الخطاطة انشراح عفار لـ"المساء":

رحلة شغف.. من البيولوجيا إلى حرف الضاد

رحلة شغف.. من البيولوجيا إلى حرف الضاد
الخطاطة انشراح عفار
  • 114
بزاعي عبد السلام بزاعي عبد السلام

حين يلتقي الفن بالدقة، تولد "هندسة الحرف وتقنياته"، هناك ثمة ما يبرز مسيرة الخط العربي بتقنيات مبتكرة وصور جمالية تنبض بالأصالة والإبداع، حقيقة التمسناها عند الخطاطة انشراح عفار، فهي منذ نعومة أظافرها ترى القلم بين أناملها ممارسة تجمع بين الهواية والإبداع، فبحثت في مدلولات الخط العربي الذي ليس له حد.. من البديهي أن تستلهم الخطاطة أحاسيسها من محيطها وتخلق لنفسها فضاءات يتقاطع فيها الإبداع لونا وشكلا ومضمونا مع طموح كل مبدعة...حقيقة وقفت عليها "المساء".

لم تكن بدايات الخطاطة انشراح في عالم الخط نتاج مصادفة، بل ثمرة شغف نما في صمت منذ الطفولة. فقد كانت مولعة بالرسم منذ نعومة أظافرها، تلاحق الخطوط على دفاترها بعين عاشقة للتناسق والظل والنور. لكن التحوّل الحقيقي جاء بعد تخرجها من الجامعة، حيث نالت شهادة ماستر في البيولوجيا، لتبدأ بعد ذلك فصلاً جديدًا من حياتها في جمعية الشيخ عمر دردور لفن الخط العربي، وهناك وجدت ضالتها التي بحثت عنها طويلًا. تقول الخطاطة انشراح "تتلمذتُ على يد الأستاذ الخطاط إسماعيل مدور، وكانت البداية مع خط الرقعة. في فترة وجيزة تمكنت من إتقانه، ثم انطلقت نحو بقية الخطوط، أدون وأجرب وأخطئ وأتعلم. ومنذ ذلك الحين، أيقنت أنني وجدت نفسي الحقيقية في هذا العالم الساحر"..

الخط العربي.. إرثٌ ورسالة

تؤمن الخطاطة انشراح بأن الخط العربي ليس مجرد فن بصري، بل إرث ثقافي إسلامي ورسالة روحية عظيمة: "الخط العربي قبل أن يكون فنًا هو رسالة عظيمة وروحية يجب أن تستمر وتبلغ للأجيال القادمة كما بلغت إلينا. إنه فن وعلم قائم بحد ذاته، يجمع بين الجمال والدقة".

من التعلم إلى العطاء..

تعمل الخطاطة انشراح أستاذة للخط العربي بجمعية الشيخ عمر دردور منذ سنة 2023، تدرّس وتؤطّر الورشات بشغف كبير، وتنقل خبرتها إلى الأجيال الجديدة. شاركت في فعاليات دولية ونالت جوائز وطنية وولائية ودولية، كما ساهمت في تأطير ورشات على المستوى الدولي والوطني والولائي أيضا، لتكون بحق إحدى الوجوه النسوية البارزة في ساحة الخط العربي بالجزائر. "أوضحت أن أجمل لحظاتها حين ترى أحد طلابها يخطّ أول لوحة بيده. وتشعر حينها أن رسالتها وصلت، وأن الحرف العربي سيظل حيًا مادام هناك من يحبه.

محطات مضيئة ومشاركات مشرّفة

لم تتوقف انشراح عند حدود التعلم، بل تجاوزتها نحو العطاء والمشاركة. فقد شاركت في فعاليات دولية ونالت جوائز وطنية اعترافا بجهودها وإبداعها منها مشاركة بالورشة التي نظمتها الوكالة التركية تيكا في فن الخط العربي وفن الإبرو "الرسم على الماء" بقصر الداي حسين، واستلمت شهادة مشاركة دولية من طرف سعادة سفير دولية تركيا بالجزائر. كما حازت شهادة دولية  في خط النسخ بتقدير امتياز من أكاديمية الوفاء الدولية بدولة مصر وجائزة الجائزة التشجيعية بالورشة الوطنية 19 بولاية المدية كما تحصلت على  الجائزة الأولى في خط الرقعة بمعرض الخط العربي بمناسبة يوم النصر 2023 باتنة و الجائزة الأولى في كل من خط الرقعة، الخط الديواني، الديواني الجلي، الكوفي بمعرض الخط العربي بمناسبة يوم الشهيد 18 فيفري 2024 باتنة.

ورشة بقصر الثقافة مفدي زكريا سنة2024 ورشة بالمعرض الوطني لكتاب الطفل بساحة المرابطون صابلات 2025. ومنذ سنة 2023 إلى يومنا هذا، تعمل انشراح أستاذة للخط العربي بجمعية الشيخ عمر دردور، حيث تواصل بثّ شغفها وتعليمها لجيلٍ جديد من عشّاق الحرف، مؤمنةً أن أفضل تكريم للفنان هو أن يُخرج من تحت يده مبدعين آخرين. وتؤكد أن ما يسعدها أكثر من التكريمات هو رؤية بريق الشغف في عيون من يتعلمون

مداد.. حين يتحول الشغف إلى مشروع

لم يقتصر شغفها على الفن، بل تجاوز اللوحة ليصبح مشروعا حقيقيا تحت اسم "مداد لأدوات الخط العربي"، وهو متجر إلكتروني متخصص في أدوات الخط العربي. تروي الخطاطة انشراح فكرة المشروع بفخر: "واجهت صعوبة كبيرة في الحصول على أدوات الخط داخل الجزائر، فقررت أن أصنعها بنفسي. تعلمت قص الأقلام المعدنية وحدي وتخصصت في هذا المجال، وبدأت أوفرها للخطاطين داخل الوطن وخارجه. وبفضل الله، أصبحت أول امرأة جزائرية تصنع أقلام الخط المعدنية. ولم يكن مشروع (مداد) تجارة، بل خطوة للحفاظ على استمرارية الفن وتوفير وسائله لكل خطاط مبتدئ أو محترف".

الخط العربي اليوم.. عودة إلى الجذور

تتحدث انشراح بعين المتأملة عن واقع الخط العربي المعاصر، فتقول: "الخط العربي اليوم يشهد إقبالًا واسعًا من مختلف شرائح المجتمع، من التلاميذ إلى الأساتذة والموظفين، وهذا يبشر بنهضة فنية وثقافية حقيقية، تُعيد للحرف العربي مكانته التي يستحقها". و تظل انشراح من المدافعين عن الطابع التقليدي الأصيل للخط العربي، إذ تؤمن أن الحفاظ عليه واجب ثقافي قبل أن يكون خيارًا فنيًا: "أفضل أن يبقى الخط العربي كما وُلد: روحًا نابضة لا تصنعها الآلات. التكنولوجيا قد تُسهل، لكنها تسرق من الحرف دفء اليد ولمسة القلب. علينا أن نحمي هذا الفن من التحريف، لأنه هويةٌ قبل أن يكون شكلاً رغم إنجازاتها المتعددة، لا ترى الخطاطة انشراح نفسها وصلت بعد، بل ما تزال في بداية طريق طويل:«أسعى دوما إلى الإتقان ونيل الإجازة في مختلف الخطوط".