صدحوا في أجواء قسنطينة عاصمة الثقافة العربية

شعراء المغرب ضيوف ليالي الشعر العربي

شعراء المغرب ضيوف ليالي الشعر العربي
  • القراءات: 2138
زبير. ز زبير. ز
حط شعراء من المغرب الشقيق يوم الأربعاء الفارط، بأرض الشهداء وكلهم شوق للقاء إخوانهم في الجزائر في إطار تنشيط فعاليات ليلة المغرب التي تندرج في إطار ليالي الشعر العربي التي ينظمها قسم الكتاب والأدب، ضمن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015. وتعد هذه الليلة الرابعة من نوعها بعد ليالي فلسطين، تونس وقسنطينة، فكانت لتبادل الخبرات والتجارب والاحتكاك بين بلدين جمعتهما الجغرافيا ضمن حيز واحد وجمعهما التاريخ، فكان قاسما مشتركا في العديد من الحقب، بدءا من الفتح الإسلامي إلى الحكم العثماني، فالاحتلال الفرنسي إلى الاستقلال وثورة البناء والتشييد.
وحمل شعراء المغرب تجاربهم ليتقاسموها مع نظرائهم في الجزائر على ركح مسرح قسنطينة الجهوي ليلة الخميس الفارط والتي عرفت أجواء حارة حرارة المحبة بين شعبي البلدين وكانت مهداة إلى روح المصور المغربي أحمد غيلان صديق المثقفين المغاربة والعرب الذي اتخذ من الكاميرا أذنا يسترق بها السمع وعينا ثالثة لا تتوقف عن الوميض يلتقط بها أدق التفاصيل ليخلد اللحظات الهاربة.
وتأتي ليلة المغرب التي جاءت تحت شعار "الشعر والتراب"، لتؤكد عزم المشرفين على الفعالية على المضي في تطبيق البرنامج المسطر، والذي يتضمن استضافة المشاهد الشعرية العربية في 13 أمسية. وضم الوفد المغربي كلا من الشعراء محمد بنطلحة، ياسين عدنان، إيمان الخطابي، صباح الدبي ومحمد الصالحي. وكانت هذه الليلة في ضيافة الشاعرين الجزائريين أحمد عبد الكريم ولميس سعيدي.

عز الدين ميهوبي (وزير الثقافة):

ليلة المغرب عبقت فضاء قسنطينة بعطر الأطلسي

 قال وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي في الكلمة التي أرسلها للحضور والتي طبعت في الكتاب الإعلامي الخاص بليلة المغرب، أن قسنطينة تأبي إلا أن تكون حاضنة الشعر وحاضنة الشعراء، وهي تحتفي بشعراء المغرب الشقيق، سفراء الحداثة وهي تعانق الأطلسي، مضيفا أن هذه الليلة فتحت نوافذ الأدب المغربي لتتنفس عطر الأطلسي من حدائق محمد بنيس، الطاهر بن جلون، محمد شكري، حسن نجمي ومحمد برادة، وحملت معها نسمات ناس الغيوان وجيل جيلالة وكذا أصولات محمد الدوكالي ولطيفة رأفت.
وأكد وزير الثقافة في كلمته التي عنونها بإشراق مغرب الشعر، أن الشعر المغربي، قدم للثقافة العربية الكثير من الإضافات التي نتجت عن ساحة ثقافية متزنة، وترتكز على تراث كبير وترتفع على أعمدة من الحداثة وأنها تركت سقفها مفتوحا على العالم، على سماوات مختلفة من الثقافات الإنسانية الكبيرة التي أثثت لديكور البيت الثقافي المغربي بعدما أدرك الشعراء المغاربة، القيمة المعرفية الكبيرة التي يجب الارتكاز عليها في بناء الذات الشعرية.

بوزيد حرز الله (المشرف على التظاهرة):

الأسماء المشاركة تستمد أهميتها من حضورها

من جهته، أكد بوزيد حرز الله، المشرف على التظاهرة، أن الأسماء المشاركة في الليلة المغربية، لا تستمد أهميتها من عمق نصوصها فقط، بل من حضورها الدائم في المحافل الإعلامية والنقدية وتنشيطا للمنابر الشعرية والثقافية، ليضيف صاحب ديوان "بسرعة أكثر من الموت"، خلال كلمته التي وسمها بجماليات التراكم، أن هذه الأسماء التي تمثل عينات من المدونة الشعرية المغربية، ستمنح للمتلقي والناقد والإعلامي الجزائري، فرصة لأن يتابع أكثر ما يكتب في المملكة، تحقيقا لرهان التبادل الثقافي والفني بين البلدين الشقيقين.
وقال بوزيد، إن نصوص الشعراء المشاركين في ليلة الشعر المغربي، بقدر ما تختلف في آفاقها، فهي تشترك في المنطلق نفسه وهو حرقة الأسئلة في التعاطي مع أبجديات الوجود وهو الأمر الذي ينسجم مع نصوص الشاعرين الجزائريين أحمد عبد الكريم ولميس السعدي اللذين تم اختيارهما مضيفي هذه الليلة.

