معرض الفنان اعمر الهاشمي برواق "عسلة حسين"

رؤى فلسفية متجذرة في يوميات الراهن

رؤى فلسفية متجذرة في يوميات الراهن
  • القراءات: 810
مريم. ن  مريم. ن
يعرض الفنان التشكيلي الهاشمي اعمر تجربته الفنية الطويلة بكل ما تحويه من بحث وإبداع ضمن معرضه "توهمات وقناعات" برواق "عسلة حسين" الممتدة فعالياته إلى غاية 10 أوت القادم، يحمل المعرض رؤى فلسفية عميقة ومتجذرة في الفكر الإنساني، حاول الفنان أن يقرأ بها تحولات الراهن، كما حاول من جهة أخرى أن يتجاوز الأطر الجاهزة والمتداولة ليبدع أعمالا مرتبطة بقناعاته الفنية والفكرية.
يعتبر هذا الفنان المحترف شعلة قادرة على تجديد الحياة وإخراجها من دواليب الرتابة، ومتمكنا من صياغة أسلوبه الفني الخاص الناتج عن مراحل من البحث والتجريب، علما أن الفنان متخصص في فن المنمنمات وفي الخط اللاتيني، وهو دوما في رحلة بحث وتنقيب دون أن ينتظر من ذلك المقابل، لذلك يصفه زملاؤه من الوسط الفني بـ"المعلم"، وهي صفة تليق به.
يسود المعرض ذو الثلاثين لوحة الأسلوب "التشخيصي" الذي يظهر أحيانا بوجه شاحب وبسيط، يحاول من خلاله تناول أوضاع اجتماعية معينة يوظف فيها شخوصا وأطيافا تشبه بني البشر. ويرى الفيلسوف العبقري نيتشة أن "الفن أكذوبة توعينا بالحقيقة"، بالتالي يستغل الفنان هذا الفن للتوعية بالحقيقة وبما يدور حول الإنسان من متغيرات وتناقضات، كما تبرز هذه الأعمال ألما دفينا قد لا يحس به إلا من كان فنانا مرهفا وواعيا.
الفنان الهاشمي طائر مغرد ضمن سرب التشكليين الجزائريين المحترفين الذين تبنوا الفن وجعلوا منه قضية سامية هي في خدمة المجتمع.
تتوالى في لوحات هذا الفنان الألوان المضاءة والمتنوعة والأطياف التي تمر بسرعة على العين سواء كانت ممدودة أو واقفة أو جالسة، استطاع الفنان وبمهارة عالية أن يعطيها أبعدا مختلفة سواء مضخمة أو محددة، والاستعانة بخطوط مظلمة وخفيفة، مع القدرة على التحديد وفك المبهم. وهناك أيضا الكثير من اللوحات الداكنة التي غالبا ما تحوي شخوص نساء أغلبهن ذوات مظهر تقليدي وأحيانا يظهرن بجسم منفصل فيه الرأس عن الجسد، بينما في لوحات أخرى تظهر هذه الأطياف في جلسات حميمية هادئة لتبقى الوجوه بدون معالم أو حواس، وأحيانا تظهر هذه السيدات متقابلات وكأنهن أعمدة منصوبة بينما تظهرن في موقع آخر في شكل شموع، وفي إحدى اللوحات تزدحم فيها الألوان الداكنة من أزرق وبني وبنفسجي وتتداخل فيها الأطياف لتلتف على بعضها في شكل زوابع كدليل على الثورة والغضب.
تعود نفس هذه الأطياف الأنثوية لتتقابل مرة أخرى وجها لوجه تماما كالرسومات الفرعونية، علما أن كل هذه الشخوص تحمل رؤوس طيور وليس رؤوسا بشرية بعضها تعمد الفنان زركشتها بأسلوب المنمنمات.  ويتكرر المشهد مع أطياف شخوص رجالية يظهر بعضها بالزي التقليدي (البرنوس والجلابة)، وهي في السوق الشعبية، لتحمل هي الأخرى رؤوس طيور.
لوحات أخرى تبدو فيها العتمة الشديدة وتسودها أمواج البشر المنتشرة في كل مكان، تبحث عن مكان للتموقع. لم يخف الفنان تعلقه بالأم التي تبقى منبع الحب والحنان ليقدم بعض لوحاته التي تحتوي شخوص سيدات تبرز فيهن الأثداء كدليل أمومة، بينما في لوحة أخرى تظهر بنت تحضن أمها الحنون من الخلف وهي تمازحها في حميمية وهذا بإحدى مناطق الريف الجزائري، علما أن في هذه اللوحة بالذات تتجلى كل الأحاسيس ومعها كل الحواس والأعضاء عكس اللوحات السابقة.
للتذكير، فإن الهاشمي اعمر فنان تشكيلي من مواليد سنة 1959 بحجوط في تيبازة، وهو أستاذ ومدير مدرسة الفنون الجميلة بمستغانم ورئيس جمعية الفنون الجميلة محمد خدة وعضو بالاتحاد الوطني للفنون الثقافية وعضو باتحاد التشكيليين العرب بالكويت، ومحافظ مهرجان مدارس الفن للمواهب الشابة وغيرها. وزاول الفنان دراسته بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة، ثم التحق بالأكاديمية المركزية للفنون التطبيقية ببكين وبجامعة استراسبورغ في قسم الماستر، ليتحصل في الأخير على دكتوراه من جامعة باريس، كما أن له مشاركاته في عدة تظاهرات دولية هامة.
يبقى هذا الفنان مولعا بالغوص في الزمن المستقبل ليقرأ من خلال تطوراته الراهن وينتفض به على الأطر الفنية التقليدية التي لا تتحرك، مع حرصه على الموازنة بين الكلاسيك والحداثة. خاصة من حيث التقنيات، يترصد اللحظات السحرية ليسجلها كما يحلو له بشكل قار وثابت كي يصل إلى الأجيال، علما أنه متجول نشط في الحياة لا يترك مدينة ولا دوارا ولا سوقا ولا لحظة إلا ودخلها بصدر مفتوح وبعينين ثاقبتين، ناهيك عن اهتمامه بالتراث الجزائري الأصيل. وقدم الفنان معارضه عبر العديد من الولايات، منها العاصمة وقسنطينة وعنابة وتمنراست ووهران وغيرها، إضافة إلى بعض العواصم العالمية منها واشنطن وطهران وصنعاء وبكين وعمان وبعض المدن الفرنسية، كما حاز على العديد من الجوائز.