسياسة التجويع والقمع.

ونزلت إيزابيل ضيفة على زاوية الشيخ بوعمامة بقصر فيقيق  (المغرب الأقصى) والزاوية الزيانية بالقنادسة، علما أن قصر فيقيق الموجود على الحدود الجزائرية ـ المغربية، يبعد بحوالي 5 كلم عن مدينة بني ونيف، ويوجد فيها منذ القدم زاوية جد الشيخ بوعمامة، زاوية سيد عبد القادر بن محمد.

التقاء إيزابيل ببوعمامة

وأثناء المقاومة شكلت القاعدة الخلفية لمواجهة العدو، وتُعتبر كذلك مركز قيادة جيشه. ورفقة سي بن الشيخ مقدم زاوية سيدي سليمان بوسماحة ببنى ونيف، التقت  إيزابيل الشيخ بوعمامة، مع عدم الإشارة إلى ذلك في كتاباتها حتى لا تتعرض للنفي أو الضغوط، ولكنها أوحت إلى أنها كانت قريبة من محيط بوعمامة، فكتبت، مثلا في كتابها مذكرات الطريق: التقيت مع السي محمد بن لمنور المدعو سيدي أحمد، ابن عم وصهر بوعمامة.

وكصحفية حصلت على التسريح من القيادة العسكرية للسماح لها بالذهاب والإقامة بالزاوية الزيانية بالقنادسة قرب بشار، وتحت اسم مستعار سي محمود ولد علي الشاب الأديب التونسي، والتقت بمقدم الطريقة الزيانية سي إبراهيم بن الشيخ، وقد أقامت في هذه الزاوية مدة شهرين (جوان وجويلية 1904) للتأمل والذكر والكتابة. وفي شهر أوت 1904 أفلتت إيزابيل إبراهاردت من المراقبة العسكرية. والكتاب المدون عن سيرتها لم يثبت؛ حيث كانت أثناء هذا الشهر، حتى إنه كذّب اللقاء بين إيزابيل وبوعمامة؛ لأن في تلك الأثناء ومنذ 1903 كان الشيخ مريضًا، وقد اتجه نحو المغرب الأقصى، ولكن المؤرخ (ل.برقون) يحدد زمن الذهاب في جوان سنة 1904، ولكن علينا قراءة ما بين السطور في (مذكرات الطريق)، كتبت تقول: الخادم الوفي لبوعمامة ؛ أي مقدم زاوية سيدي سليمان بوسماحة سيدي بن الشيخ ، وللمرة المائة منذ معرفتي به قال لي: سي محمود، يجب عليك الذهاب لرؤية الشيخ بوعمامة في الزاوية البدوية قرب جبل الثلج. وكما نعلم، فإن أماكن الزوايا معروفة ولا يوجد زوايا متنقلة. وحسب شهادة المجاهد سالم فراجي فإنه رافقها أثناء الصيف على حصان من زاوية سيدي سليمان بوسماحة ( بني و نيف ) إلى فندي على بعد 40 كلم، فالتقت الشيخ بوعمامة، وذلك لإتمام المخططات: مذكرات الطريق وصفحات الإسلام.

مرض إيزابيل ومن ثم وفاتها

وعند رجوع إيزابيل من قصر فندي الذي بقيت فيه شهرين؛ من أول أوت إلى 11 أكتوبر 1904، ومرورًا بمدينة بني ونيف، وفي هذه الأثناء أصابتها الحمى، فوصلت إلى عين الصفراء، ودخلت المستشفى، وبقيَت فيه مدة 15 يومًا.

وفي 21 أكتوبر 1904 يوم خروجها من المستشفى، وفي الساعة التاسعة والنصف التقت بزوجها سليمان أهني في منزلهما ذي الطابق المستأجر في وسط المدينة، لكن الفيضانات التي أغرقت جانبًا من المدينة، جعلت نهاية المرأة مأساوية بالنظر إلى سرعتها الخارقة؛ إذ أطاحت بمنزل الفقيدة، التي عُثر على جثتها بعد يومين من البحث تحت الأنقاض. وسُجلت في هذه الحادثة ستة وعشرين ضحية. وعُثر على مخطوطاتها التي سُلمت من طرف الجنرال ليوتي لمؤلفها فيكتور بريكند. وقد بعث ليوتي إلى وكالة هافاز ببرقية سريعة نقلتها الصحافة في الجزائر وفرنسا: جثة إيزابيل عُثر عليها تحت الأنقاض. وهذا مقتطف من البرقية كما وردت بجريدة لاديباش ألجريان. بخصوص وفاتها: عُثر في عين الصفراء صباح 27 أكتوبر 1904 في الساعة التاسعة والربع، على جثة إيزابيل إبراهاردت تحت الأنقاض.