في ذكرى ميلاد همينغواي

رائعة "العجوز والبحر" غير قابلة للنسيان

رائعة "العجوز والبحر" غير قابلة للنسيان
  • القراءات: 979
مريم .ن / الوكالات مريم .ن / الوكالات
حلت أمس ذكرى ميلاد الكاتب الأمريكي الأسطورة أرنست همنغواي، التي توافق الـ21 من جويلية، وبالمناسبة نشرت بعض المواقع والجرائد العالمية رسالة صاحب "العجوز والبحر" ألقاها أثناء حفل تسلمه جائزة "نوبل". وجاء في الرسالة: "ولأنني لا أملك موهبة تدبيج الكلمات، ومهارة الخطابة أو سطوة البلاغة، فاسمحوا لي أن أشكر المديرين الكرام في جائزة نوبل على منحي هذه الجائزة. لا يمكن لأي كاتب قرأ للكتّاب العظماء الذين لم يحظوا بجائزة نوبل، إلا أن يقبل هذه الجائزة بتواضع كبير. لا داعي لأن أسرد أسماءهم بالترتيب، فكل شخص هنا بإمكانه أن يرتبهم وفق معرفته وضميره. من المستحيل أن أطلب من سفير بلادي قراءة كلمة كتبتُ فيها كل ما في قلبي، الأشياء التي يكتبها الكاتب قد لا تكون قابلة للإدراك في لحظتها، حتى وإن كان محظوظاً في ذلك بعض الأحيان، لكنها ستتضح أكثر مع مرور الزمن، ومن خلال هذه الكتابة ومن خلال مقدار الكيمياء التي يتمتع بها الكاتب، سيُكتب له البقاء أو النسيان (سيكتب له أن يبقى أو أن يذهب في طي النسيان).
الكتابة في أجمل حالاتها؛ حياة في العزلة، حياة الجماعة تلطّف وحدة الكاتب، لكنها لا تمنحه شيئاً لتطوير أدواته. يتماهى مع الحياة العلنية التي يريق من خلالها وحدته، لكنه في المقابل يعرّض فنَّه للتلف، لأنه حين يكتب لن يكتب إلا وحده، وعليه إن كان كاتباً جيداً أن يواجه الخلود أو التجرّد من الخلود، في كل يوم من أيام حياته". ويضيف "كل كِتاب هو بداية جديدة للكاتب الحقّ، يبذل فيه أقصى ما يملك للوصول إلى شيء يستحيل الحصول عليه. فعليه دائماً أن يحاول الوصول إلى شيء لم يصل إليه أحد من قبل، أو شيء حاول الآخرون الوصول إليه وفشلوا، ثم وفي أحيانٍ قليلة وبحظٍ عظيم قد ينجح. كم هي سهلة كتابة الأدب إن كان جلّ ما علينا فعله هو أن نعيد كتابة شيء أبدع آخرون في كتابته، وكتبناه نحن بطريقة مختلفة لا أكثر. ذلك لأن لدينا كتَّاباً عظماء في الماضي، بحيث لم تعد هناك مساحة لأي كاتب لكي يطأ الماضي من دون أن يضطره هؤلاء الكتَّاب إلى الخروج بعيداً إلى حيث لا أحد هناك ليساعده. لقد تحدثتُ كثيرا جدا مقارنة بما يتوجّب على الكاتب، فالكاتب لا يتحدث بما يود قوله، بل يكتبه مرة أخرى شكرا لكم".
عاش إرنست ميلر همينغوي بين 21 جويلية 1899 و2 جويلية عام 1961م، هو كاتب أمريكي يعد من أهم الروائيين وكتّاب القصة الأمريكيين. كتب الروايات والقصص القصيرة ولقب بـ "بابا" وغلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية، إلا أنه عاد ليجدد أفكاره فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان في رواياته، غالبا ما تصور أعماله هذه القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من العزلة والانطوائية، شارك في الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث خدم على سفينة حربية أمريكية كانت مهمتها إغراق الغواصات الألمانية، وحصل في كل منهما على أوسمة، حيث أثرت الحرب في كتابات هيمنجواى وروايته.
