"صنع في الجزائر.. جينيالوجية أرض" بمارسيليا
شاهد على "الرغبة في تطوير العلاقات البينية"

- 1410

"صنع في الجزائر.. جينيالوجية أرض" هو عنوان المعرض الذي انطلق في منتصف هذا الأسبوع بمارسيليا الفرنسية، من تنظيم متحف حضارات أوروبا وحوض المتوسط لمارسيليا إلى غاية 2 ماي المقبل، و"يحاكي جانبا من تاريخ الجزائر، يروي جزءا من التاريخ المشترك.." و"يشهد على الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا"، وكان مناسبة أشاد فيها وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي بـ"التطوّر المستمر للعلاقات والتبادل الثقافي" بين الجزائر وفرنسا المرتكز على "المصالح المشتركة والاحترام المتبادل". ميهوبي الذي كان مرفوقا بوزيرة الثقافة والاتصال الفرنسية فلور بيلران، أشار إلى أنّ "السير الحسن لجسور التواصل الثقافي في الاتجاهين" يدلّ على "التزامنا المشترك بترقية الحوار الثقافي، لاسيما في الوضع العالمي الراهن"، وأضاف أنّ المعرض "يشهد على رغبتنا المشتركة في تطوير علاقاتنا الثنائية، حيث تجد الجزائر وفرنسا نفسيهما في مسار روابط التعاون المثالي الذي يرتكز على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل"، مؤكّدا على أنّ "موضوع التاريخ والذاكرة الذي كان ينظر إليه دوما من الزاوية السياسية أضحى اليوم محل اهتمام النخب المثقفة".
الجزائر دفعت ثمنا باهظا
وبعد أن شدد الوزير على أن الجزائر "بتاريخها الحافل الذي يمتد على آلاف السنين وما تزخر به من تنوّع ثقافي عريق، يجعلها تعطي أهمية مميزة للذاكرة، بغرض توصيلها للأجيال، لأنّنا نؤمن بأن تجزئة التاريخ هو تجزئة للهوية"، مذكرا بأن الجزائر "تسعى جاهدة من أجل حفظ الذاكرة الجماعية..."، اعتبر أنّ الثقافة "كانت دوما وعلى مرّ التاريخ، جسرا للتبادل بين الشعوب والحضارات ولم تكن سببا أو حجة للصراعات، وأنّ "الوقت الآن هو للقيم الثقافية التي تمنح الإنسانية الحق في الاختلاف والحق في التنوّع". وثمّن الوزير في سياق كلامه "السلام الذي نحن بحاجة إليه، لاسيما في الوضع الراهن الذي تمر به العديد من الدول العربية، في الوقت الذي استفحل العنف جراء الإرهاب في مناطق عديدة من العالم" معربا عن "استيائه الكبير" من إقحام الأديان في دوامة العنف، ومذكّرا بـ"الثمن الباهظ" الذي دفعته الجزائر في محاربته. وأكّد وزير الثقافة من ناحية أخرى، على أنّ قطاع الثقافة "عرف تحوّلات جذرية وتنمية معتبرة وتطوّرات مذهلة"، حيث يعتبر "تكريس حريات التعبير والرأي والإبداع والقيم المرتبطة بالحرية والعدالة والتضامن، الأبعاد التي تسعى الحكومة الجزائرية جاهدة من أجل تعميقها وتكريس تجربتنا الديمقراطية"، منوّها بتوافق وجهات نظر الجزائر وفرنسا فيما يتعلق بالرهانات الثقافية الحالية، حيث أن البلدين "يشتركان في قناعات معبّر عنها في هيئات منظمة اليونسكو والمنتديات الدولية الأخرى، لاسيما فيما يتعلّق بالتنوّع الثقافي وحماية التراث الثقافي المادي وغير المادي".