الوفد المغربي:

قسنطينة أغدقتنا بدفئها

وأبى الوفد المغربي المشكل من 5 شعراء ـ يمثلون مختلف مناطق المملكة المغربية ـ إلا أن يعبر عن غبطته وسعادته الكبيرة لتمثيل المملكة في ليالي الشعر العربي والمشاركة في فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، التي احتضنها حسبهم بلد جار وشقيق، واعتبر الشاعر محمد الصالحي الذي قرأ كلمة الوفد المغربي نيابة عن زملائه وباسم الشعب المغربي، أن هذه الليلة كانت فرصة للتعرف عن قرب عن الإلقاء الشعري الجزائري، كما كانت الفرصة أيضا لتقاسم هذه الليلة مع شاعر كبير في مقام محمد بنطلحة الذي منح النص الشعري في المغرب أفقا واسعا، مضيفا أن الوفد ضم وجهين نسائيين استطاعا بشكل لا غبار عليه، إخراج الشعر النسوي من شرنقة الثنائية البغيضة، شعر المرأة وشعر الرجل، ومنحتاه أفقا شعريا.
وقال الشاعر محمد الصالحي، إنه سيعود وزملائه إلى المغرب محملين بأسمى معاني المحبة، بقلوب دامعة وجيوب ملأى بالحنين، كما شكر ضيف الجزائر، قسنطينة التي أغدقتهم بدفئها وقلبها الرحب حسب وصفه، ولم ينس تقديم الشكر للمشرف على التظاهرة والفريق المتعاون وكذا أصدقائهم الجزائريين الذين أخجلوهم بمحبتهم منذ وصول الوفد إلى الجزائر.