وفي عام 1921، عمل مراسلا لصحيفة "تورنتو ستار" في شيكاغو، ثم هاجر إلى باريس سنة 1922م، حيث عمل مراسلا أيضا، وأجرى مقابلات مع كبار الشخصيات والأدباء مثل كليمانصو وموسوليني الذي وصفه بأنه "متمسكن وهو أكبر متبجح أوروبي في نفس الوقت"، كما تعرف على أدباء فرنسا حين كانت الحركة الثقافية الفرنسية في العشرينيات تعيش عصرها الذهبي. بداية النجاح كانت عام 1923، حيث نشر أولى مجموعاته القصصية وهي "ثلاث قصص وعشرة أناشيد"، لكن أول عمل لفت انتباه الجمهور من أعمال همينغواي لم يأت سوى عام 1926م، وهو "الشمس تشرق أيضا" التي لاقت نجاحا منقطع النظير. هذا النجاح شجعه على نشر مجموعة قصص عام 1927م، هي "الرجل العازب"، وإثر عودته سنة 1923م إلى فلوريدا، حيث توجد عائلته، انتحر والده بإطلاقه طلقة في الرأس وفي عام 1929 عاد مع زوجته الثانية بولين بفيفر إلى أوروبا، حيث نشر واحدا من أهم أعماله  "وداعا أيها السلاح"، وقد نجح هذا العمل، وحول إلى مسرحية وفيلم، وإن لم تحقق المسرحية ذلك النجاح الكبير، وهذا ما دفعه إلى ترسيخ اسمه الأدبي بعمل أدبي جديد ومتميز، فنشر سنة 1932م "وفاة في العشية". وبدأ همينغواي منذ سنة 1933م يتردد باستمرار على كوبا، وفيها كتب عمله "الفائز يخرج صفر اليدين"، ثم توقف عن النشر حتى سنة 1935 م لتظهر "روابي إفريقيا الخضراء" عن رحلة قادته إلى شرق القارة لصيد الطرائد البرية وهي هوايته منذ الصبا. وبين عامي 1936 و1938 عمل مراسلا حربيا لتغطية الحرب الأهلية الإسبانية، وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن عدائه الشديد للفاشية الصاعدة آنذاك، بل دخل الحرب ضد النازيين والفاشيين، ودخلت أيضا معه زوجته الثالثة مارتاجيلهورن مراسلة على الجبهة الروسية ـ الصينية عام 1940م، وكانت هذه السنة علامة فارقة في أدب همينغواي، حيث نشر "لمن تقرع الأجراس؟" لتحقق نجاحا خارقا وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة في السنة الأولى من نشرها، ونال عن حقوق الفيلم المأخوذ عنها 150 ألف دولار وكان رقما قياسيا وقتذاك.
عكس أدب همينغواي تجاربه الشخصية في الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الأهلية الإسبانية. تميز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة وترك بصمتة على الأدب الأمريكي الذي صار همينغواي واحدا من أهم أعمدته. شخصيات همينغواي دائما أفراد أبطال يتحملون المصاعب دونما شكوى أو ألم، وتعكس هذه الشخصيات طبيعة همينغواي الشخصية.
تلقى همينغواي جائزة بوليتزر الأمريكية في الصحافة عام 1953، كما حصل على جائزة نوبل في الأدب في عام 1954 عن رواية "العجوز والبحر"، وجائزة بوليتزر الأمريكية "لأستاذيته في فن الرواية الحديثة، ولقوة أسلوبه كما يظهر ذلك بوضوح في قصته الأخيرة "العجوز والبحر" كما جاء في تقرير لجنة نوبل. في آخر حياته انتقل للعيش في منزل بكوبا، حيث بدأ يعاني من اضطرابات عقلية، وفي صباح يوم 2 جويلية 1961، أطلق النار على نفسه من بندقيته المفضلة.