مسابقة الأفلام القصيرة الروائية

رحلة بين الواقع والخيال

رحلة بين الواقع والخيال
  • 156
مبعوثة "المساء" إلى تيميمون: نوال جاوت مبعوثة "المساء" إلى تيميمون: نوال جاوت

 يبرز المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون كمنصة لعرض أصوات السينما الحديثة من مختلف القارات. الدورة الأولى لهذا الحدث الاستثنائي شهدت عرض مجموعة من الأفلام القصيرة التي جمعت بين الدراما الواقعية، الخيال، والموسيقى، لتشكل فسيفساء سينمائية تعبّر عن الإنسانية وتكشف عن صراعات المجتمع والفرد على حد سواء، وتميّز فيلم "الحارس الأخير" من جنوب افريقيا للمخرجة سيندي لي في المجموعة الأولى المتنافسة في مسابقة الأفلام القصيرة الروائية، من خلال التقنية المستعملة وكذا المحتوى الذي حاول لفت الانتباه إليه وحتى الصورة التي نقلها.

في "الحارس الأخير"، إنتاج مشترك بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، تأخذنا المخرجة سيندي لي في رحلة مدتها 28 دقيقة داخل المحمية الطبيعية، حيث تكتشف الشابة ليثا سحر الطبيعة رفقة آخر حارسة غابات عاملة، لكن سرعان ما تتحول الرحلة إلى كابوس إثر كمين من الصيادين الجائرين. المخرجة سيندي لي، الحائزة على جوائز دولية، بما في ذلك جائزة مهرجان نيويورك لصانعي الأفلام عن سيناريو فيلم "هورن"، تواصل في هذا العمل التركيز على القضايا الاجتماعية والقصص النسائية من منظور إنساني، مؤكدة على حضورها القوي في السينما الجنوب أفريقية والعالمية. هذا العمل الدرامي يعكس صراع الإنسان مع الطبيعة والحياة البرية، ويطرح تساؤلات عن المسؤولية تجاه حماية البيئة.

أما الدراما الخيالية الموسيقية "البيض المقلي" يأتي في عرض عالمي أوّل، بإنتاج مشترك بين الجزائر وألمانيا وفرنسا، وبمدة عشرة دقائق، ليحكي قصة مجيد، موسيقي راي ومهاجر بلا أوراق قانونية يعيش في حي نواي الفرنسي، ويواجه خطر الطرد يوم العرض الموسيقي المقرر له. بينما يصرّ مجيد على العزف داخل شقته المملوءة برائحة الدخان، تنهمك شريكته أسماء في تجهيز صناديقها استعدادًا للرحيل القسري، وتتضاعف التوترات عندما يطرق المالك الباب ويطالبهما بالمغادرة. المخرج الجزائري إلياس تركي، الذي درس الاتصال في مدريد والفنون البصرية في باريس، يخلق لغة سينمائية خاصة تجمع بين الخيال والوثائقي والتجريب، ليقدّم من خلال عشرة دقائق قصة عن الصمود والحياة اليومية، حيث يصبح طبق من البيض المقلي رمزًا للسلام والمصالحة.

من مصر، يقدّم يوسف طه فيلمه الروائي القصير "دليفري أفندم" الذي يمتدّ على 25 دقيقة ويعكس بوضوح رؤيته الإنسانية والفكرية. تدور الأحداث حول مالك، صاحب مطعم بيتزا، الذي يخوض معركة قضائية مرهقة للحصول على حضانة ابنته بعد الطلاق. في موقف متوتر، يصفع صبيًا ليكتشف لاحقًا أنه ابن رجل غني ونافذ يسكن في نفس المبنى. الفيلم يستعرض التوترات والجراح والتناقضات الخفية بين الشخصيات، حيث يتقاطع الغضب بالضعف والسلطة بالخوف والعدالة بالندم، مؤكّدًا على قدرة السينما القصيرة على استكشاف النفس البشرية وتعقيداتها.

