باتريسيا فور ودليلة بومغار في ”أربعاء الكلمة”

سحر معاني الكلام

سحر معاني الكلام
  • القراءات: 1247
مريم. ن مريم. ن

استضاف موعد ”أربعاء الكلمة” الأسبوعي ضيفتين جمعهما الشعر والتعليم وعملتا طوال مشوارهما على استرجاع مكانة الكلمة وقدسيتها في لغة التواصل والحوار، وتميّز اللقاء الذي جمع دليلة بومغار وباتريسيا فور بقوّة الكلمة ودلالاتها، بحضور الوجدان المعبر عن أحاسيس إنسانية تكاد تختفي من يوميات الحياة.

نشطت اللقاء فوزية لارادي، مؤكدة أنّه يدخل في إطار الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة، كما أشارت إلى أنّ مؤسسة ”فنون وثقافة” ستمد هذه الاحتفالية طيلة شهر مارس، لإبراز إبداعات المرأة من خلال الكتابات النسوية لمختلف الأجيال.

طغى على هذا اللقاء فن الشعر الذي تفنّنت الضيفتان في إلقائه بحس مرهف وأداء حي، معبّر وجميل شدّ الحضور، ليطلب المزيد من السماع في كل مرة، كما حضر اللقاء العازف على العود أسامة بسيسة الذي رافق الشاعرتين في بعض المقاطع المقروءة، وكان عزفه كتلة من الشجن والهدوء، كأنهّ علاج نفسي استفاد منه الحضور.

بداية، قرأت الضيفة الفرنسية بعضا من النصوص من كتابها ”روح العمق” أغلبها من سجل الذكريات التي مرت بحياة هذه الشاعرة المرهفة، فقرأت في هدوء تخاطب الجمهور لتشدّه أكثر إلى كلماتها القوية والمعبرّة، وكان هذا الأخير يقاطعها في كلّ مرة بالتصفيق الحار، مما ولد أجواء حميمية وتواصلا مستمرا مع الحضور الذي أحبها وأحبته كما تحب الشعب الجزائري الرائع والأصيل.

أشارت باتريسيا إلى أنّ الكتاب الذي تقرأ منه هو الثالث في إصداراتها، حيث يحمل تفاصيل من حياتها، وقالت: ”كتبت نصوصا عبر فترات مختلفة من حياتي، وذات يوم أعدت قراءتها وقرّرت أن أطبعها في كتاب لأنني اقتنعت في هذه اللحظة أنّ تلك الكتابات تمثّل جزءا مهما من حياتي، وهكذا قسمّت النصوص إلى عناوين وأبواب منها؛ ”المرأة”، ”الطفولة”، ”الحب” وغيرها من العناوين”.

من جهة أخرى، ذكرت الشاعرة الفرنسية أنّها زاولت مهنة التعليم طوال حياتها وأحبت الأطفال كثيرا فارتبطت بهم، لذلك ألّفت لهم كتابين كي تجعلهم يشاطرونها حب الكلمات وسحر الشعر وهي التي تعيش في بلد يوصف بـ«المتقدّم”، لكن اللغة فيه في حالة موت.

كتاب ”روح العمق” يبقى عند هذه الشاعرة جزءا منها ومن الحياة الإنسانية بكلّ ما فيها من حب وأمل وطبيعة فاتنة وقيم وغيرها من الخصوصيات الأصيلة، وتواصل هذه الشاعرة حديثها عن سحر الكلمات وقوّتها التي لا تقاس بشيء لتقف كي تختار ما يشدّها في كتابها، فتنساب القوافي كالحرير نلمس فيه الرقي والسلاسة والسهل الممتنع، في أحد المقاطع تتساءل مخاطبة محدّثها عن روعة الكلمات المنتقاة من جمال الحياة ومفاتن الطبيعة وسمو الأخلاق وصدق الأحاسيس، حيث ينهار أمام كلّ هذا الكذب والنفاق والرياء، وترى أنّ الكلمة معبّرة لا تخون صاحبها ولا تخون المعنى وتتحاشى الانحراف مهما كان لأنّه يعني العدول عن معاني الإنسانية.شعرها يبدو مغنى لفرط الموسيقى فيه، تحضر فيه الصور المعبّرة تماما كـالكليشيهات دونما إطناب أو تكرار بلغة فرنسية كلاسيكية راقية وبسيطة، مبتعدة عن عبارات الراهن المفتعلة التي لا يستصيغها الوجدان الشعري، وتصف باتريسيا الكلمات بالنباتات التي تزهر بداخلنا، فتولّد إحساسا عظيما.

