مايسة باي تجدد اعترافها ببغضها للاستعمار

ذكريات من ألم ودم

ذكريات من ألم ودم
  • القراءات: 775
مريم. ن مريم. ن

شرعت الصحف والمجلات الأسبوعية الفرنسية مؤخرا، في تخصيص صفحاتها لما أسمته "التاريخ المشترك" مع الجزائر، وذلك منذ أن أودع المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، تقريره حول الذاكرة، وما أثاره من جدال ونقاش.

استطلعت مجلة "لوبس" الأسبوعية في عددها الأخير، آراء عدد من الكتّاب والفنانين الجزائريين ومزدوجي الجنسية، حول موضوع التاريخ من زاوية التأثير على أعمالهم. وكان - حسب الكاتب بوداود عمير - من بين من ساهموا في الملف مساهمة مؤثرة لفتت انتباهه، الكاتبة الجزائرية مايسة باي، التي كتبت: "أقول دائما أن وعيي بوحشية الاستعمار أثناء حرب الجزائر، هو الذي حدد ملامح شخصيتي وكتاباتي، وبالأساس علاقتي مع العالم، عنف هذا العالم. كان أبي معلما منذ سنة 1954، انضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني ذات ليلة، إثر الإضراب الذي أعلنته جبهة التحرير الوطني في فبراير 1957. اقتحم جنود فرنسيون منزلنا الوظيفي الذي كنا نسكنه داخل المدرسة التي كان يدرس فيها أبي. وبعد نهبهم كل شيء وقع بين أيديهم، اعتقلوه رفقة سبعة من رفاقه، بمن فيهم شقيقه وابن عمه، تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب لمدة 48 ساعة، ثم قاموا بإعدامهم، ليُلقوا بجثثهم داخل مقبرة جماعية! كان عمري ست سنوات يومها، هكذا دخل الموت والحرب والخوف حياتي". واقعة تعذيب والدها واستشهاده، والآثار العميقة التي خلّفتها في نفسيتها، جسدتها في رواية سيرية كتبتها سنة 2002، تحت عنوان "هل تسمعون صوت الجبال؟".

وتسرد الروائية مايسة في هذه الرواية، عبء الماضي، وما يحمله من ألم عن الثورة المجيدة. حوار يدور بين امرأة بنت شهيد تلتقي بطبيب، يحمل، هو الآخر، ذاكرة مثقلة بجروح الماضي، عندما كان في ثكنة تابعة للقوات الفرنسية على أرض الجزائر. وفي هذا النص لكل قاموسه الذي يعبّر عن انتمائه أحيانا، وعن قناعاته أحيانا أخرى. وكل شخصية تسمي الآخر بالتسمية التي تراها مناسبة لها لتبرير صورتها. وهنا تتدخل شخصية أخرى من الجيل الجديد، وترى ضرورة المصالحة مع النفس والتاريخ، وتسمية الأشياء بمسمياتها؛ إنها الحرب وكل ما تركته من معاناة، ليقول الطبيب إن "لا أحد خرج سالما من الحرب"؛ لا الجهة المستَعمَرة ولا المستَعمِرة، وللذاكرة تاريخها الذي لا ينمحي".

هكذا نسجت الروائية مايسة باي عالماً روائياً خاصاً بها، انطلقت فيه من موضوع حرب التحرير، لتتناول مسألة التعذيب التي تعرّض لها المجاهدون الجزائريون خلال هذه الحرب، مستندة على قصة واقعية، هي قصة والدها الذي اختفى بعد أن اختطفه الجنود الفرنسيون ولم يعد إلى أسرته. للإشارة، فإن الكاتبة مايسة باي من مواليد سنة 1950 بقصر البخاري بالمدية، واسمها الحقيقي سامية بن عامر. تُعد واحدة من أبرز الأسماء الأدبية الجزائرية المعاصرة. كتبت القصة والمسرح والرواية، وألّفت العديد من الأعمال الأدبية المتميزة، ونالت العديد من الجوائز الأدبية. وتفتخر مايسة باي بمسيرتها الحافلة والتي كُللت بالعديد من الجوائز خارج الوطن، إلا أنها تعتز بجائزتها لأفضل رواية باللغة الفرنسية في الجزائر الموسومة بـ "دم ورق ورماد"؛ لاعتزازها بالوطن الحبيب الجزائر.