المشهد الثقافي بوهران في 2020

سنة تحقيق مكاسب مميزة في الواقع و"الافتراضي"

سنة تحقيق مكاسب مميزة في الواقع و"الافتراضي"
  • القراءات: 693
ق.ث ق.ث

تميز المشهد الثقافي بعاصمة الغرب الجزائري خلال عام 2020، الذي يشارف على الانقضاء، بتحقيق عدة مكاسب ثقافية شكلت ”نفخة أكسجين”، مما جعل الفاعلين في الحقل الثقافي والفني ومحبي التراث يتنفسون الصعداء، في عام اتسم بظرف صحي استثنائي فرضته جائحة فيروس ”كورونا” المستجد المتفشي في العالم.

في مستهل هذه السنة، أعادت السلطات المحلية فتح قاعة الأثار القديمة بالمتحف العمومي الوطني ”أحمد زبانة”، شهر يناير، تزامنا مع تظاهرة إحياء السنة الأمازيغية الجديدة، بعد أن ظل هذا الفضاء موصدا أمام الزوار ومحبي عالم المتاحف لمدة 15 سنة، بسبب أشغال إعادة تهيئتها.

وقد اكتسبت هذه القاعة التي تعد لوحدها ”متحفا”، حلة جديدة، بعد أن تم تجديدها وفقا للمعايير الدولية، وبالوسائل القليلة المتاحة  في ظرف شهر ونصف الشهر، حسب مديرة المتحف، التي لفتت إلى أن فتح هذا الفضاء الذي يضم مجموعة من القطع الأثرية، تعود إلى العهود القديمة، جاء بإلحاح من مستخدمي هذه المؤسسة واستجابة لطلب الزوار المحليين والأجانب.

يسعى المتحف، إلى إدراج الساحتين المجاورتين لقاعة الأثار القديمة في مسار الزيارات لهذا الفضاء، كونهما تضمان مجموعة من القطع الأثرية القديمة لها قيمة أثرية كبيرة، تضيف السيدة بشرى صالحي.

لعل أهم مكسب حققته هذه المؤسسة، عندما وافقت وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، خلال زيارتها لولاية وهران، في شهر جويلية الماضي، على مشروع إعادة تأهيل المتحف وفق المعايير الدولية، في إطار الشراكة مع جمهورية التشيك، حيث أشارت حينها ”إلى تخصيص مبلغ مالي لتعيين مكتب دراسات، والانطلاق في تجسيد هذه العملية مطلع 2021”.

هذا التأهيل، سيتيح للمتحف التحول من متعدد الاختصاصات إلى متحف متخصص في ”علم الآثار القديمة والعلوم الطبيعية”، وإعطاء وجه جديد لقاعة العلوم الطبيعة من ناحية العرض والسينوغرافيا، فضلا عن استحداث فضاءات للراحة، على غرار كافيتريا ودكاكين متحفية، مع إمكانية استرجاع المكتبة البلدية الواقعة في نفس المبنى، كما أشير إليه.

بداية أول حفرية

لاشك في أن أهم حدث ثقافي أثلج قلوب الكثير من الباحثين والمهندسين المعماريين، والمختصين في علم الآثار والمهتمين بالتراث المادي في وهران، إلى جانب سكان منطقة بطيوة، تمثل في الإعلان عن أول حفرية بالمعلم الأثري الروماني ”بورتيس مغنيس”، الذي هو عبارة عن بقايا مدينة رومانية.

سيتكفل بهذه التقنيات التي ستنطلق قريبا، باحثون من المركز الوطني للبحوث في علم الآثار الكائن بالجزائر العاصمة، مع العلم أن هذا الموقع الأثري المصنف ضمن قائمة التراث الوطني في 1968، سيستفيد من تسييج من أجل حمايته، حسب ما أوضحته المكلفة بتسيير المديرية المحلية للثقافة، وأضافت بشرى صالحي ”نحن نسعى إلى إشراك المختصين في علم الآثار بمتحف ‘أحمد زبانة’، ومهندسين وطلبة علم الآثار”.

في هذا الصدد، قال رئيس جمعية حماية الآثار الرومانية لمدينة بطيوة، إن انطلاق التنقيبات بموقع ”بورتيس مغنيس”، كان حدثا بالنسبة لسكان بلدة بطيوة، الذين كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر، علما أن هذا الموقع الذي يعتبر الوحيد من نوعه على مستوى الجهة الغربية للبلاد، ولم يستفد أبدا من عملية حفريات”.

