الفيلم البريطاني "القصر" للمخرجة جو بريشار

سطوة الرأسمالية

سطوة الرأسمالية
  • القراءات: 478
دليلة مالك دليلة مالك

شهدت قاعة "ابن زيدون"، في الجزائر العاصمة، أول أمس الأحد، عرض فيلم قصير للمخرجة البريطانية جو بريشار، عنوانه "القصر". وإذ تعود صاحبة العمل إلى أثر توسع الرأسمالية على حساب المجتمع البريطاني وذاكرته؛ من خلال قصة مكان اسمه قصر نادي بينغو المتواجد في لندن، فترجع إلى أحداثه المؤثرة على لسان أوفياء ذلك المحل العتيق.

العمل الذي يشارك ضمن المنافسة الرسمية لمهرجان الجزائر الدولي للسينما ضمن فئة الفيلم القصير، من المملكة المتحدة (29 دقيقة، إنتاج 2021). ويتناول قصة باتريك، الذي يحاول إنقاذ هذا النادي الذي يرتاده سكان لندن من الفقراء والمرضى وكبار السن للتنفيس، هدفهم قضاء يوم سعيد فيه، ذلك لما يوفره من خدمات، فإلى جانب الأكل والشرب، يقدم النادي نشاطات، وألعابا تُنسي كل زائر له همّه على اختلافه. ونقلت المخرجة جو بريشار شهادات مؤثرة من لدن المترددين على النادي، على غرار سيدة فازت بالمال في أحد الألعاب، مكنها من تحسين وضع بيتها، بشراء أدوات كهرومنزلية، واستطاعت أن تسافر مع عائلتها في عطلة، كانت ممتنة جدا لـ "نادي بينغو".

وكان معظم الزبائن مرضى أو في حالة اضطراب نفسي، خاصة المصابين بالسرطان وكانوا في مرحلتهم الأخيرة، فكان المكان ملجأ يساعدهم على تجاوز تلك المعاناة؛ على غرار سيدة ثانية، مصابة بمرض عقلي، اعترفت أنه، إلى جانب العلاج الذي تتلقاه، كان الفضاء مساهما في تحسن وضعها الصحي. ويروي أحد الزبائن أنه مر بأزمة نفسية حادة، جعلته يخسر وزنه كثيرا؛ قال إن قصر نادي بينغو كان بمثابة العائلة التي أحاطت به ووقفت إلى جانبه، وتجاوز محنته بعدها. وساعد النادي فقراء المنطقة؛ حيث يوفر الأكل بأسعار معقولة، كما يقدم القهوة والشاي بالمجان.

وبدأ المشكل لما قررت السلطات البريطانية هدم البناية التي تتواجد وسط مشروع عمراني ضخم، يضم بنايات حديثة وعملاقة. وقد عمل باتريك صاحب المحل، على منع تنفيذ القرار. وصوّرت المخرجة تمسّك الزبائن بالمكان الذي تأسس عام 1965 رغم هالته المتهالكة، إلا أنه يحظى بود الناس، فيترددون عليه باستمرار، فكان أشبه لهم بقِبلة السعادة، لكن سرعان ما اختفت في 2020 رغم محاولات الردع.

وكان المركز في يوم من الأيام المستقبل، رمزا لطموح ما بعد الحرب عندما افتتح وسط ضجة كبيرة في منتصف ستينيات القرن الماضي، واعدا بعصر جديد من الرفاهية. إنه الآن موقع بناء لمستقبل آخر، مركز مدينة جديد. ورصدت كاميرا المخرجة وقوف باتريك يقابل محله فارغا، كمن يبكي على الأطلال حسرة؛ لضياع الفضاء الذي شكّل لعقود، مزارا لراحة البريطانيين المعوزين، وتعنّت الدولة في محو تاريخ المكان، من خلال مشاهد البنايات الضخمة، واختفاء القصر.

للإشارة، إلى جانب "القصر" و"سيعود"، عُرض فيلمان قصيران آخران، تناولا إشكاليات مختلفة، على غرار الوحدة، وفتور العلاقات الإنسانية. واستُهل برنامج المنافسة الرسمية في هذه الفئة بقاعة "ابن زيدون"، بتقديم الفيلم القصير البريطاني من نوع التحريك بعنوان "لا تطعموا الحمام"، للمخرج الشاب أنتونان نيكلاس. «لا تطعموا الحمام" تدور أحداثه على مدار 9 دقائق، في محطة حافلات بائسة على الساعة 2 صباحا؛ حيث ينتظر مجموعة من المسافرين قدوم آخر حافلة، ليلتحقوا بمنازلهم. ورغم الصمت والوحدة والانعزال وانشغال كل واحد منهم، تنجح حركات سرب طيور الحمام الطائرة، في كسر ذلك الجمود بين البشر ولفت انتباههم، وتبعث الألفة والتناغم بينهم، لتتولد لحظة سحرية، جمعت بين الشخوص بحساسية، وعاطفة عالية.

ويعكس فيلم "لا تطعموا الحمام" الذي حاز خلال السنة الجارية على جائزة أفضل فيلم قصير متحرك في مسابقة الأكاديمية البريطانية للفنون والسينما "البافتا"، نضج تجربة المخرج الشاب أنتونان نيكلاس، الذي اعتنى بأدق تفاصيل العمل، وفق تصوّر خلاق، ينم عن وعي وإبداع وتحكم عال في التقنية.  كما تابع الجمهور العرض الثاني من المنافسة، الذي تمثل في فيلم "بوملة" للمخرج الجزائري يزيد يطو، الذي يتطرق في 20 دقيقة، للزواج التقليدي، من خلال قصة معلمة ترفض زواجا فرضه والدها بدون موافقتها، من حارس المدرسة التي تشتغل فيها.