المسرح الجهوي لعنابة "عز الدين مجوبي"

ذاكرة الجلفة تُحاور جوهرة الشرق

ذاكرة الجلفة تُحاور جوهرة الشرق
  • 191
سميرة عوام سميرة عوام

استقبل المسرح الجهوي لعنابة "عز الدين مجوبي"، مساء ثقافيًا استثنائيًا، تجلت فيه معالم الهوية الجلفاوية، من خلال مزج شعري وفكري، جسد روح الجنوب في أحضان الشرق الجزائري.

ألقى الشاعر داوي الطاهر على مسامع الحضور، قصائد من الشعر الشعبي، حملت نكهة السهوب، ورائحة الهضاب، ودفء العلاقات البدوية. تنقل بكلماته بين مشاهد يومية وتجليات وجدانية، واستحضر في أبياته إرث الأجداد، حيث بدت صوره الشعرية، كأنها مقتطفات من حكاية طويلة، تحفظها الرمال والرياح.

وعقِب اللحظة الشعرية، قدم الدكتور محمد زعيتري مداخلة ثقافية معمقة، حول التراث غير المادي لولاية الجلفة، استعرض فيها عناصر الهوية المحلية، من عادات وتقاليد وموروث شفوي متجذر، مسلطًا الضوء على خصوصية المنطقة في التعبير الثقافي، وموضحا دور التراث في رسم ملامح الانتماء والاستمرارية الثقافية.

توقف الدكتور عند أهمية الشعر الشعبي كأداة توثيق وتعبير، معتبرًا إياه مرآة حقيقية للواقع الاجتماعي، ووسيلة لنقل القيم والحكمة المتوارثة. كما دعا إلى تعزيز الدراسات الأكاديمية حول التراث المحلي، وتحويله إلى رافد تنموي وثقافي مستدام. وقد تميزت الأمسية بطابعها الهادئ والعميق، حيث التقى الشعر بالفكر، وتلاقت عنابة بالجلفة في لحظة من الإنصات المتبادل، والاعتراف بجمال التنوع الثقافي الجزائري.

في هذا السياق، احتضنت ساحة المسرح الجهوي، حفلاً فنيًا مميزا، أهدى الجمهور فسحة من الطرب النايلي الأصيل، ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي لولاية الجلفة، المنظم في إطار برنامج "صيفنا لمة وأمان". وجاء هذا السمر الفني ليعكس عمق الموروث الشعبي الجلفاوي، ويقرب الحضور من نغمات البدو الرحل، عبر أداء حي لمجموعة من الأصوات التي شكلت جزءا من الذاكرة الغنائية لمنطقة الوسط الجزائري.

وتألق في السهرة، عدد من فناني ولاية الجلفة، أبرزهم الفنان دهيليس عبد الرحمن، المعروف بلقب "المد الوالي"، الذي أطرب الجمهور بموالٍ نايلي شجي، رسم من خلاله صورًا من البداوة والحنين، وهو الفنان الذي اشتهر بتمسكه بالأسلوب التقليدي الأصيل لهذا النوع من الغناء. كما صعد إلى الخشبة، الفنان خبيزي لزهاري، الملقب بـ«زهير"، بصوته العذب وحضوره المتواضع، ليقدم مقاطع تعبر عن مشاعر الحب والوفاء، كما عرفتها المجتمعات الريفية.

أما الفنانة بن رمان مريم، المعروفة فنيًا باسم "الشابة ميرو"، فقد كسرت القاعدة النسوية في هذا الفن، الذي ظل طويلًا حكرًا على الرجال، حيث أدهشت الحضور بأداء متمكن لعدة مقاطع نائلية بنكهة حديثة، جمعت فيها بين الحفاظ على الإيقاع التراثي، وإدخال لمسات معاصرة. ولم تغب الأصالة عن أداء الفنان لخشن عبد المالك، الذي أطرب الجمهور بأسلوبه الهادئ والمتزن، مستعرضا مقاطع من التراث الشعبي المحلي تفاعل معها الحضور بشكل لافت.

وتميزت السهرة بجو حميمي، صنعه الجمهور الذي تنوع بين محبي التراث وفضولي الثقافة، في مشهد عكس قدرة الفنون التقليدية على العبور نحو كل القلوب. كما شهد الحفل حضور ممثلين عن قطاع الثقافة والفنون، إلى جانب أعضاء الوفد الثقافي لولاية الجلفة، الذين أكدوا في كلماتهم، أهمية هذه التبادلات الثقافية في تعزيز الوحدة الوطنية، والاعتزاز بالتنوع الثقافي الجزائري.

يُذكر أن الأسبوع الثقافي لولاية الجلفة بعنابة، يتواصل على مدار أيام متتالية، ويتضمن معارض للصناعات التقليدية، وعروضًا فلكلورية، ومداخلات فكرية حول التراث الشعبي، في إطار برنامج ثري، يجمع بين المتعة والمعرفة، تحت شعار: "صيفنا لمة وأمان".


تواصل أشغال ترميم موقع هيبون الأثري

استقبل موقع هيبون الأثري، مؤخرا، وفودا من عشاق التاريخ والآثار من مختلف ولايات الوطن، في زيارة لا تشبه سواها. وبين أروقة المسرح الروماني العريق، وصدى الحضارات الضاربة في القدم، وقف الزوار مبهورين أمام روعة الإرث الثقافي والتنوع الحضاري الذي تزخر به مدينة عنابة.