فيلم "حارسات الليل" الجزائري الذي أخرجته نينا خدة، مدته 23 دقيقة، يقدم تجربة شابة عشرينية تُدعى نورة ترافق جثمان جدتها إلى الجزائر، لكنها تُمنع من حضور مراسم الدفن من قبل عائلتها. محاصرة في المنزل العائلي، تكتم نورة غضبها بصمت أثناء السهر على الجثمان، في فيلم يمزج بين الخيال والدراما الإنسانية، يبرُز الحزن المكبوت والصراعات العائلية. نينا خدة، الحائزة على عدة جوائز في مهرجانات دولية، تقدّم مرة أخرى رؤية سينمائية حساسة تتناول الذاكرة والعلاقات الإنسانية المعقدة.

في الفيلم السنغالي-الفرنسي-البلجيكي Lees Waxul (غيرُ مُقال)، يقدّم المخرج يورو مباي دراما قصيرة مدّتها 21 دقيقة تمزج بين الخيال والواقع الاجتماعي. يحكي الفيلم قصة عثمانو، صياد سابق، يحاول تأمين لقمة عيشه من خلال بيع الخبز البائت الجاف، لكن افتتاح مخبز تقليدي على يد زوجة شقيقه يهدّد استقراره الاقتصادي ومكانته كرب أسرة، ما يخلق صمتًا ثقيلًا بينهما ويطرح تساؤلات عن التحديات الاقتصادية والصراعات الأسرية في المجتمعات الصغيرة. يورو مباي، الحائز على جوائز عدة وأحد صانعي السينما البارزين في السنغال، دمج في هذا العمل بين القصص الإنسانية والتجربة الاجتماعية بطريقة مشوّقة وعميقة.

للتذكير، ترأس المخرج الكونغولي ديودو حمادي لجنة تحكيم الأفلام الروائية، وهو صاحب مسيرة سينمائية مميّزة تضمّنت أفلامًا حائزة على جوائز دولية وعُرضت في مهرجانات بارزة مثل مهرجان كان السينمائي. يرافقه في اللجنة كلّ من جيوزي بويِمي، المديرة الفنية لمهرجان السينما الإفريقية في فيرونا والتي تحمل خبرة واسعة في السينما الجزائرية وما بعد الاستقلال، والمغني والممثل الجزائري سفيان زرماني المعروف باسم "فيانسو" الذي أسس شركة إنتاج لدعم المشاريع السينمائية للشباب، إضافة إلى بيدرو بيمينتا المنتج والمخرج الموزمبيقي، مؤسّس مهرجان "دوكانِيما" وعضو أكاديمية الأوسكار، والمرشد البارز لصناع السينما الشباب في إفريقيا.


" الوثائقيات" في مهرجان تيميمون

نافذة على الذاكرة والإنسانية

شكّلت الوثائقيات المعروضة في اليوم الأوّل من مسابقات مهرجات تيميمون للفيلم القصير، نافذة على الإنسان والذاكرة، على الصمود في وجه الصدمات، وعلى الهوية والثقافة، مؤكدة أن السينما القصيرة ليست مجرد توثيق للأحداث، بل أداة لإيصال الرسائل الإنسانية والاجتماعية، ومكانًا للتأمل في تجارب الشعوب، وصوتًا لمن لا صوت لهم، من ضحايا الاعتداءات إلى اللاجئين، ومن يبحث عن جذوره إلى من يواجه ذاكرته الجمعية، بما يجعل من مهرجان تيميمون مساحة حقيقية للإبداع والوعي.

شهدت الدورة الأولى للمهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون عروضًا وثائقية متميزة جمعت بين الحس الإنساني، والتأمل في الذاكرة، والتفاعل مع القضايا الاجتماعية الراهنة. من بين هذه الأعمال، يبرز الفيلم القصير"Before 16 " (قبل سن السادسة عشرة) من إخراج لويك نييونكورُو، من إنتاج كينيا وبوروندي ورواندا، بمدة 11 دقيقة وسنة إنتاج 2024، حيث يقدّم الفيلم تجربة إليزابيث، التي أصبحت أماً في سن السادسة عشرة بعد اعتداء جنسي صادم، وتعود بعد خمسة عشر عامًا لتروي بصراحة رحلة الشفاء والتحديات التي واجهتها في تربية ابنتها. يعتمد المخرج على اللون الرمادي والإضاءة المركّزة على الممرات والأبواب لتعزيز شعور الانغلاق النفسي، مانحًا الأم والابنة مساحة للتعبير عن الذكريات والحاضر، في نص سينمائي قصير لكنه مؤثر.