قسنطينة ضيف خاص لصالون باريس
من جهتها، أكّدت السيدة فلور بيلرين أنّ الحوار بين الجزائر وفرنسا "لم يكن يوما بهذه القوة والكثافة"، مؤكّدة أنّ حكومتي البلدين "ارتأتا تكثيفه من خلال التعاون الثقافي، لاسيما في مجال الكتاب والسينما والسمعي البصري والتراث"، وأوضحت أنّ مبادلات "منتظمة" بين مهنيي الثقافة مرتقبة خلال سنتي 2016 و2017، مذكّرة بأن الصالون الدولي للكتاب في الجزائر، الذي نظم في شهر أكتوبر الأخير، "جعل من بلادنا ضيف الشرف". وأبرزت بيلرين الاهتمام الكبير الذي أبداه الجمهور الجزائري للكتاب الفرنسيين ومهني الكتاب الفرنسي للجزائر، كما أنّ "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" ستكون في مارس المقبل الضيف الخاص لصالون الكتاب بباريس. وأضافت الوزيرة الفرنسية أنّه من خلال هذا المعرض "بإمكان كلّ واحد أن يشعر بمدى عمق وقوة ومتانة ما يربطنا من ضفة إلى أخرى، كما يمكن لكلّ واحد أن يأتي لينهل مما سيمكننا من بناء مستقبل منفرد وجماعي يتميّز بالنقاء والهدوء والسلام"، وأشارت بخصوص التاريخ إلى الحاجة إلى الأعمال والأحداث "التي تسعى إلى تسليط إضاءة ثنائية على تاريخ مشترك"، مضيفة أنّ عمل المؤرّخين والفنانين "ضروري لبناء مستقبل هادئ وفهم الماضي وتجاوزه".
عرض قطع فنية لأوّل مرة
للإشارة، يبرز "صنع في الجزائر.. جينيالوجية أرض" الذي يعدّ نتاج تعاون بين المعهد الوطني الفرنسي لتاريخ الفن والمكتبة الوطنية الفرنسية ومتحف حضارات أوروبا والمتوسط، كيف تمّ إنجاز الخرائط والصور والفن التشكيلي خلال احتلال فرنسا للجزائر، ويستعرض على مساحة 200 متر مربع الخرائط وتطوّرها خلال الاستعمار الفرنسي، كما يضمّ مجموعة من الخرائط والأعمال التشكيلية والصور الفوتوغرافية والأفلام والوثائق التاريخية، بالإضافة إلى أعمال فنانين معاصرين زاروا كافة المناطق الجزائرية. ويشهد المعرض الذي يحتوي على حوالي 200 قطعة فنية تعود إلى متاحف كبرى فرنسية وغير فرنسية وأعمال أخرى معاصرة تقدّم لأول مرة، تنظيم ورشات وأيام علمية ومنتديات يتم خلالها عرض أعمال فنانين مؤلّفين ومخرجين ومصوّرين وفنانين ورسّامين، على غرار "البحث والمدينة" وملتقى دولي حول اكتشاف التراث وتقديم التراث، إضافة إلى حوار حول "الجزائر بين الخريطة والإقليم"، حيث سيتم التطرّق بإسهاب إلى كاتب ياسين، وعرض أعمال سينمائية جزائرية، خاصة الأفلام التي أنتجت مؤخرا، حيث ستكون بمثابة "نوافذ حول الجزائر الحديثة"، ويبرز المعرض، حسبما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية عن المنظّمين، "من خلال الصور والخرائط وبيانات التضاريس (...) صعوبة غزو الجزائر"، مذكّرين بأنّ "النزاعات لم تتوقّف يوما خلال الحقبة الاستعمارية"، ولتبيان أنّ نهاية الاستعمار تقترب بعد الحرب العالمية الثانية، يظهر المعرض بأنّ دعائم النشر في تلك الحقبة تتضمّن "صورا منمّقة للجزائريين في مجالي التجارة والسياحة"، وأضاف المنظمون أنّ ّ"تلك الصور تخفي حقيقة حياة السكان المحليين الذين طالما أبعدوا من تسيير الأقاليم، مع أنّهم يمثّلون 90 % من السكان"، أما "بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإنّ إرادة الجزائريين في الخروج من الاستعمار ستؤدي بهم إلى تنظيم الكفاح من أجل استقلالهم"، وفي سنة 1954، يشير المنظّمون إلى اندلاع حرب تحرير الجزائريين، مؤكّدين أنّ فرنسا الاستعمارية حاولت انتهاج سياسات اجتماعية واقتصادية جديدة، "إلاّ أنّها لم تتمكّن من وضع حدّ لحركة التاريخ الذي مهّد الطريق لاستقلال العديد من البلدان، لاسيما الإفريقية منها"، ومن خلال الحفاظ على سلامتها الترابية عند الاستقلال أصبحت الجزائر عاصمة الحركات "المنبثقة عن كفاح ثوري ما بعد الحقبة الاستعمارية". وضمن هذا الحراك الذي عرفته الجزائر خلال الستينات، أراد المعرض تقديم أعمال فنية للزوار، من خلال إبراز المشاريع الكبرى المتعلقة بقطاعات التربية والسكن والصحة والفلاحة وتنمية المنشآت القاعدية المنجزة.