الدكتور محمد عتبي لـ«المساء»:

خذلنا ديننا ولدينا أزمة ضمير واستقامة باطنية

خذلنا ديننا ولدينا أزمة ضمير واستقامة باطنية
  • القراءات: 549
❊❊حاورته: لطيفة داريب ❊❊ ❊❊حاورته: لطيفة داريب ❊❊

التقت «المساء» بالدكتور محمد عتبي، مدير دار نشر المكتبة الفلسفية الصوفية، على هامش مشاركته في الطبعة الأخيرة من الصالون الدولي للكتاب، وطرحت عليه عدة أسئلة حول داره وتخصصها، ومواضيع متعلقة بالاجتهاد في تفسير القرآن وغيرها، فكان هذا الحوار.

هل لك أن تعرّف بدار نشرك؟

❊❊ أنا الدكتور عتبي محمد، مكلف بالمجموعات في دار نشر المكتبة الفلسفية الصوفية، التي بدأت نشاطها الفعلي عام 2014، حيث تم إصدار كتاب لي في الجمال وكتاب للسيد عبد الباقي مفتاح والمنظومة الرحمانية، ثم أصدرنا سنة 2015 مجموعة من الكتب أعقبتها مجموعة أخرى في السنة الموالية. أما هذه السنة، فلم ننشر الكثير، وهكذا قمنا بنشر 18 عنوانا منذ بداياتنا، فنحن نعمل ببطء لأننا مرتبطون بالإمكانيات البشرية ذات الكفاءة، وهي ليست كثيرة.

هل شهدتم إقبالا على هذا النوع من الكتب في الصالون الدولي للكتاب؟

❊❊ هي مشاركتنا الثالثة في الصالون الدولي للكتاب، وشهدنا إقبالا وفرحة لوجود مثل هذه الدار بهذا التخصص. يمكنني أن أؤكد الدهشة الإيجابية للكثير من الجزائريين الذين زاروا فضاءنا، حيث شكرونا وشجعونا، نعم هناك إقبال على الكتب التي نصدرها سواء في الصالون أو في المكتبات الجادة في العاصمة وفي غيرها.

لماذا ربطت بين الفلسفة والتصوّف في تسمية الدار؟

❊❊ أولا، لدينا أزمة ضمير واستقامة باطنية قبل أن تكون ظاهرية، نحن نعاني من أزمة أخلاقية، وهي أيضا أزمة عقلية، أزمة تفكير سليم، أزمة حضور العقل وليس تغييبه، فهذه الحوصلة الثنائية جعلتنا نسمي الدار بهذه الطريقة.

هناك أيضا التفاتة إلى دار نشر فرنسية اسمها «المكتبة الفلسفية فران»، كنت أحبها، وهي التي نشر فيها الشيخ بوعمران رسالته حول الحرية عند المعتزلة. كما أملك بعض الكتب التي تصدرها هذه الدار، ومنذ القديم وأنا أحب هذه التسمية، إضافة إلى أن تأسيس دار النشر يتطلب وجود كتبي صاحب مكتبة له مطبعة، كما يهتم أيضا بالنشر، وهو ما حصل.

في المقابل، ننتمي إلى مدرسة صوفية، وهناك توجد الفلسفة الإسلامية من خلال أولئك الذين توارثوا الفلسفة الإسلامية الأفلاطونية الجديدة أو سيماوية وانتهوا إلى التنقيح مع التصوف والعرفان والخلوة والذكر.. إلى غيرها، يعني منتهى الفلسفة الإسلامية هو الوصول إلى التجربة الروحية مع التكوين العقلي الفلسفي الرصين، لهذا جدلية العقل شيء والعرفان الصوفي شيء ومصدره رباني إلهي، أي ما وراء العقل وسببه العمل الباطني والتعبد والتقرب إلى الله،  وهو ما يسمى بالعلم اللدني، أو العلم المباشر من الله الذي ليس له مثل في العقول الدنيوية.

هل يمكن أن يتعارض التصوف مع بعض تفاسير القرآن؟

❊❊ لا يمكن أن يتعارض التصوف مع تفاسير القرآن. في التفسير الصوفي هناك ما يسمى بالتفسير الإشاري، لأن معنى الكلمة تدل دلالة على شيء من ناحية اللغة العربية، بالتالي من الضروري أن يكون المفسّر ملما باللغة العربية  وكل علوم اللغة. كما أن هناك ما يسمى بالدلالة وهذا لا يخرج عن النص، وهناك ما يعنى بما يستوحى من الآية وليس من دلالتها، لأن دلالة الكلمة تدل على كذا، لكن مثلا عندما نتكلم في موضوع هذا يقربنا إلى موضوع ويشير إلى آخر، وهو ما يسمى بالتفسير الإشاري.