كما عُرض الفيلم الوثائقي المصري "بلا مأوى (HOMELESS)" من إخراج أمجد سوسي، ومدته 35 دقيقة وسنة إنتاج 2025، الذي يتتبع حياة بلال في حي فقير، مكرّسًا وقته وماله لرعاية الحيوانات المشردة. يقدم الفيلم تجربة إنسانية غنية بالبعد العاطفي من خلال التركيز على كل حيوان في فصول متعددة، ليبرز الروابط الإنسانية بين الإنسان والحيوان. يُعرف المخرج أمجد سوسي بخبرته الطويلة في إخراج الأفلام القصيرة والمسلسلات، وعُرضت أعماله السابقة مثل "مشهد" و٣رسالة من 21 مارس" في عدة مهرجانات.

الفيلم الجزائري "لا تمشوا عني (Don’t Walk Away)" من إخراج هيثم عامر، ومدته 17 دقيقة وسنة إنتاج 2025، يقدم شهادة حقيقية عن حياة اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف ومدينة تيفاريتي، آخر مدينة قصفها الجيش المغربي. من خلال صور واقعية وأصوات صادقة، يعكس الفيلم الألم والمقاومة والأمل لشعب يعيش في المنفى منذ نصف قرن، مسلّطًا الضوء على الهوية والصمود والثقافة. المخرج هيثم عامر معروف بتحويله المواقف العادية إلى تأملات شاعرية حميمية، وهو ما يظهر بوضوح في هذا العمل.

بينما يعيد الوثائقي الليبي "أنغام الكثبان (Melody of Dunes)"، من إخراج محمد القصير ومدته 30 دقيقة وسنة إنتاج 2025، اكتشاف الانتماء والهوية في واحة غدامس القديمة، حيث يعود زوجان ليبيان نشآ في الولايات المتحدة إلى أرض أجدادهما، ليكتشفا من جديد إيقاع الانتماء الصامت. يتميّز المخرج محمد القصير بأسلوبه الشاعري والحس الإنساني العميق، وقد حازت أعماله على جوائز محلية وإقليمية في ليبيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. كما شهد المهرجان عرض الفيلم السنغالي "2002، معركة ضد النسيان" لعبد العزيز باس، بمدة 16 دقيقة وسنة إنتاج 2024، الذي يستكشف التوتر بين الماضي والحاضر، والذكريات الممحوة والآثار المستمرة في السنغال. يعتمد الفيلم على صور فوتوغرافية ومناظر وأشياء مألوفة ليحوّل التفاصيل اليومية إلى رموز للذاكرة الجمعية، ويسائل المشاهد حول الهوية والوعي الجمعي. المخرج عبد العزيز باس نشأ في بيئة تهتم بالصور، ودرس الرسم والمسرح قبل الانتقال إلى السينما، وهو حاصل على ماجستير في المونتاج وسكريبت السينما، وفاز الفيلم بالجائزة الخاصة للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) لأفضل فيلم قصير وثائقي في "فيسباكو 2025".

تولى تحكيم هذه الأعمال لجنة متميزة برئاسة جِيهان الطاهري من مصر/فرنسا، كاتبة سيناريو ومخرجة وعضو أكاديمية فنون وعلوم السينما (الأوسكار)، معروفة بأفلامها الوثائقية التي تستكشف التاريخ والسياسة والذاكرة، ومن بين أعضائها أمين بُوخريص من تونس، مخرج ومنتج مؤسس شركة "دنيا فيلمز"، ومحمد لطرش من الجزائر، مخرج عصامي مؤسس شركة "صورة فيلمز"، ومام ووري ثيّوبو من السنغال، مخرجة وصحفية مؤسِّسة شركة "سوبالو ميديا غروب".