صدر عن مؤسسة الفكر العربي

سعيد هادف يشارك في "وطن اسمه فيروز

سعيد هادف يشارك في "وطن اسمه فيروز
الكاتب الجزائري سعيد هادف
  • 1179
لطيفة داريب لطيفة داريب

كشف الكاتب الجزائري سعيد هادف لـ"المساء"، عن مشاركته في المجلد الموسوم بـ"وطن اسمه فيروز"، الذي صدر مؤخرا عن مؤسسة الفكر العربي؛ تكريما للمطربة فيروز، بمناسبة عيد مولدها الثامن والثمانين؛ إذ كتب في مساهمته أن علاقة الجزائر برواد الطرب المشرقي، تعود إلى خمسينيات القرن الماضي قبيل حرب التحرير؛ حيث أحيا فريد الأطرش عام 1952، عدة حفلات بوهران، والعاصمة، وقسنطينة وعنابة.

أضاف هادف أن مع بداية عهد الاستقلال بدأ الشعب الجزائري ينفتح بوتيرة بطيئة ومتعرجة، على ذاته، وعلى محيطه الأممي. ومع انتشار أجهزة الراديو في البيوت ثم التلفاز وأجهزة الأسطوانات والأشرطة، بدأ الجزائريون يكتشفون المشرق العربي، وبالتالي سماع أغاني نجوم الطرب والسينما؛ أمثال فيروز، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم، وهيام يونس.

كما بدأت الذائقة الفنية تتشكل لدى الجزائريين من منطلق الانتماء المشترك بينهم وبين المشرق العربي. وقد عزز من هذا الشعور بالانتماء، أو استعادة هذا الانتماء، الدعم المشرقي للثورة الجزائرية، وتجليات ذلك الدعم عبر الفن، وكذلك القضية الفلسطينية، التي أصبحت جزءا من كينونة السياسة الجزائرية، وهي القضية التي مثلتها فيروز أحسن تمثيل. وأضاف الكاتب: "كنا نظن أن فيروز فلسطينية. كما لم نكن نعرف أنها مسيحية. تلك المعلومات التي كانت تتحرك في حقل التداول الجزائري، كانت تترك آثارا متباينة في وسط الشباب آنذاك، وكانت تؤثر بشكل أو بآخر، في صياغة الوعي، وتصحيح التمثلات للذات وللآخر". كما أنّه مع بداية الثمانينيات وفي غمار الصراع الهوياتي الذي بدأ يطفو على السطح، "بدأ جيلنا، وتحت ضغط أسئلة جديدة، يعيش حالة توتر متعددة المظاهر؛ حيث بدأ خطاب الإسلام الإخواني يشكك في قناعات المجتمع والدولة، ويحرّم الغناء، ويحطّ من قيمة الفن. وبالموازاة، برز خطاب هوياتي أمازيغي، يشكك في عروبة الانتماء القومي للدولة الجزائرية، ويرفع خطابا عنصريا ضد الغناء المشرقي؛ كرد فعل على الخطاب العروبي الذي تجاهل مزوغة الجزائر".

وبالمقابل، تناول سعيد حادثة تعود إلى ستينيات القرن العشرين، حينما غنت فيروز للمرة الأولى والوحيدة، أغنية "سافرت القضية" في الحفل الجماهيري الذي أحيته عام 1968، بعد هزيمة ماي ـ جوان. وقد شاءت الأقدار أن تكون الجزائر هي البلد الوحيد الذي غنت فيه فيروز هذه الأغنية التي تعرضت للحظر منذ ذلك الحين، وأن التسجيل الوحيد الذي خرج إلى العلن مع عصر الأنترنيت، هو تسجيل ذلك الحفل.

وتابع هادف أن الأغنية بأسلوبها النقدي ومعجمها السياسي، ترجمت، بشكل ذكي وساخر، حالة الانسداد التاريخي، والمأزق السياسي للوضع العربي كما لو أن الأغنية كانت تريد لفت الانتباه إلى فداحة الجهل العربي بميكانزمات السياسة. ويبدو أن الأغنية كانت تحمل رؤية استشرافية، مفادها أن العرب يجهلون وجهتهم، ويسيرون بدون خارطة طريق، وأن القضية سيطول سفرها، ولا أحد يعرف متى وكيف وأين تحط رحالها.

وكتب: "كما كانت فيروز ضمن الأصوات التي تروق لي وتمنحني امتلاء بالطاقة الإيجابية. وقصيدة *المواكب* لجبران كانت من النصوص الشعرية التي عشقتها وحفظت مقاطع منها. ومازلت أستمتع بسماعها بصوت فيروز كما لو أني أسمعها لأول مرة". وأضاف أن في ضوء اهتماماته النقدية والمعرفية واضطلاعه على فلسفة الجمال والفن، ازدادت صورة فيروز في ذهنه لمعانا؛ فهي التي غنّت القدس، ظلت أغانيها في بعدها الثوري رمزا للسلام والمحبة، لا شيء في أغانيها يدعو إلى الكراهية والعنف أو إلى الحزن. كما عرفت كيف تنتخب نصوصها ذات المعجم الرومنسي والطبيعي، فغنّت الشوق، والحب، ولوعة الفراق، ولهفة الانتظار. وغنت زهرة الرمان، وطير الوروار، والبحر، والصيف والشتاء.. وغنّت أماكن وقصصا خلّدها الفلكلور اللبناني؛ "ثمة تناسق بين الصوت والهيئة والكلمات والإيقاع، بين وقار الوقفة وجلال النظرة، بين استسرار المحلي، وتجلي الكوني الإنساني".

وتابع مجددا أن فيروز استلهمت من ثقافات مختلفة، ألحانا عديدة، لعل أشهرها الألحان السيمفونية. وهي تجربة ترجمت عبقرية الأخوين رحباني، وعبقرية فيروز تمثلاً وأداءً. ويمكن القول إن التفرد الجمالي لصوت فيروز ومعجمها الغنائي نابع عن عبقرية المكان بعمقه الأنثروبولوجي. ويكاد صوتها أثناء الغناء، يختزل ثقافة ضاربة في العراقة والعمق بالمعنى الأنثروبولوجي لكلمة ثقافة.

كما تبدو فيروز من عمق ارتباطها بزمنها البيروتي، متحررة من قيد الزمن وقيد المكان كما لو أنها الوجه اليوتوبي (Utopique) للزمن البيروتي، وربّما هذا ما حمل الكاتبة خالدة سعيد في تناولها للعصر الثقافي الذهبي لبيروت، على أن تسمي كتابها "يوتوبيا المدينة المثقفة"، وربما كانت فيروز هي أروع ما جادت به بيروت؛ بيروت بعمقها الفينيقي السرياني الهلنستي، والعربي- الغربي.