زهرة المسرح الجزائري

شمعة نورية تنطفئ

شمعة نورية تنطفئ
  • القراءات: 1370
نوال جاوت نوال جاوت

أدّت ببراعة كبيرة دور الأم المنصتة تارة والحماة المتسلطة تارة أخرى، متوشحة "محرمة الفتول" مرتدية سروال الشلقة و"الكاساكا"، فعلقت في أذهان المتفرجين في أدوار مسرحية وتلفزيونية اثثت الخزان الفني الجزائري، حيث أتقنت وتفننت وتركت بصمة لا يمكن أن يمحوها الزمن.. هي نورية قزدرلي التي ترجلت والتحقت بزملائها في المسرح والتلفزيون، الذين سبقوها إلى الرفيق الأعلى بعد أن شكلت معهم ثنائيات رائعة.

نورية التي يعدّ اسمها علامة فارقة في الفن الجزائري المسرحي والتلفزيوني، ممثلة متميزة كانت لها إسهامات كثيرة وكبيرة في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية كما أنها إحدى الشخصيات الرائدة في المسرح والشاشة الصغيرة التي عرفت فيها خصوصا بدور الأم الجزائرية التقليدية.

الراحلة خديجة بن عايدة المعروفة بـ "نورية"، المولودة في تيارت عام 1921، لم تدخل مدرسة في حياتها، لكنها كانت مدرسة في حد ذاتها فقد كان لها الفضل إلى جانب كلثوم في تغيير نظرة المخرجين والمجتمع إلى عمل المرأة بالمسرح، حيث كانت الأدوار النسائية قبل هذا تسند للرجال فاتحتين بهذا المجال للعديد من الممثلات الأخريات، حيث أعطى انضمامها للمسرح الوطني عام 1963 دفعا قويا للتمثيل النسائي لتصبح أيقونة الفن الرابع في الجزائر ولتلقب بعدها بـ«زهرة المسرح الجزائري".

كانت خديجة وحيدة أبويها، وعندما بلغت سن الـ14 انتقلت للعيش رفقة أختها من أبيها المتزوجة في مستغانم، وبعد بضع سنوات تعرفت على مصطفى قزدرلي وتزوجته وهي بنت الـ19 عاما ثم انتقلا إلى العاصمة واشتغلت خياطة، بينما كان زوجها قزدرلي ممثلا وقتها ويقوم بتنشيط جولات فنية رفقة عبد الرحمن عزيز، بوعلام رايس ومصطفى بديع في مختلف أنحاء الوطن، وكانت تخبّئ مبلغا بسيطا من المال فطلبوا منها إعارتهم إياه، فوافقت مشترطة مرافقة الفنانين في جولتهم للنزهة والفرجة، ولأنهم كانوا مضطرين، وافق زملاء قزدرلي، لكنهم في طريقهم إلى سطيف وقسنطينة عبر القطار؛ اكتشفوا غياب الممثلة التي كانت ستمثل معهم وهنا بدأت حكايتها مع الفن.

وأوضحت الراحلة في تصريح لها أنّ مصطفى بديع وبوعلام رايس هما من أطلقا عليها اسم "نورية"، ولعبت أولى أدوارها رفقة عبد الرحمان عزيز عام 1945 رغم معارضة زوجها للفكرة، وكان أكثر شخص شجّعها هو مصطفى بديع الذي أسهم في عودتها إلى التمثيل بعدما توقفت لفترة بسبب اصرار زوجها على ذلك لتترك العمل، قبل أن يظهرا معا على خشبة "أوبرا الجزائر" (المسرح الوطني حاليا).

كان محي الدين بشطارزي يبحث عن ممثلة تقوم بدور امرأة بدوية تتكلم باللهجة الوهرانية، فرشحها مصطفى بديع للدور، وعندما دخلت نورية على بشطارزي نظر إليها وقال لعبد الرحمان عزيز "طلبت منك بدوية، ماشي ماريكانية يا سي عزيز"، فردّت ضاحكة "أنا بدوية"، وقامت بالدور أمام الفنانتين كلثوم ولطيفة وحبيب رضا، كما مثّلت نورية إلى جانب وهيبة زكال، هجيرة بالي، فريدة صابونجي، شافية بوذراع، رويشد، ومثلت مع حسن الحسني، في خمسينات القرن الماضي، وكانت له معها جولة في فرنسا، أما مصطفى بديع فقدّمت معه عدة تمثيليات إذاعية.

قدّمت نورية خمسة أعمال للسينما، فضلا عن 170 عملا تلفزيونياً وتعاملت مع أغلب المخرجين من بينهم بن عمر بختي، موسى حداد، الحاج رحيم وآخرون كانوا كلهم يحبون العمل معها، أبرزها "خذ ما عطاك الله" (1981) و"الليل يخاف من الشمس" (1964) و"أبناء القصبة" (1963) مسلسل "المصير" (1989) وسكاتشات "العروسة والعجوزة" و«هي وهو" و«خالتي حنيفة في رمضان"، وقد قدمت على مدار مشوارها الفني الطويل أكثر من 200 مسرحية ومن أهم أعمالها المسرحية "بنادق الأم كرار"، "الاستثناء والقاعدة"، "ممثل رغم أنفه"، "وردة حمراء من أجلي"، "الغولة"، "سليمان الملك"، "احمرار الفجر"، و"بيت برناردا ألبا".

وكانت نورية قد كرمت في العديد من المرات من طرف وزارة الثقافة وكذا جمعيات فنية، كما منحت في 2017 وسام الاستحقاق الوطني من مصف "عهيد".