المتحف الوطني للآثار بمدريد

رحلة استكشاف لتاريخ الفن الإسلامي

رحلة استكشاف لتاريخ الفن الإسلامي
رحلة استكشاف لتاريخ الفن الإسلامي
  • القراءات: 492
ق. ث ق. ث

يتواصل بالمتحف الوطني للآثار وسط العاصمة مدريد، معرض خاص بعنوان "الفنون المعدنية في الأندلس"، يضم مجموعة نادرة من القطع الأثرية التي تؤرخ لتاريخ المعادن في الأندلس؛ من استخراجها إلى معالجتها وتصميمها وتصنيعها على شكل أدوات وقطع فنية، تعكس عبقرية الصانع التقليدي بشبه الجزيرة الإيبيرية من حيث الإتقان والدقة الفنية.

تعكس المعروضات والقطع الأثرية التي يحتضنها هذا المعرض الذي يستمر إلى غاية 6 سبتمبر المقبل، مدى التأنق والحرفية في صياغة وتشكيل قطع وأدوات فنية وأخرى للاستعمالات اليومية، التي بلغها الحرفيون بالأندلس خلال العصر الوسيط، الذين طوّعوا المعادن (الحديد والبرونز والذهب والفضة والنحاس وغيرها)، ليحولوها إلى قطع فنية رائعة بحمولة إسلامية، لازالت تأثيراتها بارزة إلى اليوم في مختلف مظاهر الحياة بالغرب.

ويقف زوار المعرض من خلال هذه المعروضات الفنية وكذا عبر الوسائط السمعية - البصرية الموزعة على مختلف أركان قاعة العرض، يقفون عند المحطات التي ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية بالأندلس، وامتداد إشعاعها ليشمل كل أوروبا، وذلك عبر شواهد وقطع فنية ولقى أثرية، تبهر براعة تصميماتها ودقة صنعها وعبقرية الأنامل التي طوعتها، لتصير إبداعا فنيا غزا مختلف المعارض عبر العالم.

وقال المدير المسؤول عن المعرض سيرجيو فيدال ألفاريز، إن معرض "الفنون المعدنية في الأندلس" الذي يضم أكثر من 300 قطعة نادرة تتوزع ما بين القطع النقدية الذهبية والفضية والحلي والمجوهرات والأدوات المنزلية ومعدات استخراج ومعالجة المعادن وأسلحة الصيد والقتال، يشكل رحلة استكشاف لتاريخ الفنون المعدنية في الأندلس وتطورها على مدى السنين والعقود، وكذا مختلف المراحل التاريخية الرئيسة التي مرت بها عملية إنتاج وصناعة هذه القطع والأدوات المعدنية منذ عهد الخلافة بالأندلس التي بلغت ذروة مجدها في قرطبة، قبل أن تتفكك إلى ممالك وطوائف، مرورا بعصر المرابطين والموحدين، ووصولا إلى مملكة الناصريين مع بني الأحمر في غرناطة.

وأضاف فيدال ألفاريز أن هذا المعرض الذي يُعد الأول من نوعه، جاء كثمرة تعاون وتنسيق بين إدارة المتحف الوطني للآثار وعدد من المتاحف الإسبانية والعالمية، وبمشاركة العديد من الأكاديميين والمتخصصين في العلوم والفنون الأندلسية؛ من أجل إبراز مدى التنوع والغنى الذي ميز الفنون المعدنية في الأندلس. وأكد أن جهود بعض المؤسسات الأجنبية التي سبق لها أن اهتمت بالفنون المعدنية الإسلامية، كانت تنحصر دائما ضمن مجال جغرافي عام، يشمل كل أراضي الإسلام من العصور الوسطى إلى الحديثة، ولذلك "ركزنا من خلال هذه المبادرة، على الدور المحوري للأندلس في نشأة تلك الفنون وتطورها، خاصة أن الأبحاث والحفريات التي تم القيام بها، كشفت أنه كان لبلاد الأندلس الدور الأساس في الصناعات المعدنية الإسلامية".

وأوضح مدير المعرض أن الأدوات والقطع الفنية والأعمال الإبداعية التي يتضمنها هذا المعرض، تتوزع ما بين أدوات الاستخدام في الحياة اليومية كالقناديل وأدوات الزينة، وكذا القطع النقدية الذهبية والفضية والحلي والمجوهرات، وما بين أسلحة الصيد والقتال، والأدوات والمعدات العلمية في الفلك والملاحة البحرية؛ كالإسطرلاب وبعض الخرائط، إلى جانب الأدوات والمعدات التي كانت تُستخدم في استخراج المعادن وتطويعها. وقال إن المعرض يتشكل من قسمين، يؤرخ الأول لمختلف مراحل استخراج المعادن الذي كان يعرف تطورا كبيرا في شبه الجزيرة الإيبيرية حتى قبل وصول المسلمين إليها، ثم حركة المبادلات التجارية التي كان المسلمون يحصلون من خلالها على المعادن اللازمة من برونز وفضة وذهب، والتي كان معظمها يأتي من البلدان الواقعة على الضفاف الشرقية للبحر المتوسط، قبل أن يقوموا بصهرها وتصنيعها في محترفاتهم.

أما القسم الثاني فيتضمن مختلف القطع الفنية والأدوات التي كان الصنّاع التقليديون في الأندلس يبدعون في تصنيعها، والتي تقدم فكرة دقيقة ومفصلة عن مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية في هذه الرقعة الجغرافية؛ من النقود إلى الدين والعلوم والجراحة (الثريات والقناديل التي كانت تضيء المساجد ودور العبادة)، مرورا بمجسمات حيوانات بعضها خرافي، أغلبها كان يُستخدم كنافورات لقذف الماء في فضاءات القصور والمساجد والبيوت الأندلسية، بالإضافة إلى الأدوات الموجهة للاستخدام في الحياة اليومية، وما يتصل منها بالأنشطة الإنتاجية والدفاع والأسلحة والزراعة وغيرها.