في نقد الرواية الجزائرية المعاصرة

زينب خوجة تخوض في مسارات التجريب

زينب خوجة تخوض في مسارات التجريب
الدكتورة زينب خوجة
  • القراءات: 285
وردة زرقين وردة زرقين

صدر للدكتورة زينب خوجة، مؤخرا، مؤلف من 150 صفحة، موسوم بـ"مسارات التجريب في الرواية الجزائرية المعاصرة"، عن دار "وهج" للإعلام والثقافة والفنون. يتضمن نموذجين روائيين معاصرين من النماذج التي سعت للتجريب وتجاوز المكرس والنمطي، بغية استكشاف دروب جديدة في الإبداع، حيث تناولت الباحثة في هذه الدراسة، روايتي"أربعون عاما في انتظار إيزابيل" و"قدس الله سري".

تقول زينب خوجة، إن الرواية الجزائرية المعاصرة أخذت مكانة مرموقة في المشهد الأدبي، لما حظيت به من اهتمام، خاصة مع بروز أسماء شقت طريقها بقوة، وسلكت مسالك التجريب، وأسهمت في تحولات الرواية الجديدة سعت لتجاوز المألوف، وتوظيف التراث، واستحضار التاريخ، ومن هذا المنطلق، جاء اختيار الباحثة للروائيين سعيد خطيبي ومحمد الأمين بن ربيع، لثراء تجربتهما وما قدماه للمكتبة العربية من أعمال روائية متميزة، حازت جوائز عربية ووطنية، ولما كان التجريب تقويضا للقوالب الجاهزة، وكسرا لقواعد المألوف وخرقا لأفق التوقع، جاءت الدراسة منصبة على استنطاق النص الأدبي والولوج إلى عمارته الداخلية، وتحسس ما فيه من تشكيلات فنية وتداخلات دلالية، مخالفا بمضامينه، مغايرا بتوقعاته على مستوى الكتابة الجمالية التي صار فيها المتلقي شريكا فعالا لقراءة النص السردي المعاصر، وتتبع الانزياحات الجمالية اللغوية.

وإذا اعتبرنا السرد الجزائري المعاصر إنتاجا أدبيا متنوعا ومتميزا، فإن المتتبع لمسار تحولات الكتابة على مستوى التجريب، كركيزة فعالة لإنتاج دلالات مغايرة، بالاستعانة بالمقاربات النقدية الحداثية التي تناولت بعض النماذج السردية الجزائرية المعاصرة، فإنه يقف على معالم تعمل على البناء والتأسيس من منظور حداثي، وتتخذ التشكيل والبناء الفني جسرا لنزعة التجريب والحرية والمغامرة.

تقول صاحبة المؤلف، إن رواية "أربعون عاما في انتظار إيزابيل" تعد مثالا للاشتغال على اللغة وتوظيف اللغة الشعرية، لإضفاء مسحة جمالية وتسريد الأحداث في ثوب قشيب، وتفجير لوظيفتها الجمالية، إلى جانب الوظيفة التبليغية وغيرها من الوظائف، كما سعى الروائي إلى استثمار فترة الاحتلال الفرنسي واسترجاع أحداثها وإسقاطها على فترة حرجة من تاريخ الجزائر، تتمثل في العشرية السوداء، وربط ما هو واقعي بما هو تخيلي في سبيل تجاوز القوالب والأنماط المعتادة، مضيفة أن الروائي استطاع أن يستنطق مضمونيًا، جملة من المحكيات الفرعية التي كانت أغلبها تبدو بعيدة عن العلاقة بالحكاية الإطار، وقد يشقى القارئ في الربط العبثي بين هذه المحكيات الضمنية وبين عنوان الرواية وموضوعها الموعود، وتتبع الخيط الرفيع الذي يشدها إلى بعض، كما استعان بآلية الحوار عبر مستويات لغة حوارية متعددة، ما جعلها أكثر انفتاحا، موظفا اللغة الفصحى والعامية وحتى الفرنسية، حسبما يقتضيه المستوى السوسيو ثقافي للشخصيات.

كما جاءت لغة الوصف غنية بالرموز والدلالات، تتغلغل داخل النفس البشرية، فلا تكفي بوصف الظاهر من الأشياء والأحداث، بل تتعداه لوصف الأثر النفسي، بالتالي، يمكن القول إن رواية "أربعون عاما في انتظار إيزابيل" رواية الزمن بامتياز، إذ يمارس الروائي لعبة الاستباق والاسترجاع من خلال التجاوزات الفنية في التعامل مع (الزمن) لإحداث نوع من التضافر بين الواقع والخيال، ومن ثمة بناء نسيج زمني معقد.

في حين، يوظف الروائي محمد الأمين بن الربيع في روايته "قدس الله سري" العجائبي وخرق قوانين الطبيعة، باعتبار الرواية قالبا منفتحا وقالبا للتجريب، فيحدث خلخلة في تصورات القارئ ويطيش بخياله ويزدري توقعاته ويفتح واقعا جديدا، بما يبدعه من عوالم سحرية تهتك الواقعي بما هو فوق طبيعي لتمرير خطاب معين، فيجاوز الروائي الأسلوب العجائبي من المنطق والواقع إلى اللامنطق واللاواقع، من خلال خاصيتي التغريب والتعجيب، وهي من تجليات التحديث في الرواية المعاصرة التي يلعب فيها التركيز على الاختلاف والمقارنة بين الثقافات دورا بارزا، بتوظيف النصوص الموازية والثنائيات المتضادة، كالبقاء والفناء، والمقدس والمدنس، بين الديني والدنيوي.

وتضيف زينب خوجة، أن الروائي اشتغل على توظيف التراث الشعبي بمختلف أشكاله مستثمرا في ثرائه، خاصة في بعده العجائبي وما نسجته المخيلة الجمعية من قصص تنهل من الأساطير والميتافيزيقي، فاستحضار النصوص الغائبة والتناصات المتنوعة، منحت الرواية دافعا للانطلاق والتحول، كما يقول سعيد يقطين، غير أنه استطاع أن يوظفها في سياق حكائي متناغم وطوعها، لتتساوق مع مقتضيات حكايته العجائبية، وتخدم موضوعه وتمنح الأفكار التي سعى لإيصالها، ومبرراتها الفنية، وتقريبها من ذهن المتلقي لتكون أكثر واقعية لما يختزنه ذهنه من حكايات شعبية خارقة.