كما يقال، للقرآن ظاهر وباطن إلى سبعة أبطن، وهناك جانب إشاري، في حين هناك من المفسرين الروحانيين المتصوفة من يعتمد فقط على الدلالة، وفي الدلالة هناك جوانب روحانية وما يسمى بالحقيقة والشريعة، النص الشرعي وباطن الشرع. كما أن هناك من يعنى بالإشارة ومن اللغويين والمختصين في اللسانيات من يعرفون هذا الأمر، والكثير من الناس يستعملون المغالطة للتنديد بهذا التفسير الإشاري وليس هو تحميل النص ما لا يحتمله، كما أنه ليس كل التفاسير الصوفية إشارية، فهناك تفاسير دلالية، يعني من نص الكتاب.

لهذا نأخذ من المفسرين ابتداء من السلف الصالح، يعني كبار الأولياء والعلماء وأكابر الطبقات من الصحابة والتابعين التابعين، وهؤلاء الأمة مجمعة على تعظيمهم والأخذ منهم. أما الشواذ فقد ظهروا في القرن الثامن مع ابن تيمية. صحيح كان هناك اختلاف النظر، لكن ليس مثل الضلال الذي نعيشه، هؤلاء طغوا علينا، حجّروا عقول الناس، لوّثوا المدرسة الجزائرية، ونتائج الأفكار الضالة رأيناها في العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر، حيث لم تسلم أية فئة من المجتمع، فمن لا يقبل بفكرهم يقتل شر ميتة، من أين أتى كل هذا الضلال؟ لهذا أنادي كل العقلاء في الجزائر سواء كانوا مواطنين أو حكاما، إلى الانتباه لما نغرسه الآن في أولادنا، غدا سيخرج الغيلان، مثلما حدث في الماضي، لقد كفرّوا الصالحين، وما بقي إذن بعد هذا؟ بقي أهل الخبث والنفاق والشقاق، لقد ذبحوا الأمة، أقولها ونحن أبناء المجاهدين والأبطال، لم نسكت عن الحق، أقولها بصفة سلمية من خلال نشر الكتب والدفاع عن المحبة والتسامح.

يعني الخطاب الضلالي ما زال يجد ضالته إلى اليوم؟

❊❊ نعم إلى حد الآن، مثلا قال أستاذ اللغة العربية لابنتي التي تدرس في الطور الثانوي، إن الأموات لا يسمعون وهو مخالف للروايات الصحيحة والعقيدة الأشعرية والسلفية وغيرها، إلا عقيدتهم الوهابية التي لا أصل لها، والتي أعتبرها جهلا في جهل، فلا تملك مدرسة بشيوخها وأصولها العقلية والنقلية.

لكن إذا كانت لا تتوفر على أسس المذاهب الأخرى، مثل المدرسة، كيف انتشرت؟

❊❊ انتصرت بالخذلان لأننا خذلنا ديننا، انتصرت بالمال الطائل والمخابرات العدائية، وبفعل الناس الذين من ديارنا دخلوا مذهبهم وتركوا عقولهم وتجرؤوا على رموز الأمة، تجرؤوا على الله بتشبيهه بالمخلوق، وتجرؤا على الرسول بجعله فقط ساعي بريد، وتجرؤوا على علماء الأمة. فالعالم في الدين لا يخشى النقد فقط يطلب الاحترام، وأن ينتقده عالم مثله، حتى في مدرسة الفقه المالكي، هناك انتقاد شديد بين العلماء لكن يحترمون بعضهم ويتحابون، ففي كلّ مذاهب الإسلام، حتى العقائدية، مثل الشعائرية، هناك بعض المسائل لا يوجد هناك إجماع عليها، نعم هناك تناقض فكري، لكن هناك احترام.

ومنه جاء هؤلاء نزعوا الحرمة والاحترام والأهرمية، فأصبح أي واحد جاهل يمكن له أن يتجرأ على الكبار، وهنا أتوقف لأقول؛ إنني لا أنادي بتحجير العقل والتوقف عند أفكار أجدادنا، بل بالتخصص في جانب معين من الدين الذي يجب أن يرتبط أيضا بالتربية، ففي الأزهر من يدرس جيدا ولا يحترم الكبار والعلماء، لا تقدم له الإجازة، لأن الرسول قال «إن هذا العلم دين، فلينظر أحدكم ممن يأخذ دينه»، فمن يحترم والديه أولا، ثم العلماء، يمكن أن يكون من دعاة الدين.