الزيارة لم تكن مجرد جولة سياحية، بل اقترنت بحدث ميداني هام، تمثل في مواصلة أشغال الترميم والصيانة الوقائية للمعالم الأثرية داخل الموقع، بإشراف مباشر من مديرية الثقافة، ومشاركة فاعلة من المصالح التقنية لبلدية عنابة. وقد خُصص جزء كبير من هذا التدخل، لرد الاعتبار للمسرح الروماني، أحد أبرز المعالم التي تختزل روح هيبون، وتجسد عراقتها في حضن المتوسط.

وتسعى الجهات المعنية، من خلال هذه الأشغال، إلى ضمان حماية مستدامة للمعالم، عبر تنظيف دقيق، وترميم هادئ يحترم خصوصية الحجارة القديمة، وتثبيت للمكونات التي قد تتأثر بعوامل التعرية الطبيعية أو الزمنية، دون المساس بجمالية الفن المعماري، الذي امتاز به الرومان في القرن الأول الميلادي.

في حديث لبعض الزوار، عبر العديد منهم عن انبهارهم بمدى عظمة الموقع، مستغربين من قلة الترويج الإعلامي له، رغم ما يحتويه من ثراء تاريخي ومعماري. أحدهم وصفه بـ«الكنز المدفون فوق الأرض"، بينما أكدت زائرة من ولاية المدية، أن زيارتها إلى هيبون غيرت نظرتها كليًا حول التراث الجزائري، وأعادت في قلبها الاعتزاز بجذورها الحضارية.

من جهتها، ثمنت الجمعيات الناشطة في المجال الثقافي هذا التدخل، واعتبرته خطوة هامة في مسار إعادة الاعتبار للمواقع الأثرية، داعية إلى مرافقة عمليات الترميم بحملات توعوية موجهة للأطفال والتلاميذ، حتى يتسنى زرع روح الانتماء الحضاري في الأجيال الصاعدة.

هيبون، التي كانت في يوم ما مدينة متوسطية مزدهرة تحت الحكم الروماني، ما تزال حتى اليوم تحكي قصتها، من خلال الأعمدة والصروح والمسرح المفتوح على زرقة البحر. واليوم، وهي تستقبل أبناء الوطن في ظل عملية صيانة دقيقة، تعيد تثبيت اسمها في الذاكرة الثقافية، لا كموقع أثري فقط، بل كرسالة مستمرة من الماضي إلى المستقبل.


ألعاب الخفة تُسحر جمهور عنابة

لحظات من الترفيه الذكي والمبهر

نظمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية عنابة، سهرة أول أمس، عرضا شيقا في فنون ألعاب الخفة، قدمه الفنان محمد صياد، في إطار تنشيط موسم الاصطياف، بإشراف مديرية الثقافة والفنون. احتضن الفعالية مركز الراحة العائلي بعين عشير، وسط حضور نوعي من العائلات والمصطافين الذين توافدوا لاكتشاف لحظات من الترفيه الذكي والمبهر.

العرض الذي دام قرابة الساعة، جمع بين مهارة الأداء، وخفة اليد، وروح الدعابة، حيث نجح الفنان محمد صياد في أسر أنظار الجمهور من مختلف الأعمار، خاصة الأطفال الذين تفاعلوا مع الحيل السحرية، والإيحاءات البصرية التي ميزت السهرة. وتنوعت الفقرات بين إخفاء الأجسام وتحريكها ذهنيا، بالإضافة إلى استخدام أدوات بسيطة، كأوراق اللعب والكرات والأوشحة، بطريقة جعلت الواقع يبدو مجرد خدعة في حضرة الخيال.

وقد عبر العديد من الحضور عن إعجابهم بمستوى العرض والتنظيم، مؤكدين أهمية إدراج هذا النوع من الفنون ضمن أجندة النشاطات الصيفية، لما تحمله من تجديد وتنوع في الخيارات الثقافية والترفيهية. كما اعتبر البعض أن مثل هذه الفعاليات، تساهم في إعادة الاعتبار لفن الخدع البصرية، وتقرب النشء من مفاهيم الإبداع والتركيز والذكاء، بعيدا عن الروتين اليومي أو الوسائط الرقمية.

من جهتها، أوضحت الجهات المنظمة، أن هذه التظاهرة تأتي ضمن سلسلة أنشطة مبرمجة طوال موسم الاصطياف، وتهدف إلى تفعيل الفضاءات العمومية، وتحويلها إلى منصات للفرح والمشاركة الثقافية. ويُنتظر أن يشهد مركز الراحة العائلي بعين عشير، في الأيام المقبلة، عروضا فنية وسينمائية وموسيقية متنوعة، تستقطب جمهورا أوسع، وتمنح الصيف العنابي طابعا نابضا بالحياة والتجدد.

يبقى عرض محمد صياد محطة متميزة ضمن هذه الديناميكية الصيفية، حيث نجح الفنان في أن يجمع بين البساطة والدهشة، بين المرح والإتقان، واضعا بصمته في ذاكرة صيف عنابة الثقافي، في أمسية ستبقى عالقة في الأذهان، وتفتح شهية الجمهور للمزيد من مفاجآت الفن والإبداع.