قصيدة تُنشر لأول مرة للقاضي سي محمد بن فتاشة

صاحب الإحسان والقوافي والعدل والميزان

صاحب الإحسان والقوافي والعدل والميزان
  • القراءات: 747
مريم. ن مريم. ن

قدّم الأستاذ بن فتاشة مبروك، مؤخرا، قصيدة القاضي الشهير سي محمد بن فتاشة، الذي عاش قرنا وعاما من الزمان (1790-1891)، ودرس في الزاوية العثمانية، واشتهر بالقضاء في العهد العثماني، ثم في دولة الأمير عبد القادر، وكان ممن استقبلوا الأمير في البيعة الأولى ببلاد أولاد نايل، سنة 1837.

كتب الأستاذ بن فتاشة مبروك: "كما هو واضح، فإن القصيدة ليست مضبوطة إيقاعيا، ولكنها بلغة عربية فصيحة جميلة، وبها مفردات قرآنية تدل على التكوين الديني لصاحبها ... ونلاحظ أن الممدوح هنا هو "عيسى الحاج" أو "الحاج عيسى"، وأنه قاض؛ بدليل البيت الذي مدحه فيه الشاعر في قوله:

"بحثت على كُنه المسائل كلها.. فأحكامك بالعدل والقول صادق".

وتمت الإشارة، أيضا، إلى أنه لا يُعرف، حاليا، من هو القاضي الحاج عيسى، لكن من المؤكد أنه من شيوخ القاضي سي محمد بن فتاشة، وبالتالي فهو من مواليد منتصف القرن الثامن عشر.

ومن ضمن ما جاء في نص القصيدة التي ماتزال محل تصحيح وضبط:

حمدتك رب العرش والله خالق.. وثم صلاتنا على النبي فارق

وبعد، فهذا قول نظما مهذبا.. على سيدي قولتي بالعطف ناسق

منذ زمان أراقب الجمع بيننا.. وربنا فعّال لأمره سابق

فيا جامع الفنون يا ذا المناقب.. فإنك لفهم معانيهم ذائق

فيا أيها الشيخ الذي بان سرُّه.. وحده عيسى الحاج حفظ المواثق

في الدين قطبُ الوقت كنز الحقيقة.. بنظرته يُهدى الذي كان فاسق

للإشارة، فإن محمد بن البشير بن اقويدر بن رابح بن فتاشة، يُرجّح أنه وُلد في حوالي أواخر 1790 بمسعد. ينتمي إلى أحد أعرق البيوت مكانة وعلما ومالا لفرع أولاد احميدة من فرقة أولاد سعد بن بوزيد، إحدى الفرق الأربعة المكونة لعرش أولاد يحيى بن سالم بن مليك بن سيدي نايل.

ويتركز تواجد أغلب هذا الفرع بمنطقة مسعد وسد رحال، غير أن البعض ينتشر في كل من الجلفة، والأغواط، والقرارة، وقصر الحيران، ومنطقة التل، والجزائر العاصمة، وخميس مليانة، والزوية بتلمسان، والمسيلة، وبوسعادة وغيرها.  ويوصف القاضي سي محمد بن فتاشة بأنه كان قوي البنية ببشرة تميل إلى البياض، بنظرة وسلوك يتسم بالوقار. متوسط الطول كغيره من عائلة الفتاتشة.

وكان يفضل لبس البرنوس الأبيض. ويُعرف عنه أنه كان أنيقا في لباسه، مداوما على النظافة والوضوء. ونتيجة شغفه بالأماكن الفسيحة وحبه لاستقبال الأهل والمعارف، كان منزله برحبة مسعد، يحوي اثنتي عشرة غرفة، وكان شديد الكرم؛ مما دفعه إلى كسب الماشية ببادية أولاد يحيى بن سالم. ومما عُرف عنه أنه مسالم، شديد العزة بالنفس، ولا يجنح إلى كثرة المهاترات والصراعات؛ فكان مترفعا جدا عن الصغائر، وكان قوي الشخصية، ذا حضور مميز وأنفة وكبرياء. ولأنه كان صاحب رأي سديد وصدوقا إذا حدّث، فكان يُستشار من القريب والبعيد.

ولا ينقطع عن الصلاة في وقتها. وكلامه دائما يحشوه بالتدليل إن حِكما أو أمثالا، أو قرآنا أو أحاديث. كما كان قارضا للشعر، وسلس الكلام، وذا بلاغة. ومما يُحفظ عنه قوله لما ظُلم من أهله في قضية أرض زراعية بنواحي سد رحال لم يشأ أن يطيل الخصام ويزرع عداوة بين العوائل، بل ترك من حقه، وانسحب بعزة نفس، وهجاهم بقصيدة لايزال هذا البيت منها يتذكره بعض من أبناء عرشه.

ودرّس طلاب الزاوية حتى أثناء دراسته قبل التخرج، لتفوّقه على زملائه، الذين كان هو أصغرهم. ويُذكر أنه درس بالمدرسة التركية كذلك بالجزائر، ليكون أول من ينال إجازة منها في المنطقة.

وكان ضمن المجلس المؤسس والمُسير لشؤون بلدة مسعد (القرية). كما كان ضمن الوفود التي استقبلت الأمير عبد القادر بوادي ختالة أواخر 1837، ومن أتباع دراويش الشيخ موسى الدرقاوي. وله أعمال كثيرة أخرى تحتاج مزيدا من البحث بمسعد والجلفة، وخاصة بالأغواط. لقد ذاع صيت القاضي سي محمد إضافة إلى لغته العربية الجميلة وفصاحته، وما كان لأحكامه من جرأة وحكمة في استنباط الحق والعدل.  وتوفي، رحمه الله، سنة 1891. ودُفن بمقبرة مسعد بعد أن أفرشوا قبره بورق الحنة. يقال إن له مخطوطات بخط يده، كانت دائما ترافقه في جرابه، وأوصى بوضعها في جامع (الصفاح) بالأغواط، لكنها فُقدت.