تناوبت الشاعرتان في القراءة، لتجود قريحة الشاعرة دليلة بومغار بكلّ جميل سجّلته في كتابها ”كالامبورغ” الذي تضمّن نصوصا بمواضيع مختلفة تترجم معاني الحب والثورة والتفاؤل، كما تكتب هذه الشاعرة للأطفال، علما أّنها كانت معلمة مثل زميلتها باتريسيا وهي الآن تعيش مرحلة التقاعد بكل ما تحمله من ذكريات، وعبّرت بالقول: ”إنّ الشعر ملكة يمنحنا إياها الخالق وهي وحدها القادرة بصدق على التعبير عن الأحاسيس واستخراج العطر من الكلمات”.

اختارت عنوان ”كالامبورغ” لأنّه لعبة قطعها عبارة عن كلمات نحولها كما نشاء، قرأت الضيفة نصا يتناول مترو العاصمة كأنّه جزء من رحلة الحياة، فيه تكتمل الشخوص وتتعدّد الوجوه والسلوكات، وقرأت أيضا ”البحر” هذا الكائن العجيب الذي يشبه حاله حال الإنسان ويشاطره خصوصياته في العمق الوجداني وكذا الانفعالات غير المستقرة والمتحوّلة حسب الظروف والحالات، ناهيك عن تأثّر هذا المخلوق بمحيطه وألوان السماء والسحب ومدى نفسه العميق وهدوئه في زمن الغروب، تبدع الشاعرة دليلة حين تصف البحر وهو ينسحب من الشطآن لا يترك أثرا ما عدا صدفة يسمع حاملها همسة البحر التي تبقى مجرد ذكرى.

الشاعرتان المتشابهتان في الموهبة والتواضع والارتباط بذكريات الماضي وبتعلقهن بتلاميذهن بدا عليهما التكامل والتواصل في الجلسة، مع التأكيد على قيمة الكلمة في أيامنا العجاف التي أدارت ظهرها للقيم ومدلول لغة الكلام.

كما شارك في هذا اللقاء الشاعر خالد بن هجوجة من مدينة البرواقية، حيث شارك باتريسيا القراءة على أنغام العود، والتقته ”المساء” قبيل اللقاء ليؤكّد لها أنّه عضو بنادي مؤسسة ”فنون وثقافة” منذ سنة 2004، وحاز سنة 2008 على جائزة هذه المؤسسة الشعرية (الجائزة الثالثة في الشعر الشعبي) وكذا الحال في دورة الجائزة لسنة 2010.

يشير المتحدث إلى أنّه يتناول في شعره كلّ المواضيع، وفيما يتعلّق بالشعر الذي يكتبه باللغة الفرنسية، أكّد قائلا: ”فقد الشعر المكتوب بالفرنسية جمهوره الواسع في الجزائر بسبب اختفاء الأسماء الشعرية من الساحة، إضافة إلى أنّ حضور اللغة الفرنسية في مجتمعنا تراجع بشكل كبير جدا، زد على ذلك، فإنّ الأعمال الشعرية عندنا لا تطبع عكس الرواية مثلا، وهي أمور ساهمت باستمرار في تراجع الشعر بالفرنسية حتى البسيطة منها”.

من جهة أخرى، أكّد هذا الشاعر أنّ اللغة العربية أكثر حضورا في لغة الشعر لأنّها أوسع في مفرداتها، ولها القدرة على ترجمة كلّ الأحاسيس ليقول جازما: ”هناك أعماق وجدانية وأحاسيس لا تستطيع أية لغة ما عدا العربية التعبير عنها بصدق وتمكّن”.

الشاعر خالد قرأ قصيدة كتبها وقرأها بمشاركة باتريسيا، وهي دون عنوان كتبت في مطلق الحب، كان فيها خالد يقرأ وباتريسيا تجيبه، أي كانت مناجاة شعرية بين حبيبين تقاسما الإحساس والكلمة ورافقتهما في ذلك أوتار العود للفنان أسامة من فرقة ”قويا” التي حقّقت انتشارا واسعا، وتلاءم العزف مع الأداء عكس مدى تلاقح الثقافات والفنون، علما أنّ باتريسيا تعشق بجنون الموسيقى المستمدة من سحر الشرق وأساطيره التي تفتقت فيها الفنون والكلمات.