كتاب "غسق المكتبات"

دعوة لمواجهة الزحف الإلكتروني

دعوة لمواجهة الزحف الإلكتروني
  • القراءات: 498
ق. ث/ وكالات ق. ث/ وكالات

يعيش العالم اليوم عصره الرقمي الذي تغيّرت فيه جميع المعطيات في مختلف الميادين وليس أقلّها تأثّراً بهذه الثورة الرقمية، ميدان الثقافة بشكل عام وعالم الكتاب المطبوع الورقي بشكل خاص. وما يقال ويتردّد كثيرا حول ما يتم وضعه تحت عناوين متعدّدة تذهب جميعها في اتجاه القول إنّ عصر الكتاب الورقي يميل نحو "الأفول"، بينما يحتل الكتاب الرقمي أكثر فأكثر عالم الكتب والمكتبات. مثل هذا المشهد الجديد هو الذي يطلق عليه فيرجيل ستارك الذي أمضى أكثر من عشر سنوات من حياته بين رفوف الكتب كأحد الموظفين الأساسيين في المكتبة الوطنية الفرنسية، توصيف "غسق المكتبات"، كما جاء في عنوان كتابه الصادر قبل أسابيع قليلة وهو يعلن في هذا العمل من موقع العارف الخبير بالمجال، الذي يكتب فيه عن "غضبه" قبل أيّ شيء آخر. إنّ المؤلّف يعيد للذاكرة في البداية عمليات حرق الكتب الكبرى التي عرفها تاريخ الإنسانية وقامت بها جميع الحضارات، لأسباب تصبّ كلّها في اعتبار أنّ ما تحتويه تلك الكتب يجعلها تستحق الحرق، ثم يعلن أنّ المسار الحالي لتطوّر مكانة الكتاب الورقي يعادل تماما ما دفعه لكتابة أنّ "عملية الحرق الرمزي للكتب قد بدأت" في هذا العصر الرقمي. ومثلما كانت حرائق الماضي قد تركت وراءها ركاما من بقايا ما أنتجه الفكر الإنساني في مختلف العصور، يرى المؤلف أنّ "الليل يخيّم شيئا فشيئا على العقل"، وأنّ الثقافة هي في طريقها نحو "أفق شاحب"؛ ذلك أنّ المكتبات ذات الرفوف التي استقبلت موجات من الكتب وأثارت اهتمام أعداد لا متناهية من البشر، "تجرفها اليوم الموجة الرقمية". الرمز الأساس لهذا التحوّل الكبير يجده المؤلف في "الشاشات" التي غدا القسم الأكبر مما يتلقاه البشر من معلومات يمرّ عبرها، ولا يتردّد في أن يرى بذلك مؤشّرا على أنّ "حضارة المطبعة تنهار"، وأنّ "معبد المعرفة يتداعى"، وهو الذي كانت الكتب المطبوعة هي إحدى ركائزه الأساسية، و«لم يعد هناك حرّاس للكتاب"، بل تقنيّون يتعاملون مع "آلات". ويشير المؤلّف بأشكال مختلفة في الكتاب، إلى وجود فرق كبير بين أن يكون المرء "محاطا بأكوام الكتب" وبين أن يكون "مسمَّرا أمام شاشة". بهذه المعاني كلّها يتحدث فيرجيل ستارك عن "غسق المكتبات"، بل وما يعني في جوهر التحليلات التي يقدّمها أنّ هناك ميلا في الحقبة الرقمية الراهنة الزاحفة، حيث يراد "جعل كلّ شيء رقميا" نحو نوع من "القطيعة مع حضارة الكتاب" التي يعتبرها المؤلف بمثابة "حضارة إنسانية بامتياز". وعبر هذا المنظور لـ "القطيعة" يكتب أنّ "العالم الرقمي هو عدو قاتل للثقافة". ويقول المؤلف: "الكتاب الرقمي بسبب أنه لا يسمح بأكثر من رؤية الكلمات على شاشة، لا يمنح ذلك الإحساس بالتواجد مع أصدقاء الورق"، وإضافة أنه يكفي أن تتعطل الآلة، "الحاسوب وسواه"، كي تتعطّل القراءة بدون سابق إنذار. وفي النهاية يصوغ المؤلف ما يبدو بمثابة دعوة للمقاومة من قبل "المخلصين للقراءة من مختلف المشارب" في وجه "البربرية ذات الوجه الرقمي".