ندوة "الموروث الثقافي الجزائري في خزائن ومكتبات إفريقيا"

دعوة إلى التعجيل باسترجاع المخطوطات وصون الذاكرة الحضارية

دعوة إلى التعجيل باسترجاع المخطوطات وصون الذاكرة الحضارية
  • 154
د. م د. م

احتضنت قاعة المحاضرات الكبرى "آسيا جبار"، أوّل أمس الإثنين، ندوة علمية ضمن فعاليات الطبعة الثامنة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب، خُصّصت لموضوع "الموروث الثقافي الجزائري في الخزائن والمكتبات الإفريقية، من الكشف والجرد إلى الطباعة والنشر".

شارك في الندوة الأستاذان مبارك جعفري وعبد السلام كمون من جامعة أدرار، حيث قدّما عرضين موسّعين حول المسار التاريخي للمخطوط الجزائري، ورحلته من الجزائر إلى عمق القارة الإفريقية، وكيف تحوّل إلى جسر حضاري وروحي بين الشعوب.

وأوضح الدكتور طارق جعفري أنّ دراسة هذا الموروث هي وقوف عند أحد أقدم جسور التواصل بين الجزائر وإفريقيا، مؤكّدا أنّ الصحراء الكبرى لم تكن حاجزا أمام التفاعل الثقافي، بل ممرّا لعبور القوافل والعلماء الذين نقلوا المعارف والكتب والمخطوطات. وأشار إلى أعلام كبار أسهموا في ترسيخ هذا التواصل، من أمثال عبد الكريم المغيلي التلمساني، الذي أدخل الطريقة القادرية إلى إفريقيا، وأحمد التجاني مؤسس الطريقة التجانية، مبيّنا أنّ معظم المكتبات الإفريقية لا تخلو من آثار العلماء الجزائريين؛ مثل التلمساني، والمقري، والثعالبي، وعبد الرحمن الأخضري.

كما عدّد العوامل التي سهّلت انتقال المخطوط الجزائري إلى إفريقيا، منها رحلات الحج عبر طريق توات، حيث كان الحجاج ينسخون أو يشترون الكتب، إضافة إلى القوافل التجارية التي جمعت بين تجارة الذهب وتجارة المخطوطات، فضلًا عن تنقّل العلماء والمتصوفة، الذين نشروا الفكر والمعرفة في ربوع القارة.

ومن جهته، أكّد الدكتور عبد السلام كمون أنّ المخطوط يمثل شاهدا حيا على الحضارة الإنسانية، مشيرا إلى أنّ انتقال هذا التراث إلى إفريقيا كان بمثابة نعمة؛ لأنّه لو بقي في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، لكان مصيره الإتلاف والنهب، مثل ما حدث لأجزاء من الأرشيف العثماني الذي سُرق آنذاك.

ودعا كمون إلى تسريع عملية استرجاع هذا الموروث، وتقدير الجهد الإفريقي في حفظه وتوثيقه، مشددا على أنّ الوقت قد حان لتشكيل لجنة وطنية مختصة تُعنى بالفهرسة، والتحقيق، والطباعة، وتفعيل التعاون الثقافي والعلمي مع الدول الإفريقية لاستعادة هذا الرصيد الذي يحمل قيمة علمية ورمزية كبيرة، تمثّل أحد جذور الحضارة الجزائرية. واختتم المتدخلون بالتأكيد على أنّ الدبلوماسية الثقافية والروحية باتت أكثر تأثيرا من السياسية في تعزيز الروابط الإفريقية، وأنّ استرجاع المخطوطات ليس مجرد واجب علمي، بل ضرورة حضارية تحفظ الذاكرة، وتستعيد المكانة الفكرية للجزائر في إفريقيا.