"الأمازيغية وسؤال الانتماء" للدكتور محمد أرزقي فراد

دحض للمقاربات الكولونيالية وفضح للمواقف المشبوهة

دحض للمقاربات الكولونيالية وفضح للمواقف المشبوهة
  • القراءات: 1119
مريم. ن مريم. ن

تفرض الحتمية التاريخية على الأجيال، ترقية الأمازيغية باعتبارها هوية تشكّلت عبر القرون، وما مسألة الانحطاط والتطور إلا واقع مرتبط بالعقول، فاللغة تشيب أو تشب وفق حال أهلها، وترسيم الأمازيغية قرارا جريئا يحول دون صراع الهويات وتصادمها وينقل إلى مرحلة أسمى، هي مرحلة التعايش بين مختلف الهويات.. هي بعض الأطروحات التي تضمنها كتاب "الأمازيغية وسؤال الانتماء" للدكتور فراد، الصادر مؤخرا والذي يدعو فيه إلى إحياء الأمازيغية في إطار تكاملي مع المكوّن الثقافي العربي الإسلامي الذي ارتبطت فيه عبر العصور. أشار المؤلف إلى أنه بعد إدراج الأمازيغية لغة وطنية، لم يعد النقاش يتمحور حول الاعتراف بها، بل تجاوزه لينصب حول محور آخر لا يقل أهمية، وهو تبيان معالم سياسة ترقية اللغة الأمازيغية وتطويرها مستقبلا، ويتساءل قائلا؛ "هل سيتم بعث الأمازيغية في إطارها الصحيح وهو فضاء الحضارة العربية الإسلامية الذي عاشت فيه ظله لقرون طويلة، حتى صار العنصران الإسلامي والعربي مكوّنين أساسيين في الهوية الأمازيغية؟ أم سيتم توجيه ترقيتها وتطويرها في إطار الأبجدية اللاتينية باسم الحداثة"؟

وهنا يجيب مباشرة؛ "الباحثون النزهاء اعترفوا بأنّ الأمازيغية استمرت في الحياة وسايرت التاريخ ليس فقط بفضل تراثها الثقافي الذاتي القوي، بل أيضا بفضل تأثرها بالإسلام واقتراضها من العربية، حتى صارت المثاقفة بينهما متينة إلى درجة التداخل، فوجدت الأمازيغية في هذا الفضاء الجديد مجالا حيويا للإبداع". وقد أعطى المؤلف بالمناسبة نماذج من أعمال أمير شعراء الأمازيغية محند أومحند (متوفى سنة 1906) والتي لم تخل من البعد الروحي الإسلامي واعتماد الحروف العربية، ليس فقط كوسيلة للكتابة، بل كعنصر من عناصر القصيدة، وفي نفس الوقت ومن باب الإنصاف، اعترف المؤلف بالفضل لأصحاب المقاربة التي تعمل على ترقية هذه اللغة بالحروف اللاتينية وبنضالهم من أجل أن تسترجع الأمازيغية مكانتها في المجتمع، فاستماتوا في الدفاع عنها وعانوا الويلات وصنعوا الربيع الأمازيغي، غير أن هذا الدور النضالي الرائد ـ حسبه- الذي يستحق التقدير، لا يبرر لأصحابه إقحام الأمازيغية في المسار التغريبي وانفرادهم بتقرير مصيرها دون إشراك غيرهم في وضع تصورات خاصة بترقيتها وتطورها.

يرى المؤلف أن تداعيات فصل الأمازيغية عن أصولها الشرقية قد تؤدي على المدى المتوسط ـ إن استمر الحال على ما هو عليه- إلى انكماش تدريسها عبر ولايات الوطن وإلى انحسارها في منطقة القبائل فقط، الأمر الذي سيؤدي إلى التمركز حول اللسان القبائلي كبديل للأمازيغية الجامعة، ولا شك أن هذا الاحتمال الخطير الذي يلوح في الأفق سيصب بطريقة أو بأخرى في خدمة الحركة السياسية الانعزالية الناشطة في منطقة القبائل. استعرض الكتاب أيضا الجهود الرامية لتعليم الأمازيغية في إطار وعاء الثقافة الإسلامية، كتجربة ترجمة معاني القرآن من طرف الأستاذ سي حاج محند- محند طيب، وترجمة سيرة الرسول الأعظم إلى الأمازيغية من طرف بوعلام جوهري، إضافة لمقال عن منطقة بني مصرا ذات اللسان الأمازيغي بالأطلس البليدي. تضمن الكتاب بعض المواقف الإيجابية التي تبناها المثقفون الجزائريون من اللغة الأمازيغية، منهم الراحل الطاهر وطار الذي ساندها في وقت مبكر، مما جلب له بعض المضايقات وكذلك الحال مع أمين الزاوي والراحل أبو القاسم سعد الله الذي نادى بتأسيس أكاديمية للتراث الأمازيغي المغاربي. هناك أيضا وقفات مع هؤلاء الذين خدموا التراث الأمازيغي، منهم المبدع "موحيا" صاحب الريادة في ترجمة الأدب العالمي للأمازيغية، وكذا الباحثة الفرنسية كاميل لاكوست دي جردان التي تخصصت في ثقافة منطقة الزواوة (القبائل)، على الرغم من أن هذه الأخيرة تعاطفت مع ذهنية النعزالية المتنامية.