ستسمح هذه الحفريات بإعادة اكتشاف هذه الآثار الرومانية، التي ظلت ”مهمشة”، بتنشيط الحركة الثقافية في هذه البلدة ”البترو كميائية”، كما أضاف عقبة باي بوسهلة، داعيا ”إلى وضع متحف خاص به، للتعريف به وإبراز قطعه المتحفية للزوار والسياح والمهتمين بعلم الآثار”.

تصنيف مبنى المسرح ... مكسب آخر

اكتملت فرحة هواة الفن الرابع، بإعلان خلال سنة 2020، عن تصنيف بناية المسرح الجهوي ”عبد القادر علولة ”ضمن قائمة التراث الوطني المادي، وترميم المنحوتات التي تعلو البناية التي تشكل رموزا معمارية لهذا المرفق الذي شيد في بداية القرن العشرين، وتم افتتاحه عام 1907 تحت مسمى ”أوبرا وهران”.

ويوجد حاليا ملف التصنيف الذي جاء بقرار من وزيرة الثقافة والفنون، خلال زيارتها لوهران في الصائفة المنصرمة، في طور التجسيد على مستوى الوزارة، إذ سيمكن هذا الصرح الثقافي من الاستفادة من حماية أكثر، باعتباره تراثا وطنيا وإنسانيا.

سيكون إجراء تصنيف المسرح الذي يعد تحفة أثرية نادرة في العالم العربي، خاصة من الناحيتين، الجمالية والهندسية، فرصة لتصنيفه عالميا وإدراجه ضمن المسار السياحي- الثقافي بوهران،  وجعله قبلة للسياح، حسب ما ذكره رئيس نقابة الفنان المسرحي والسينمائي لوهران، سيدي محمد بلفاضل.

كان استثمار قطاع الخاص في المجال الثقافي ”علامة فارقة” في المشهد المسرحي بوهران، عندما بادر أحد المستثمرين في قطاع الفندقة، بإنشاء مسرح يحمل اسم ”النملة”، يضيف السيد بلفاضل.

الافتراضي يصنع الفعل الثقافي

رغم تعليق الأنشطة الثقافية، بسبب التدابير الوقاية للحد من انتشار فيروس ”كورونا” المستجد العالمي، لم يحجب بريق الثقافة، وإنما تألق الفعل الثقافي على الصعيد الافتراضي، حيث بادرت بعض الهيئات الثقافية وجمعيات فاعلة في الحقل الثقافي، بكسر القيود الذي فرضها وباء ”كورونا”، للمحافظة على ديمومة النشاط الثقافي بوهران.

كان استخدام الفاعلين في المجال الثقافي لمختلف وسائط تكنولوجيات الإعلام الحديثة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي كـ"الفايسبوك” و"اليوتوب”، من بين الوسائل المساعدة لعرض إنتاجاتهم والمساهمة في تخفيف عبء هذا الظرف الصحي على الجمهور، الذي اعتاد التردد على قاعات المتحف والمسرح والسينما.

في هذا الإطار، فتح المتحف ”أحمد زبانة ” خزائنه للجمهور، عن طريق عرض مجموعاته المتحفية وتنظيم زيارات سياحية عبر مختلف قاعاته، عبر الأنترنت، وتنظيم معارض تشكيلية افتراضية بمساهمة فنانين تشكيلين، فيما برمج المسرح الجهوي لوهران ”عبد القادر علولة” عبر قناته على ”اليوتوب”، عروض مسرحيين قدماء، على غرار عبد القادر علولة وبوعلام حجوطي، لتعريف الجيل الجديد بها.

من جهتها، ساهمت كل من الجمعيات الثقافية ”الآمل” و"وحي المثقفين” وفرقة ”كواليس”، وكذا نقابة الفنان المسرحي والسينمائي لوهران، وغيرهم، في إثراء المشهد الثقافي، من خلال تنظيم معارض حول التراث وعروض مسرحية ومسابقات ثقافية وأدبية افتراضية في شتى المناسبات، التي تزامنت مع استمرار هذا الوباء.

اختارت الجمعية الثقافية للفنون العصرية ”أكام” طريق التضامن مع الفنانين، حيث قدمت مساعدات مالية لعدد من الفنانين المحتجين الذين تضرروا خلال هذه الجائحة، التي لم تكن ظرفا صحيا عابرا.