"البراني" للمخرج يحيى مزاحم

دراما اجتماعية بوليسية ترصد صراع الخير والشر

دراما اجتماعية بوليسية ترصد صراع الخير والشر
  • القراءات: 821
دليلة مالك دليلة مالك

يطلّ على المشاهد الجزائري، خلال الموسم الدرامي الرمضاني لهذا العام، مسلسل "البراني" للمخرج يحيى مزاحم، الذي يظهر بعد أسبوع من العرض على قناة "الشروق"، مشابها إلى حدّ بعيد لمسلسله السابق "الدامة" الذي بُث في رمضان الماضي على قناة التلفزيون الجزائري العمومي، وحقّق نجاحا لافتا، وذلك ليس من حيث فريق الممثلين فقط، بل التشابه كائن في مضمون القصة.

من "الدامة" إلى البراني.. تشابه أو تواصل

المتتبّع للمسلسلين "الدامة" و"البراني"، سيلمس أوجه التشابه في الكثير من المشاهد، والتي ظهرت في الحلقتين الأولتين، إذ جعل المخرج يحيى مزاحم من البحر ديكورا طبيعيا لبداية رواية القصص، ويلحقها برفع صوت أذان الفجر في كلتا الحلقتين من المسلسل، كما أنّ اعتماده على تشكيلة أبطال مسلسل "البراني" هي تقريبا نفسها التي كانت في "الدامة"، بما في ذلك الأبطال، مع استقدامه لبعض الوجوه الفنية، لتعزّز الأداء ككلّ.

هذا الأمر يحيل المتفرّج إلى ربط العملين على أنّهما متواصلان، خاصة وأنّهما يعالجان الموضوع نفسه، وهو قضية كسب المال السهل بطرق ملتوية، يختلف الأمر فقط من زاوية المعالجة، وكذلك يفترق في نوع الجريمة، "الدامة" كان موضوعه تهريب الآثار والذهب، وفي "البراني" تناول تجارة الكوكايين والمهلوسات، ضمن شبكة إجرامية كبيرة.

جنيريك بدلالات

يقترح فريق مسلسل "البراني" جنيريك مختلفا، يقدّم الممثلين وأبطال العمل وهم غارقون في البحر، ضمن قراءة سيميولوجية واضحة، لها علاقة بمغزى القصة، فالعمل يتحدّث عن عائلة "قلعي" التي تركت حارتها القديمة الشعبية، بعد أن تغيّرت حياتها من الناحية المادية إلى الأحسن، كان وراءها الابنان "سيد أحمد" (خالد بن عيسى)، و"عمار" (مصطفى لعريبي)، إذ يعملان في صفقات مشبوهة، بيع وترويج المخدرات والحبوب المهلوسة.  

قصة المسلسل.. حكايات متقاطعة من الحياة

يتناول العمل، الذي تقاسم كتابته يحيى مزاحم ويسرى مولوة والمصري أحمد عزت، حياة الأغنياء الجدد، ويَنْقُدُها من خلال الأب "لخضر" (بوعلام بناني)، الذي يرفض الانتقال إلى الفيلا الفارهة، والعيش مع عائلته، إنه يرفض كلّ مال أو أكل أو هدية تأتي من زوجته، وأولاده، ويخبرهم صراحة أنّه لا يأخذ من الحرام، ويحاول "عمار" (مصطفى لعريبي) في كلّ مرة أن يكسب رضاه، ولو كذبا عليه بإعطائه مصحفا ومسبحة، ويقوم والده في كلّ مرة بتذكيره وتذكير أمه "مليكة" (عايدة عبابسة)، بفناء الدنيا، ولا بدّ من الاستعداد للآخرة ولقاء الله بقلب سليم.

يصوّر المسلسل منذ البداية تواطؤ الأخوين "سيدو (سيد أحمد) و"عمار" في أعمال تهريب كبيرة، سرعان ما يظهر بينهما خلاف، فـ"عمار" يريد بلع سوق المخدرات وحده، بينما يخبره "سيد أحمد" بالتريث وعدم فتح حرب عليهم.

يتحلى "سيد أحمد" بخصلة الهدوء في التعامل، لكنه ليس بالسهل مجاراته، لذلك أصبح له أعداء كثر، يهدّدون حياته وحياة أسرته الصغيرة، بينما يظهر "عمار" بشخصية مافياوية وأكثر عنفا، بينما الأخ الأصغر "محمد" (عبد الكريم دراجي) يتّسم بالتهوّر والمغامرة غير المعروف نتائجها، فسلوكه جعله سببا في وفاة شابة، طالبة جامعية، جراء تعاطيها للكوكايين بجرعة زائدة، ليجد نفسه في حالة لااستقرار نفسي، انعكست على عمله في معرض للسيارات يديره، وخلقت له مشكلة كبيرة مع أحد الزبائن الشرسين.

