الأمل الذي قاوم الموت

شريفة عابد تكتب وجعها وتحيا في شافية

شريفة عابد تكتب وجعها وتحيا في شافية
الصحفية شريفة عابد
  • 111
لطيفة داريب لطيفة داريب

حينما يكتشف الإنسان إصابته بمرض يهدّد حياته، قد يسقط باكيا شاكيا حظّه العاثر في الحياة أو يترنح هنيهات ثم يستقيم من جديد ويواجه مرضه بصلابة وإيمان، وهو ما فعلته الزميلة الصحفية شريفة عابد التي تصدّت للألم والوحدة وحوّلت كفاحها لأجل الشفاء إلى رواية بطلتها شافية، رمز للشفاء ورمز للأمل.

صدرت عن دار النشر "فرنهايت 451" للنشر والترجمة، مؤخرا رواية للصحفية المختصة في الشأن السياسي والتشريعي شريفة عابد، بعنوان "الأمل المقبور"، التي ستكون حاضرة في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر الذي تنظّم طبعته المقبلة في الفترة الممتدة من 29 أكتوبر إلى غاية 8 نوفمبر المقبل.

جسّدت عابد تجربتها المريرة مع مرض السرطان في عمل أدبي، حيث روت تفاصيل كفاحها لتحقيق الشفاء في ظلّ وحدة قسرية فرضها بُعد عائلتها وانشغالها بظروف خاصة. فوالدتها ترعى زوجها المصاب بالزهايمر، وشقيقها كاد يُطرد من عمله بسبب مرافقته المتكرّرة لها إلى المستشفى، فضلا عن مسؤولياته تجاه عائلتيه الكبيرة والصغيرة، بينما تقيم أختها في كندا. هكذا وجدت شريفة نفسها أو "شافية" بطلة الرواية وحيدة في بيت مأجور بعين بنيان، قرب المستشفى الذي كانت تتلقى العلاج فيه، بعدما أجّلت انتقالها إلى شقتها في حي "عدل" بسيدي عبد الله.

يصعب الفصل بين شريفة عابد ككاتبة وصحفية، وبين شافية كشخصية روائية، فالرواية تعدّ سيرة ذاتية أدبية، أرادت الكاتبة من خلالها إيصال رسائل إنسانية متعدّدة، أوّلها أهمية المرافقة النفسية للمريض، فقد كانت الوحدة أقسى ما واجهته. وكانت تتلقى العلاج الكيميائي شهريا، ولم تكن بحاجة فقط إلى الدواء، بل أيضا إلى الكلمة الطيّبة، التي بمقدورها أن تبدلّ حال المريض، من يأس إلى تفاؤل.

في هذا السياق، أضاءت الرواية على قوّة الصداقة العابرة للحدود والهويات، من خلال علاقة شافية بصديق قس من إفريقيا جنوب الصحراء، تعرّفت عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان سندا حقيقيا لها، ما يعكس قيمة الروابط الإنسانية النبيلة، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.

كما تناولت الرواية قدرة المرأة على تجاوز العلاقات السامة، حيث تعرفت شافية على رجل يدعى عبد الصمد، عبر موقع إلكتروني خاص بسكان حي "عدل". بدا لها في البداية رجلا متدينا فقد زوجته بسبب السرطان، ويُعيل أبناءه الأربعة. لاحقا، اعترف لها بماض مليء بالعربدة والنساء، ثم تبيّن لها أنه يسعى لاستغلالها ماديا، بدليل رهنه ذهب زوجته الثانية لتغطية نفقاته. وكان يبرّر تصرّفاته بـ"التعدّد لأجل الاسترزاق"، فقرّرت شافية قطع العلاقة به دون رجعة.

حياة شافية لم تكن يسيرة، ومع ذلك لم يتردّد البعض في محاولة استغلالها مثلما كان الأمر مع عبد الصمد الذي استغل مرض شافية وتظاهر بالتعاطف مع حالها، لكن قوّة شخصية شافية رغم كلّ المعاناة التي عاشتها بعد اكتشاف إصابتها بمرض السرطان وتنقلها لوحدها إلى المشفى وحاجتها لكتف تنحو إليه، دفعها للابتعاد عن هذا الشخص السام بهرولة كبيرة.

كتبت شريفة روايتها خلال عطلتها المرضية، واستلهمت أحداثها من تجربتها الشخصية وتجارب المرضى الذين التقت بهم خلال رحلتها العلاجية، فجاءت الرواية كنداء إنساني ملحّ للاهتمام بالمريض، ليس فقط من الناحية الطبية، بل كذلك من الجانب النفسي والاجتماعي. فـ"الكلمة الطيّبة صدقة"، والدعم الإنساني في وقت الشدّة هو راحة وبلسم.

واجهت شريفة المرض بصمت وحكمة، ورفعت راية التحدي بإيمان بالقدر ولم تشأ أن تخرج من خلال تجربتها إلاّ برواية تجسّد معاناتها من الألم والوحدة وتنادي بكلّ قوّة بضرورة أن يتحلى الإنسان بالإيمان والعزيمة في مواجهة الشدائد. 

لقد اتّخذت شريفة عابد من القلم سلاحا لها، القلم الذي طالما شكّل رمزا لمسيرتها في المهنية في جريدتيّ "الفجر" و"المساء"، وها هي اليوم تخطّ به لأوّل مرة تجربتها بأسلوب روائي تطلب فيه إعادة النظر في طرق التعامل مع المريض ومرافقته نفسيا وانسانيا قبل أن يكون علاجيا، بكلمات نبعت من قلبها بدون تزييف.