تفضح تجارب فرنسا النووية في صحراء الجزائر

"ستانغولا".. رحلة عابرة للأجيال

"ستانغولا".. رحلة عابرة للأجيال
  • 129
م. ص م. ص

تستعيد رواية "ستانغولا... حكاية القبر المنسي في رقان" للكاتب اليامين بن تومي مأساة التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر من خلال ثلاثية أجيال، عاشت في ظلال القهر، وتورّطت في صمت الرمال وصرخة الذاكرة.

الرواية، الصادرة عن دار "أدليس" بلزمة للنشر والتوزيع، تقدّم عملاً سرديًّا يجمع بين السيرة والتاريخ والأسطورة، وتعيد طرح سؤال الذاكرة الوطنية من زاوية إنسانية، عبر تتبّع مصير عائلة جزائرية شكّلت الصحراء المنكوبة في "رقان" نقطة تحوّل كبرى في مصيرها. تبدأ الحكاية بعودة الحفيد، أستاذ التاريخ، في رحلة بحث أكاديمية يحاول من خلالها إعادة بناء تاريخ العائلة التي عايشت الأهوال، لا من خلال الوثائق فقط، بل عبر نبش الخزانة المعتمة للذاكرة. تتقاطع مسيرته مع جرح الأب "ستانغولا"، المعتقل السابق والمصاب بالسرطان نتيجة الإشعاعات، ومع الجدّ "بوشارب"، الذي كان شاهدًا على أولى التجارب النووية الفرنسية مطلع ستينات القرن الماضي، بعد أن سُجن ونُقل قسرًا للعمل في مواقع التفجير.

لا يسرد بن تومي مجرّد وقائع تاريخية، بل يطرح جدلية العلاقة بين الحقيقة والرمز، بين ما كُتب رسميًّا، وما ظلّ حبيس الذاكرة الجماعية التي لم تجد من يُنصفها حتى اللحظة. يشتغل النص عبر 16 محورًا سرديًّا تحمل عناوين رمزية مثل "ذاكرة القيامة"، و"قبر صغير"، و"تلك صحراء أخرى"، و"حب ترقي لم يكتمل"، وتنسج خيوطها بين الواقعي والميتافيزيقي، حيث تتماهى الصحراء مع القيامة، ويتحوّل التاريخ إلى أثر شخصي على الجسد والروح والهوية.

وتظهر في الرواية إشارات أسطورية كثيفة، مثل تشبيه الجدّ بـ"أتونابشتيم" السومري، وتوظيف لغة ذات شجن فلسفي، حيث يقول الراوي في أحد المقاطع "ها أنا أعود يا ولدي على غير الصّفة التي ذهبتُ بها، أعود محمّلاً بالصّمت والزوابع والعواصف التي لا تنتهي… غرسوه هناك كأنّه فأرٌ حقير، ليكون شاهداً على زمن الكره والحقد. نزعوا منّي ما قد أعيش به مرفوع الهامة". وبين السرد التاريخي والبوح الشخصي، تضع الرواية سؤالًا مفتوحًا حول من يملك الحقيقة، وكيف يمكن للكتابة أن تُنقذ ما تبقّى من الذاكرة الوطنية حين تعجز السياسة والمؤسسات عن ذلك.