محمد بنطلحة يفتتح الليلة وأحمد عبد الكريم يختتمها

وقد افتتح الليلة الشعرية المغربية، الشاعر المغربي المخضرم والدكتور محمد بنطلحة، صاحب ديوان "أخسر السماء وأربح الأرض (2014)"، حيث تحدث في مستهل كلمته عن لقائه بالزعيم الجزائري محمد بوضياف وذلك الأثر الذي تركه فيه، معتبرا أن هذا المدخل ليس تاريخيا وإنما هو شعري، ليطرح التساؤل إذا لم تكن تعرف من أين ذاهب، فالمهم أن تعرف إلى من أين أتيت، وفي خضم السؤال طرح التساؤل عمن هو محمد بن طلحة، فقال في قصيدة:
 محمد بن طلحة اسم مستعار
عند هيرودوكس هو الذي حينما
عثر على برج بابل في صندوقه البريدي
عثر أيضا على رقعة شطرنج
حكمة قديمة: أعلى مراتب الحقيقة، الكذب
ولكن الكذب درجات
هناك الكذبة الأولى والكذبة الثانية والكذبة الثالثة
أدم لما كذبت وكم عدد كذباتك
اليوم حيث كل الحقائق مؤجلة
النبيذ إلى الغد والذكريات إلى حياة غير هذه
فماذا سأفعل...
ثم قرأ الشاعر الذي بدأ الكتابة في أواخر الستينيات ونشر منذ بداية السبعينات، بعض المقاطع كتبها في بداية حياته الشعرية سنة 1972، من قصيدة رؤى في موسم العوسج استحاء لتجربة الجيل الحمصي، قال فيها:
تخوم الشام نائية
ولي في الشام عاشقة
تصب الخمر للأعداء عارية
وتطمس في الدواخل سر لم تعشق
شممت قميصها في خمارة المنفى
فكدت أن أحل فيها وكدت أطرح جثتي جسرا
يجوز المرفأ المغلق...
ونابت بعد ذلك الشاعرة الجزائرية لميس سعيدي زميلها المغربي في المنصة، حيث قرأت نصوص من ديوانها الجديد الذي سيصدر قريبا بعنوان مرفقات مع الموت وقالت:
أيها الفرح خفف ضجيجك قليلا
ثمة أحزان توشك أن توقظها
صباح الخير أيها العالم الغريب
صباح الخير أيتها الذكريات المؤلمة
أعرف أنك لن تعوذي أبدا
وقد أصبحت مستحيلة كحلم
فلا بأس بصباح الخير
كما قرأت لميس من قصيدة "جنريك" وجاء بعدها الدور على الشاعر المغربي ياسين عدنان من مدينة أسفي الذي عاد إلى قسنطينة بعد غياب دام أكثر من 21 سنة مع صديقه الراحل بختي بن عودة، والذي قرأ مقطع من قصيدة دفتر العابر وقال:
في الطريق إلى حيث لا تدري
تعبت، فغفت روحك قليلا في حضن الأغنية
كأنك ستغادر جسدك من فرط الخفة
كأن روجا من نقع ستحتل روحك...
ليترك المجال بعدها إلى زميلته إيمان الخطابي، الشاعرة التيطوانية، صاحبة البحر في بداية الجزر وحمالة الجسد، التي قرأت من قصيدة السقوط، تلتها مقتطفات من نص من قصيدة البحر في بادية الجزر وختمت بمقاطع صغيرة على شكل شذرات.
الشاعرة الخامسة في ليلة الشعر المغربي، كانت صباح الدبي، صاحبة "حين يلهب الماء" و«سدرة الضوء"، التي قرأت من قصيدة "زاد وسفر" وقالت فيها:
حينما يسحب الصمت عينك للنور
أذهب إلى حيث لا عتمة في المدى
الندى مشرع والنوافذ
يومئ بلورها للرحيل
خذ من الزاد ما يجعل البحر رهوا...
وقرأت بعدها "تبريرات واهمة"، تلاها زميلها الشاعر محمد الصالحي الذي قرأ من قصيدة "رسم" ثم "آن الأوان"، وختم الليلة الشاعر الجزائري أحمد عبد الكريم صاحب "موعظة الجندب"، الذي قرأ مقاطع من قصائد "نشيد بلاد الشعر"،" سباق الروح" من ديوان "معراج السنونو" "تراويح"، "الأباجورة"، "الهدهد" ثم "صمت الكناري"، لتختم الليلة الشعرية بصورة تذكارية وتكريم لكل المشاركين.

 الشاعر محمد بن طلحة:

حلم زيارة المدينة زرعه فينا معلم قسنطيني

عبر الشاعر محمد بن طلحة عن سعادته الكبيرة بتواجده بمدينة قسنطينة، معتبرا أن ذلك كان حلما راوده منذ الصغر وقد تحقق، مؤكدا أنه ارتبط بمدينة الجسور المعلقة مند نعومة أظافره عندما تتلمذ بمدينة فاس المغربية على يد معلم من قسنطينة، نقل لتلامذته عشق المدينة والتعلق بسحرها ولو عن طريق الخيال، وقال إنه عاش حالة وجدانية عالية ولم يستجمع مشاعره بمجرد دخوله لأول مردة لمدينة قسنطينة التي وجدها رائعة وجميلة جدا، ولم يستطع مقارنتها ووصفها إلا بما قاله الشاعر الفرنسي أرثر رامبو الذي يكنى بالعابر الهائل.
وحسب الشاعر المخضرم محمد بن طلحة، فإن مدينة الجسور المعلقة تتقاطع معه في كونه ألف كتاب الجسر والهوية، والجسر كلمة كان لها موعدا منذ بداية كتابته، مضيفا أنه عندما زار هذه المدينة استحضر مقولة العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن الذي كان يقول إن الناس يعيشون في عزلة لأنهم يبنون كثيرا من الجدران وقليلا من الجسور.
ووصف صاحب ديوان نشيد البجع، الشعر بجسر للتوصل بين الشعوب، باعتباره جسر بين الشيء ونقيضه، الشعر والفلسفة، الحقيقة والخيال، وعبر عن سعادته بهذه الليلة الشعرية التي ستبقى خالدة في ذهنه، وقال في تصريح لـ "لمساء": "أصغيت باهتمام إلى ما يلقى وهذه المناسبة لها قيمتها الكبيرة، كل الأصوات كانت جيدة وكانت لها بصمتها الخاصة وكانت تعبر عن تميز".

