معرض جهيدة هوادف بمتحف الفنون الجميلة يتواصل

رحلة إلى الصحراء المنيرة والساحرة

رحلة إلى الصحراء المنيرة والساحرة
  • القراءات: 1126
  لطيفة داريب  لطيفة داريب
مع لوحات جهيدة هوادف، يمكن أن نرتفع إلى السماء ونقوم برحلات جنونية تأخذنا إلى عوالم تقبع في مخيلتنا الواسعة، حيث نلتقي بمخلوقات خارجة عن المألوف، سواء من ناحية أشكالها أو حتى ألوانها، وهناك يخفق قلبنا حبا وأملا في حياة أفضل ..... تكون هذه المرة على أرض الواقع.
تعرض بمتحف الفنون الجميلة إلى غاية الشهر القادم 50 لوحة لجهيدة هوادف، ضمن مجموعتها الجديدة التي عنونتها: «إفريقية»، وتعد بادرة تقوم بها الفنانة التي عادة ترسم مستلهمة من ذكرياتها، لتقوم هذه المرة بالنهل من تجربتها في الصحراء الجزائرية، وبالضبط خلال مشاركتها المتعددة في تنشيط إحدى ورشات المهرجان الدولي لفنون الأهقار بتمنراست.
قالت جهيدة لـ«المساء»، بأنها عشقت الصحراء وأنها تصبو إلى أن تسلط عليها المزيد من الضوء، ضوء على منطقة تعرف بأنوارها الساطعة التي تضفي بريقا للألوان، فيظهر كل لون بلمعان خفاق، وهو ما يزيد في جمال هذه المنطقة التي أدار الشمال ظهره لها وحان الأوان أن يهتم بها.
وفي هذا السياق، طالبت الفنانة بأهمية العودة إلى الأصول وأن نهتم بلملمة الشمل، ومن ثم التفتح على العالم وتبيان كل ثرواتنا الثرية والمتنوعة، مثلما حدث في الصين، وهو ما حاولت أن تقوم به من خلال معرضها الجديد هذا، حيث رسمت الصحراء الجزائرية ببصمتها الخاصة، المليئة بالألوان اللامعة والمخلوقات الخارجة عن المألوف.
وما شد جهيدة للصحراء أيضا، الشعور بالسلم النفسي والدعة، الذي يصيب كل من تطأ قدماه هذه الأرض العذراء، حيث أنها تصبو دائما من خلال اعتمالها الفنية إلى الوصول إلى عالم يعمه السلم، وهو ما لم يتحقق في الواقع، حيث يغمره العنف والضغط والاكتئاب.
لوحات جهيدة تجلب لكل من يقف قبالتها الشعور بالسعادة والأمل نتيجة لكل الألوان البراقة التي تعتمد عليها، وكذا الأشكال الباهية والخارقة للعادة، مثل نباتات زرقاء ترتفع إلى السماء، رغبة من الفنانة إلى الوصول إلى الأعالي، حيث تسبح الأرواح الشفافة وتصفى القلوب وتطهر من كل الأدران. إلى جانب زرافات بعنق طويل يرنو إلى نفس المصاف.
ودعت جهيدة وزارة الثقافة إلى دعمها لعرض هذه المجموعة في الصحراء، خاصة أنها مهداة إلى سكان هذه الأرض الطيبة، مشيرة إلى أن من بين المشاكل التي يعاني منها الفنانون، نقص فضاءات العرض ومستقبل اللوحات التي عادة ما تخبأ ولا ترى من جديد.
جالت «المساء»رفقة جهيدة في معرضها وتوقفت عند بعض اللوحات التي تحمل ألوانا صارخة بمواضيع خيالية تعبر عن حب الفنانة لصحرائنا، وكذا وسيلة لتمرير رسائلها وأحلامها، مثل لوحة «أنا كما أنا» التي تؤكد على ضرورة أن يكون كل منا على سجيته.
لوحة أخرى بعنوان «نادرون وغير منسيين»، أضفت فيها جهيدة، علاوة على تأكيدها على ضرورة الحفاظ على الطبيعة من أجل الأجيال القادمة في صورة رسمها للكثير من النباتات، أشكالا وكأنها قدمت مباشرة من فن الكاليغراف، وفي هذا تقول الفنانة بأنها تحب الخط العربي، مما دفعها إلى الاستلهام منه وإن كانت حروفها من عالم سحري، حيث أنها فرضت حركاتها الغامضة ورقصاتها الفريدة من نوعها.
وعن الكلمة، تحدثت جهيدة وقالت بأنها تحمل قوة لا يستهان بها، فهي التي يمكن أن ترتفع بنا إلى أعالي السماء وفي نفس الوقت تستطيع أن تنزل بنا إلى أسفل السافلين، وهكذا اختارت استعمالها في أكثر من لوحة ولو أنها حملت الغموض.
تحدثت جهيدة في أكثر من لوحة، عن الرحلات، منها الخيالية التي يأخذنا بها كل عمل إبداعي إلى عالم غير معقول، لكنه جميل فعلا، أو النفسية التي ترحل بنا إلى الأعماق وتدفع بنا إلى أن نتعرف على أنفسنا أولا، ومنه التوجه نحو الغير.
وقالت الفنانة عن لوحتها «عصفور واحد في القفص، الحرية في حداد»، بأن الحرية صفة حميدة وهدف سام، لكنها لا تعني أن نفعل ما نريد، لأنها مرتبطة باحترام الآخر، مضيفة أن الحرية يمكن أن تتحقق خاصة لو تفتح فكر الإنسان من خلال المطالعة والسفر.
وعن لوحة «نور الليل» قالت جهيدة بأنها ترمز إلى جمال ليل الصحراء حينما تمتلئ السماء بالنجوم المرصعة، أما لوحة «عودة إلى إشارات بسيطة وبديهية»، فقالت الفنانة بأن العودة إلى الأصل لا مناص منها، لتنتقل إلى لوحات عبرت فيها عن أحاسيسها علنا مثل لوحة «الرغبة في الحب»، وفي هذا أعلنت عن أن اختيارها لعناوين أعمالها لا يعني تقديمها لتفسير موضوع لوحة ما، بل هي عبارة عن استمرارية للعمل في حد ذاته أو ترجمة لمشاعر اللحظة.
كما أكدت المتحدثة تعليقا منها على لوحتها «وعد البداية» أهمية أن لا ييأس الإنسان من حياته التي تعبر عن دورة تعيد نفسها، وأنه يجب عليه أن يحاول من جديد، لأن في هذه الدنيا رب لا ينسى عباده أبدا. أما عن بصمتها الفنية في معرضها الأخير هذا الذي يتوسط معارضها السابقة حول طفولتها والمستقبل الذي تحضر له حول مدينة الجزائر، فجاءت في استعمالها بالكثير من الألوان الصارخة وكذا الأشكال والخطوط المتنوعة، حتى أنها مزجت بين عدة تقنيات في اللوحة الواحدة، مثل الألوان المائية والقوانش والأركيليك واستعمال الأقلام الملونة وغيرها.