من جهة ثانية، يقوم ضابط شرطة يدعى "فاتح" (حميد كريم) بتتبّع أثر أعمال الأخوين قلعي، ويحاول أن يمسك رأس خيط هذه العصابة، فهو شرطي ملتزم بعمله وشغوف به لدرجة كبيرة، الأمر الذي جعله يسهو وينتقص من واجباته الأسرية، إذ نجد "راضية" (مينة لشطر) تعكس معاناة زوجة رجل الأمن، التي تحلم بقضاء يوم معه في البيت، أو الخروج مع بعض ولو لقضاء حاجات المنزل.

وتتجلى قصة "إدريس" (أحمد مداح) أيضا، الذي يعمل عند "سيد أحمد" كرجله الأوّل، سائقه ومعينه في كلّ حركاته، ومنفّذا لكلّ أوامره، لكنه يوحي، على استحياء، بعدم رغبته في مواصلة هذا العمل، والأكثر من ذلك فهو على علاقة حبّ مع "فاطيمة" (أمينة دحمان، المعروفة باسم يامنة) وهي أخت "سيد أحمد"، وتشتغل أستاذة في الجامعة.

من جهة أخرى، يعرّج المسلسل على شخصية "الزّش" (محمد بوشايب)، الذي يعيش ظروفا اجتماعية صعبة، بسبب ضغوط عائلته، بأفرادها العديدة، ويعدّ "الزش" اليد اليمنى لـ"عمار" ويلبيه في كلّ أمر.

واقعية المخرج يحيى مزاحم

تبنى المخرج يحيى مزاحم في سرد مسلسل "البراني" فكرة الواقعية، لما جسّد بعض التفاصيل السلبية الموجودة في المجتمع، وقد انتقدها الكثير من المتابعين، على أساس أنّها تروّج لأفكار خطيرة، من شأنها أن تؤذي الناس، وهذا الانتقاد حصل له العام الماضي في مسلسله "الدامة"، لكنّ في الأخير لاق عمله النجاح.

بالنسبة للمخرج، تلك هي طريقته الدرامية في معالجة الآفات الاجتماعية، وفي مسلسله الجديد يوضّح ذلك، من خلال نماذج لشخصيات تأذّت من استهلاك المخدرات مثلا، ما يشكّل توعية للناس، وليس ترويجا له، ولعلّ الحوار المتّزن الذي عكف على تحريره يعكس ذلك، فهي مستمدة من الشارع الجزائري، ومن الأسرة الجزائرية أيضا، وتحمل الكثير من العمق والدلالات.

كما أنّ الإيقاع الذي تسير عليه أطوار القصة مقبول إلى حدّ ما، مع التوجّس أن يقع في الخطأ نفسه لما أخرج "الدامة"، وقام بتسريع الأحداث في الحلقات الأخيرة، ويُنتظر منه في الحلقات القادمة، رفع جرعة التشويق، والحركة، خاصة وأنّ العمل من نوع الدراما الاجتماعية البوليسية.

مصطفى لعريبي.. دور واحد في أكثر من مسلسل

لا يختلف اثنان بخصوص موهبة الممثل مصطفى لعريبي، الذي يشارك في الموسم الرمضاني الحالي في مسلسلين، "البراني" و"حداش حداش"، في دورين متطابقين، الرجل الشرير، ويقود شبكة لترويج وبيع المخدرات، وإذ يظهر بأداء مماثل في العملين، ومماثل أيضا في أدائه في مسلسل "الدامة" الذي عُرض العام الماضي.

وهو ما يجعله في حالة تكرار لنفسه أو لشخصيته الدرامية، حتى أنّ المتفرّج تختلف عليه القصص بينما يظهر في كلّ مسلسل بتلك الصفات التي تتّسم بها شخصيته، حتى وإن برع لعريبي في أدائه، لكن من الضروري أن ينوّع الممثل في أدواره خاصة من الناحية المهنية، ومن ناحية إرضاء أكبر قدر ممكن لأذواق المشاهدين.

ظهور درامي لافت لـ"يامنة" و"طيموشة"

ظهرت الممثلتان الفكاهيتان أمينة دحمان المعروفة باسم "يامنة"، ومينة لشطر التي اشتهرت في السلسلة الساخرة "طيموشة" في مسلسل "البراني" بأداء لافت، ومميّز، وأبانتا عن موهبة عالية في الدراما كما في الكوميديا، وحقيقة صنعت مشاركتهما في هذا العمل مفاجأة كبيرة وسط المشاهدين، وقبولا في التلقي.

عبد الكريم دراجي يؤكّد علو كعبه

برهن من جهته، الممثل الواعد عبد الكريم دراجي علو كعبه، فبعد النجاح الذي حقّقه، العام الماضي، في مسلسل "الدامة"، يعيد نجاحه اليوم من خلال مسلسل "البراني"، ويبدو أنّ المخرج يحيى مزاحم راض عن اختياره في أوّل مرة، فمنحة الفرصة الثانية ليفجّر طاقاته في التمثيل.