تحسبا لتصنيفها تراثا إنسانيا غير مادي

دراسة ملف موسيقى الراي في ديسمبر 2022

دراسة ملف موسيقى الراي في ديسمبر 2022
  • 1370
ق. ث ق. ث

ستعكف منظمة "اليونيسكو" على دراسة ملف موسيقى الراي الذي أودع على مستواها لأول مرة سنة 2016 في شهر ديسمبر القادم؛ تحسبا لإعداد قائمتها لتصنيف التراث الإنساني اللامادي، حسبما أعلن مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسانفي هذا السياق، أوضح السيد خربوش فريد في تصريح سابق لوأج، قائلا إن "اليونيسكو بصدد دراسة الملف حاليا. ولن يكون هناك مشروع قرار قبل شهري سبتمبر أو أكتوبر، لعرضه على اللجنة الحكومية المشتركة لحماية التراث الثقافي غير المادي، تحسبا لدراسته خلال الدورة السنوية القادمة في ديسمبر 2022"، مضيفا أن الملف سيدرَس في هذا التاريخ إلا في حال سحب الجزائر الملف لإعطاء الأولوية لملف آخر، مذكرا "بالتحفظات التقنية" المعبر عنها من طرف لجنة الخبراء خلال الإيداع الأولي للمشروع سنة 2016.

لا لُبس في جذور الراي "الجزائرية"

قال السيد خربوش: "كانت هناك تحفظات بحجة وجوب إثراء الملف باقتراح إجراءات لحماية هذا التراث، وهو ما فعلته الجزائر". وتابع: "يجب أن نفهم أنه حين يصنف بلد ما أي عنصر، فإنه يعبّر عن إرادته في حمايته". وبالتطرق لجذور هذا الطابع الموسيقي، أكد السيد خربوش أن "الراي ليس جزائريا فقط، بل هو مرتبط بالغرب الجزائري"، مذكرا بالبيئة "الريفية" التي وُلد فيها إلى غاية مطلع القرن العشرين، حيث انتقل هذا الفن إلى المدن بعد النزوح الريفي الذي فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة آنذاك؛ ما أدى إلى ظهور شيوخ هذا الطابع الموسيقي في ضواحي المدن.  أما بخصوص محاولات الاستيلاء على الراي، فقال السيد خربوش: "يحدث هذا في كل مكان؛ لأن أي طابع موسيقي يدرّ الأموال، تسارع الدول لتبنّيه".

من جهته، أكد السيد عبد القادر بن دعماش مدير وكالة الإشعاع الثقافي، أنه "لا يوجد أي لبس بخصوص جذور الراي الجزائرية. هذا الفن الذي وُلد في الأوساط الريفية غرب الوطن. لكن هذا لم يمنع المغرب من محاولة الاستيلاء عليه عن طريق تنظيم مهرجانات الراي، ودعوة المغنين الجزائريين لإحيائها، لا سيما المشاهير منهم". وذكّر بن دعماش بأعمدة هذا الفن، الذي عرف العديد من الأصوات النسوية، على غرار "خير قنديل"، و"فاطمة الخادم"، و"فطيمة الغليزانية"، و"زازا المعسكرية"، وكذا "الشيخة الجنية"، و"الشيخة حبيبة العباسية"، و"الشيخة الريمتي" المنحدرة من ولاية بلعباس، التي صدحت بصوتها في سماء أغنية الراي، منذ سنة 1952، لتكون بذلك سفيرة لهذا الطابعوأضاف المتحدث أن هذه الولاية فضلا عن تيارت وغليزان ومستغانم، تشكل "المربع الأصلي للراي"، موضحا أن خلال الاحتلال الفرنسي، حاول المستعمرون استغلال هذا النوع  الموسيقي لإلهاء الجزائريين عن وضعية الاضطهاد التي كانوا يعيشونها. ويقول الباحث في الشعر والأدب البدوي: "على عكس تونس والمغرب اللتين كانتا تحت الحماية الفرنسية، فإن فرنسا استعمرت الجزائر للبقاء بها نهائيا، ولهذا كانت تسعى إلى محو كل ما يميز هوية وتاريخ وثقافة الشعب الجزائري".

اكتساح الساحة الموسيقية العالمية

إذا كان الراي شهد عصرنة بعد استقلال البلد، لاسيما بفضل الأخوين رشيد وفتحي بابا وكذا مسعود بلمو، إلا أنه انتشر على أوسع نطاق مع ظهور المهرجان الذي خُصص له في عام 1985، قبل أن يكتسح الساحة الموسيقية العالمية، من خلال "شباب" وشابات"، لا سيما الشاب خالد "ملك الراي"، والشاب مامي "أمير" الراي، حسبما صرح بذلك السيد بن دعماش. وقال عالم الآثار والمؤرخ عبد الرحمن خليفة، إنه لا شك في "جزائرية" الراي، مشيرا إلى أن هذا التراث "نشأ منذ أمد بعيد في الغرب الجزائري"، ومذكرا بأن الشاب خالد والشاب مامي والشيخة الرميتي والشيخ حمادة والصغير بوطيبة والشابة الزهوانية وغيرهم من الأصوات، "رفعوا عاليا ألوان الراي المنتشر في الجزائر". واستنادا إلى أرشيف الصحافة الوطنية لسنوات السبعينيات والثمانينيات، أكد الباحث في التراث غير المادي عبد الحميد بورايو، أن هذا النوع الموسيقي الذي نشأ في الغرب الجزائري بالوسط البدوي، اتسم، آنذاك، بطابعه الاحتجاجي؛ ما جعله "تعبيرا ثقافيا يتعارض مع الخطاب الرسمي"، وهذا ما يفسر حضوره القوي لدى فئة الشباب خارج الأطر ووسائل الإعلام الرسمية الأخرى، على غرار حفلات الزفاف والفضاءات الترفيهية (الحانات والملاهي)، يضيف الأستاذ الجامعي، الذي أبى إلا أن يكرم زميله الحاج ملياني الذي توفي في جويلية الماضي، على أبحاثه التي تشكل "مرجعا" في هذا المجال.

وفي العقود الماضية، انتقل الراي إلى الجانب الآخر من الحدود الغربية، لا سيما بفضل تطوره داخل الجالية المغاربية المقيمة في الخارج، وبفضل الاهتمام الذي أثارته هذه الموسيقى في محيط الأعمال"، يضيف المتحدث، مشيرا إلى أن المغاربيين يستقرون غالبا في نفس الفضاءات في أوروبا، ويتقاسمون عادات وممارسات ثقافية مشتركة أو مماثلةوفي رده على سؤاله بخصوص "المعركة" حول أبوّة الراي، قال المغني وعازف القيتارة ومؤلف أغاني "راينا راي"، لطفي عطار، إن "المغرب يزعم بأنه صاحب هذا الطابع الموسيقي، كما يتبنى عناصر أخرى من تراثنا"، مذكرا بشهرة فرقته خلال سنوات الثمانينيات؛ حيث إن أغانيها كانت تُسمع بدون انقطاع عند الجيران بالغرب.