المكتبة الوطنية تستضيف جون سيناك

شاعر القبيلة الذي طردته العتمة

شاعر القبيلة الذي طردته العتمة
  • القراءات: 1168
مريم. ن مريم. ن

استضاف فضاء "موعد مع الشعر" بالمكتبة الوطنية أول أمس، لقاء خاصا بالشاعر الكبير الراحل جان سيناك بعنوان "سيناك شاعر المدينة"، استعرض أهم محطات هذه القامة الأدبية التي عاشت لتحب الجزائر، والتي اختارت التموقع في صف الشعب خلال المحن؛ حيث تنبّأ بالثورة التحريرية منذ سنة 1950، لكنه في الحين نفسه عانى من ويلات التهميش والنسيان وأصبح كأن لم يكن. نشطت اللقاء لميس سعيدي، وقامت بداية بالتعريف بهذه القامة الشعرية، حيث إن سيناك من مواليد منطقة بني صاف من أم فرنسية وأب إسباني، ثم عاش حياته بالعاصمة بين باب الواد وبولوغين، وأصبح كأي جزائري يمقت الاستعمار ويحلم بالحرية. بعدها تم عرض مقتطفات من فيلم وثائقي من إخراج دونيس مارتيناز (الموسيقى كانت للجزائري فريد خوجة)، كان قد عرض في معرض أقيم بمرسيليا، تضمّن بعض أعمال هذا المخرج. المناسبة كانت فرصة لقراءة بعض أشعار الراحل سيناك بالفرنسية وأيضا مترجمة إلى العربية، منها مقاطع من قصيدة "أعراس"، وجاء فيها:

كل ما هنا بشر محمص وبرقوق ناعم 

كل ما هنا من طحلب ربيع مهدد 

كل ما هنا من رمل مضبوط حيث ترج القدم على الدروب

كل ما هنا من حب قص بمقياس الشمس

كل ما هنا ينصب المجد.

أشارت المنشطة لميس خلال تدخلها إلى أنه تقرر طيلة هذا الشهر، تخصيص ثلاثة لقاءات لترجمة الشعر في الجزائر، وهذه الإشكالية لا تعتمد فقط على التقنية أو اللغة أو المعنى، لكنها أيضا تطرح انسجام الذات الجزائرية مع ذواتها الأخرى ومع هويتها المتعددة والمتجددة بدون عقد وبدون جسور مكسورة، وبالتالي فإن جون سيناك كان الجسر العصيّ على الكسر. لُقّب الراحل إبان الثورة التحريرية بيحيى الوهراني (اسمه الثوري)، وهو دليل على هويته النضالية الجزائرية التي أثارت حتى غيرة بعض الجزائريين نتيجة نقائها من الشبهات، كالجهوية والعنصرية والانغلاق. في صائفة سنة 1973 قُتل الراحل في قبوه ببولغين وكان لايزال يتغنى بالجزائر وشعبها، وكان يقول دوما: "إن الشاعر الحقيقي هو الشعب رغم كل حماقاته". وأكدت لميس أيضا أن هذا الموعد هو لخلق نهارات جديدة في شعر هذا العملاق، الذي التحق في الساعات الأولى بالثورة، وكان قد بشر بها منذ سنة 1950 من خلال مقالاته المنشورة.

كان للراحل أيضا تجربة إنسانية داخلية عميقة؛ لذلك يُعتبر شعره بمثابة التراث الإنساني. وبالنسبة لنشاطه فقد أسس عدة مجلاّت وحصص إذاعية وغيرها، وقدّم مبدعين جزائريين وفتح لهم الطريق، كما لم يتخل قط عن جمله الشعرية ونضارتها وبوصلتها ذات الاتجاه الصواب. اشتهر الراحل بعبارته الشعرية "أحبك أنت القوية كلجنة تسيير". واشتهر بأنه شاعر المدينة من سانت أوجان بوهران إلى باب الواد والرايس وبولوغين. استقبل اللقاء الشاعر محمد بوطغان الذي يترجم أشعار سيناك منذ سنة 2000، والذي تأثر بهذا المناضل الشاعر، الذي خلّد في أشعاره ابن مهيدي وبومنجل ومصطفى لشرف وغيرهم من أبطال الثورة ومن وقائعها، ربما أكثر من بعض الشعراء الجزائريين خاصة في قصائده "حمالة الأخبار" و"الأرجل والأيدي المربوطة". حضر أيضا الشاعر والصحفي صلاح باديس الذي ترجم بدوره أشعار سيناك، منها قصيدة مشهورة بعنوان "مواطن الجمال"، قال فيها:

أنت جميلة كخطاب سياسي 

كشاحنة ملأى بالضحكات 

كما اطلع صلاح على مراسلات أكبر الناشرين والمترجمين لأعماله بالولايات المتحدة، واعتبر أيضا أن هذا المثقف ابن المدينة بامتياز، علما أن الأدب عندنا غالبا ما كان ابن الريف، ثم واصل إنتاجه وبغزارة  بعد الاستقلال عكس زملائه، من أمثال مالك حداد وكاتب ياسين. وحرص في المقام الأول على مخاطبة الشباب، وكان يقول لهم: "أيها الشباب أحيّيكم على شواطئ المستقبل"، فتجاوز بذلك اللحظة؛ الأمر الذي جعله أحيانا مطرودا من القبيلة. بدورها، تحدثت السيدة نصيرة سعيدي (مذيعة سابقة بالقناة الثالثة وصاحبة فضاء نون)، عن سيناك، علما أنها تختار بتمكن أجمل المقاطع. وركزت على جزائريته، وتوقفت بلطف عند عبارته "أحبك أنت القوية كلجنة تسيير". وقالت إن الشباب كانوا يعاكسون بها البنات في فترة السبعينيات، وبسبب ذلك اكتشفت سيناك، لكنها أكدت أن جيلها خلال السبعينيات خاصة بالجامعة، لم يقدم شيئا لسيناك، ثم ازداد الاكتشاف في العشرية السوداء حينما قرأت له، واكتشفت شخصية عظيمة مليئة بالحياة، يحمل في رأسه جزائر جميلة وعادلة، نادى بتحقيقها منذ سنة 1963. وكان الراحل ـ كما أضافت ـ يصف نفسه بالجزائري ذي النقش الفرنسي، وكان يمقت عبارة الفرانكفونية؛ لأنه رأى فيها مصطلح ما بعد الكولونيالية، كما كان يسمي من يكتب بغير العربية بأنه يكتب برسم فرنسي.