التراث المعماري القبائلي في مواجهة العصرنة
دعوة للتثمين والتأصيل
- 838
ق. ث
تعرض التراث المعماري القبائلي مع مر السنين، لتحولات وتأثيرات وتدهورات كثيرة، وظل يوصف بالمعمار المحلي والفلكلوري والشعبي، كونه ثمرة إنجاز الساكن نفسه، حيث يعتبر هذا الهيكل المعماري انعكاسا للهيكلة الاجتماعية والثقافية للقرية نفسها، يتعرض لتحول وقطيعة تامة، بسبب عدة تأثيرات وتدهورات.
بداية هذا التحول ـ حسب المختصين والخبراء- كان "مع رجوع أولى دفعات المهاجرين غداة الاستقلال"، حيث جاء هؤلاء المهاجرون الذين عاشوا في فرنسا وفي عدة مناطق من أوروبا، بنماذج معمارية استنسخوها في قراهم، مما أدى إلى "تحول كامل في التسلسل المكاني الهرمي للقرية، المبني على مفهوم عامي انطوائي، يوظف مواد بناء محلية متكيفة مع الوضعية الجغرافية المحلية، ومندمجة في تضاريسها". وكان هناك حرص على تحقيق اندماج نسبي، من خلال تكييف هذه النماذج المعمارية المستوردة مع البيئة المحلية، لكن تحسن الظروف الاجتماعية للسكان، وتوحيد النمط المعماري قضى على هذا المجهود.
كما ساهمت عوامل أخرى في هذا التحول المعماري، من بينها التبادلات الثقافية والنمو الاقتصادي والديموغرافي، وتعمير المناطق الريفية وغياب العقار، وهي كلها عوامل "أحدثت تطورا غير متناسق تماما". كما أن هناك الكثير من المواطنين من أضحى ينجز بنايات عالية، لأن العائلة تتوسع، ودفع بهم ضيق المساحة ونقص العقار إلى اللجوء للبنايات بالطوابق، لأغراض الربح، أي للاحتياجات الاقتصادية؛ إذ يلجأ العديد منهم إلى إدراج مساحات تجارية بالطوابق السفلى، غالبا لغرض استغلالها، مما أدى إلى تغير كلي في طبيعة الفضاء القروي. وقد ساهمت مثل هذه العوامل، إضافة إلى هجرة سكان القرى نحو العيش في المدن، لما توفره من فرص للعمل ووسائل ومرافق عيش أفضل في نظرهم، في "التخلي عن هذا التراث وتدهوره".
للإشارة، يرى المختصون ضرورة وضع التراث العمراني القبائلي تحت حماية القانون، للحفاظ عليه ورد الاعتبار له، بالنظر إلى ما يحتويه من "لمسات فنية غنية، تميزه بأشكال هندسية صنعت ببراعة، لتعكس واقعا اجتماعيا وثقافيا"، كما لا يكفي الإعلان عن التراث العمراني القبائلي، أنه تراث وطني محمي وفقط، لكن "من الواجب تجنيد كل الوسائل القانونية والمالية المؤسساتية الضرورية، من أجل الحفاظ عليه"، على أن يتم ترجمة هذا المسعى في مرحلة أولى بـ"تكييف وتحيين أدوات التعمير، من خلال الأخذ بعين الاعتبار، وإدماج مخططات الحفاظ على التراث، بما يسمح بتحديد توجيهات وتوصيات ترمي إلى الحفاظ على مورفولوجيا الوسط العمراني، مع ضرورة "ترقية مفهوم القرى السياحية الذي يجمع بين الترميم والحفاظ على هذه المواقع والنشاط الاقتصادي المربح، من خلال إعادة الاعتبار لهذه القرى، وإحداث نقطة التقاء ما بين التقاليد والعصرنة.