وفي الكتاب أيضا عدد من الحوارات التي أجريت للكاتب، منها النصر والقادسية والشروق عبر أزمنة مختلفة، وهي لا تخل من الفائدة العلمية، أما قسم الملاحق فخصص لـ«الكلمات" التي وقعها المؤلف ببعض المؤلفات ذات الصلة بالأمازيغية، بطلب من أصحابها وغيرها من المواضيع الأخرى. يحذر الكاتب فراد من المقاربة الإيديولوجية التي تسير باتجاه التغريب على حساب الجانب المعرفي العلمي وثقافة المأسسة (منها تأسيس أكاديمية ومجمع لغوي ومؤسسات ثقافية) التي تمكن من ما تبقى من رصيد لغوي، وهو يرى أن هذه السياسة الخرقاء جعلت المواطن يتحفظ إزاء المصالحة مع لغة أجداده، خاصة وهو يرى أن الأمازيغية تحولت على يد البعض إلى مجرد "قميص عثمان" للحفاظ على ريادة اللغة الفرنسية في الجزائر. أعطى الكاتب نماذج من ضمور اللسان الأمازيغي، حيث ضاعت الكثير من المصطلحات والكلمات وغابت الأمثال الشعبية عن الخطاب اليومي،  لكنه في نفس الوقت قام باستحضار الكثير من هذا الميراث اللغوي والثقافي، مع نشر بعض الأمثال والحكم في شعر الحاج أسعيذ أوزفون،  مع الترجمة.

توقف المؤلف أيضا عند بعض الكتب الهامة الخاصة بالمسألة الأمازيغية،  من ذلك كتاب "القبائل الأمازيغية أدوارها ومواطنها وأعيانها" لبوزياني الدراجي، وهو أهم ما كتب منذ الثلاثينات، أي حين ظهر كتابين تاريخيين هامين عن تاريخ الأجداد الأمازيغ ويتعلق الأمر بـ«تاريخ الجزائر في القديم والحديث" لمبارك الميلي و«كتاب الجزائر" لتوفيق المدني، إذ أحييا ماضي الجزائر العريق في عز النضال السياسي والحركة الإصلاحية، علما أن كتاب بوزياني أدرج هذين الكتابين لأهميتهما، بالتالي يعتبر كتاب بوزياني صرحا تاريخيا لابد من الاطلاع عليه، خاصة من حيث مقاربته الوطنية، وهو نعش للكتابة التاريخية الكولونيالية الخادمة للمشروع الاستعماري، بالتالي فإن هذا الكتاب يشكل في نظر الدكتور فراد، بداية نهاية احتكار المدرسة الفرنسية للذاكرة التاريخية، والذي زادها تفاقما، عزوف المعربين عن دراستها، بالتالي عاثت فيها الأقلام الكولونيالية مسخا وتشويها. للإشارة، كتاب "الأمازيغية وسؤال الانتماء" هو مجموعة من المقالات والحوارات الخاصة بالأمازيغية، كتبها الدكتور فراد المعروف باهتمامه الواسع بالثقافة الأمازيغية، طرح فيه أفكاره بمقاربة علمية هدفها إبراز العلاقة التاريخية بين الثقافتين الإسلامية والعربية، وقد جمع هذه المقالات في هذا الكتاب برغبة من القراء لما فيها من فائدة علمية. كما أنها تصب في مجرى ترقية الأمازيغية، وما زاد في أهمية الكتاب أنه صدر مع ترسيم الأمازيغية بموجب تعديل الدستور سنة 2016، مما ساهم في تعزيز النقاش الدائر بين الجزائريين بمختلف توجهاتهم الثقافية.