"الظل المسجون" لسليمان بوقرط

سرد لواقع الاغتراب بين الألم والأمل

سرد لواقع الاغتراب بين الألم والأمل
  • 2070
خ. نافع خ. نافع

 صدر مؤخرا للروائي الجزائري، سليمان بوقرط رواية جديدة تحمل عنوان "الظلّ المسجون" الصادرة عن دار النشر "ميم". وقدّم الروائي عمله الأدبي الجديد الذي يقع في 118 صفحة، بأسلوب راق، يرحل بالقارئ إلى عالم جميل مملوء بالمغامرة السردية الممتعة، بسلاسة عن تجربة الاغتراب بدولة المجر بكلّ تفاصيلها، حيث ينتقل بالقارئ من حالة إلى حالة ليعرض مغامرة إنسانية تمتزج فيها الذاتية بالخيال لتصنع فرجة روائية ممتعة، تجبر المتلقي للوصول إلى نهاية الأحداث التي تبدو متشابكة ولكنّها في الواقع تترابط بذلك الخيط السحري الذي يمتد من بداية الرواية إلى نهايتها. جمالية اللغة وبراعة التصوير، ودقة الكلمات وسعة الخيال كلّها تجعل من رواية  "الظل المسجون"، متعة وفرجة روائية ولذة في الاكتشاف، ورحلة سفر بين وطنين من خلال جسر يمتد بين مدينة مازونة  الجزائرية والمجر، في  رحلة  حبلى بمشاعر  متناقضة، فهي تصوير لحالة الإنسان المعنى الذي لفحته نيران التجارب الإنسانية من حزن والفراق، شوق اللقاء وعذابات الإنسان.

بخيال واسع نستشف الأماكن في تصوير بديع ودقيق، فنتصوّرها من خلال براعة الكلمات وجماليتها، فينتقل القارئ إلى جمالية الأماكن الأثرية، وطبيعة المدن، ومواقعها الجغرافية، فنتعرّف إلى مدن وقرى دولة المجر، وكأنّنا في نزهة سياحية ونحسّ بدفء الشمس أو ببرودة الجو، بابتسامات الشخصيات، بدموعها وبحزنها، فيتعايش القارئ مع أجواء مخيمات اللجوء وتفاعله مع أحاسيس الأطفال، في حالات الفرح والبكاء، ونوبات الخوف والأمل . فالروح الشفافة للكاتب عكستها هذه الرواية، التي حملت بين ثناياها مغامرة إنسانية عميقة أبدع في حياكة حروفها ودقة التصوير البديع والدقيق لتفاصيل الأماكن والأشياء، فنتخيّل معه المدن، الشوارع، البيوت والأزقة. كما تناول سليمان بوقرط  بهذه الرواية أحداث وظروف الاغتراب، و إشكالية الهوية بشكل قوي وما، تعكسه هذه التجربة الصعبة من معاناة نابعة من عمق روح تتألم، فنلامس ذلك الألم بشكل واضح ونستشفه من خلال انتقاء المعاني التي يعبّر بها بدقة عن تلك المشاعر المتلاطمة والمتزاحمة في نفسيته، عندما يتحدّث عن مأساة إنسانية لبشر تاهوا في بلدان الاغتراب بعدما اختاروا مجبرين حياة الهجرة للبحث عن حياة أفضل مما وفّره لهم وطنهم الأم .

كما يسرد الروائي بعض التفاصيل عن العادات والتقاليد التي ورثها عن محيطه الأسري، والإيمان العميق بالقدر، وبالله، فالله حضور قوي بين طيات هذا العمل الروائي الذي يعطي رسالة رائعة ودرسا أروع في التسامح وقبول الآخر تحت سماء الله الواسعة، فتتوه الاختلافات وتذوب الفوارق لصالح الإنسان، ففي شطر من هذه الرواية حيث يصف فيها سليمان بوقرط مخيمات اللجوء بالمجر بقساوتها، نصادف أطفالا من كلّ الجنسيات والأعراق، يوحّدها الغبن تحت سماء الإنسانية. التأثّر بالمحيط الاجتماعي، وذكريات الطفولة كلّها عوامل وظّفها هذا الروائي بذكاء كبير، تجعل القارئ يرحل بكلّ أريحية بين مراحل زمنية مختلفة من حياة أبطال الرواية، سواء في الوطن الأم أو بلدان المهجر دون أن يتوه بين أزقتها ويعيش التجربة بمرها وحلوها في قالب روائي جميل لا يخلو من المتعة والتشويق .