هل يمكن أن يكون اجتهاد في تفسير القرآن؟

❊❊ القرآن مضبوط رواية، والقرآن عندما كان يدرس قبل ظهور هذه الآفة في الزوايا، خاصة في بعض القرى النائية، حيث كان المريدون يأخذون القرآن بعلومه، أي بعلوم القراءات التي لها علاقة بعلوم اللغة وأصول اللغة العربية وقراءات اللغة العربية، كانوا يأخذونها بالسند إلى رسول الله، من ذلك الشيخ إلى شيخه وشيخه وهكذا، ويقرؤون القراءات كلها، ورش وحفص وحتى التي لا نعرفها والتي ليست متداولة، لأن هناك بعض القراءات تخص آيات معينة ولا تعنى بكل القرآن، باعتبار أن لغة قريش متعددة وعندها أوجه داخلة، وهو ما يشكل الإعجاز القرآني.

فالقرآن مثل كل العلوم تأخذ بالسند، كلها، فقه حديث، إلخ، فالناس يقولون «رويت عن فلان، أجازني عن فلان، قرأت عن فلان، عن فلان، عن فلان، عن فلان» إلى أن نصل إلى مولانا الرسول. فسلسلة الأخذ هذه مقدّسة ومنهجية، لذلك كانوا لا يعطون الإجازة لمن لا يحترم الكبير، والقرآن العظيم لا تنتهي عجائبه، ومن يغوص في العلم اللدني والتربية والتقوى يعلم ذلك أكثر من غيره.

إذا كان للقرآن تفاسير عديدة، فأين هي الحقيقة؟

❊❊ الحقيقة في الاجتهاد، والحقيقة كل واحد فينا يجب عليه أن يعتمد على إمام مسجده الذي يصلي فيه، وكوننا تهاونا في تكوين الأئمة تكوينا كاملا من الناحية العلمية والتربية الروحانية والروحية، فقد تهاونا في ديننا، فهل يجب علي أن أقرأ كل التفاسير لأتحقق من الحقيقة وأقارن؟ لا، كفاني أن أعرف من الدين ما هو ضروري وبيّن وظاهر، والباقي أذهب إلى شيخي في المسجد وأسأله، وهنا أتوقف لأقول، وأنا فقيه بعدم جواز الفتاوى في الجرائد والتلفزيون، وهي حرام، لأن الفتوى تكون بين المرء وشيخه، مباشرة، فالمفتي يستطيع أن يجيز لك بعض الأشياء المحرمة والمكروهة تفاديا لأشياء أكثر خطورة أو حفظا لك، وتبقى هذه الفتوى لك ولا تجوز لغيرك، كما أنّ الفقيه يعيش معك، أي في المنطقة التي تقطن بها، ويعرف عائلتك، لهذا فهو الأقدر على الإجابة في المسائل الروحية.

أما الإجابة عن سؤال؛ كيف نحيط بالقرآن؟ أقول إن الإحاطة هي الله ولرسوله، وقد تكون لبعض العلماء، كما أن هناك أشياء حقيقة لا تواتي كل الناس، وقد قال ابن هريرة أن هناك علم علّمه الرسول له، لا يمكن له أن يبثه وإلا لقُطع بلعومه، كما قال الرسول «خاطبوا الناس على قدر عقولهم»، فالناس درجات، خاصة في الحقائق الغيبية، وهي حقائق تخص ما وراء العقول، فلا تقاس بالأمور الدنيوية.

ماهو رأيك في رغبة مراجعة «صحيح البخاري»؟

❊❊ هو كتاب وضعه عالم من علماء الإسلام ولا يحق لأحد أن يمس منه حرفا، وقد حرف من طرف البعض مثل كتاب «المسند» لأحمد بن حنبل، الذي عرف نفس المصير وحذفت منه عشرات الأحاديث، لأنها لا توافق مذهبهم وكأن مذهبهم أسبق من روايات الرسول.

نحن نأخذ مذهبنا من القرآن والسنة وليس لدينا مذهب، ثم نخضع القرآن والسنة لمذهبنا، والبخاري رجل وضع كتابا لا يحق للإنسان أن يمسه، لأن له حقا معنويا، كما أنه يروى بالسند. هل تعرفين أن المغاربة يأخذون عنا؟ فنحن مضرب مثل في علم الحديث وكان شيخ شيخي، علي بوديلمي، من أكبر علماء الحديث، كما تضم منطقة المغرب الكبير علماء حديث مهمين، وأبرزهم الشيخ الغماري من طنجة. وعلماؤنا يأخذون من البخاري، ولا يحق لواحد أن يمسه، وهذا الأمر متروك للعلماء المجتهدين الذين يملكون أدوات الاجتهاد، فالدين متروك للعلماء، وللدين أهله، وأطالب بإعطاء الحرية للعلماء كي يقوموا بواجبهم.

❊❊حاورته: لطيفة داريب ❊❊