الشاعر محمد الصالحي:

 سأتردد على قسنطينة من دون دعوة

قارن الشاعر المغربي محمد الصالحي، الشعور الذي انتابه عندما دخل مدينة قسنطينة بالشعور الذي انتاب أحد الأنتربولوجيين الإنجليز عندما زار مدينة تمبكتو بمالي والتي قال عنها وقتها: "ستلزمني بعد اليوم نوبة من التنهدات كلما هممت بالحديث عن تمبكتو"، مضيفا أن هذه المقولة انطبقت عليه شخصيا وهو يزور قسنطينة التي لطالما راودته فكرة زيارتها وتحققت في 2015، وأكد في حديثه للمساء أنه ما إن دخل المدينة حتى انتابه شعور خاص جعله يخرج بقناعة التردد على قسنطينة، حتى دون الحصول على دعوة، بل قرر زيارة المدينة كلما سنحت له الفرصة ومن ماله الخاص.وحول مشاركة الوفد المغربي في فعاليات ليلة المغرب ضمن ليلى الشعر العربي لقسنطينة عاصمة الثقافة العربية، أكد ضيف الجزائر أن المشاركة المغربية مقنعة، ليس من ناحية قيمة النصوص الشعرية الملقاة فقط وإنما من حيث قيمة التمثيل على مستوى الأجيال وفلسفة البناء الشعري ثم على مستوى الأجناس، معتبرا أن المغرب يعج بالتجارب التي يشملها عنوان واحد وتصب في مصب واحد لكنها حسب وصفه، متعددة الروافد من حيث المستوى اللغوي، الخيال أوالإيقاع ولهذا فإن الشعراء بالمغرب، يضيف، ينظرون إلى هذا التعدد باعتباره عامل قوة قد يفضي إلى بناء نص شعري عربي وهذا ما بدأ يتحقق مع الأجيال الجديدة.وأكد الشاعر المغربي أن كل ما يخشاه الشعراء في المغرب هو أن تكون ثورة الاتصالات الحديثة من وراء خلق فقاعات شعرية جديدة ترى في فشلها نجاحا، مضيفا أن شروط النجاح وبناء النص الشعري موجودة في المغرب، وأنهم كشعراء مغاربة يتمنون ضمان مكانة ضمن الشعرية العربية.
وأبدى محمد الصالحي، سعاته لتواجده في الجزائر وقال إنهم كشعراء من المغرب يشعرون أنهم أقرب ما يكون إلى الجزائر من حيث الانجاز النصي أوالنقدي أو حتى على المستوى الأكاديمي، مضيفا أنه وعلى مستوى بناء فكرة النص الشعري وفلسفة بناء النصر الشعري، هناك قرابة شعرية كبيرة جدا، وربما ذلك بسبب القرابة الجغرافية والتاريخية حسب رأيه وقال إنهم يحاولون استغلال هذه القرابة واستثمارها، معتبرا أن هذه اللقاءات مفيدة جدا لصهر ومزج هذين الأفقين القويين.وعن كتابه الجديد عن الجزائر، قال إنها كانت مجرد فكرة سنة 2007، عندما زار الجزائر بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، مؤكدا أنه جمع ركاما كبيرا من المادة الأدبية التي أصبحت جاهزة وسينكب لإنهاء هذا الكتاب الذي سيكون في شكل نص أدبي حقيقي، قد ينطبق عليه وصف الرحلة الأدبية بمفهوم القديم لأدب الرحلات، وقد حصل على تأشيرة طبع الكتاب من صاحب دار "الألمعية" بقسنطينة خلال سهرة أول أمس وعلى المباشر.

الشاعرة لميس سعيدي:

 سعداء لتقاسمنا الليلة مع أشقائنا المغاربة

عبرت الشاعرة الجزائرية لميس السعيدي عن سعادتها الكبيرة لاختيارها أن تكون وزميلها الشاعر أحمد عبد الكريم، مستضيفي الليلة المغربية للشعر العربي وقالت في نهاية العرض للمساء: "هي فرصة جميلة لاتقاء الشعراء الجزائريين مع الشعراء المغاربة خصوصا مع جزء من الشعراء اللذين نلتقي معهم في المقاربة وفي الرؤية الشعرية وحتى في التجارب، وتجربة الشعر المغربي هي مثيرة للاهتمام وتتطور بسرعة وبشكل مختلف عن باقي العالم العربي"، لتضيف صاحبة "نسيت حقيبتي ككل مرة"، قائلة: "هناك تقارب في الرؤية الإبداعية المغربية مع الجزائرية، هذا اللقاء في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية وفي إطار أمسية ليالي الشعر العربي، كانت فرصة سانحة للتقارب أكثر ولاكتشاف بعض الأصوات التي كنا نعرفها كأسماء وليس كتجارب.