الأستاذ أحمد بن زليخة ضيف "ميديا بوك"

حَكايا من زمن التراث المتوسطيّ

حَكايا من زمن التراث المتوسطيّ
الأستاذ أحمد بن زليخة ضيف "ميديا بوك"
  • القراءات: 1560
❊مريم. ن ❊مريم. ن

استضاف موعد "ميديا بوك" الأسبوعي أول أمس، الباحث والمفكر أحمد بن زليخة، ليقدم روايته "إلياس" المعجونة بثقافات ومعتقدات وتاريخ حوض المتوسط، الذي كان دوما مهد الحضارات والثقافات. واعتمد الكاتب في روايته البحر كفضاء، رمزا للتبادل والتواصل والتسامح، عبر أسفار خاض فيها أمام الحضور المشكَّل من النخبة.

هي رواية بن زليخة السادسة، الصادرة عن دار القصبة للنشر والتوزيع، يستحضر فيها ما ولّى من أحداث غابرة، ويعطيها قراءة تلائم الراهن، ويبحث من خلالها عن الرموز التي ظلت صالحة لكل زمان ومكان، مترسخة في ذاكرة الشعوب، لا تطالها يد النسيان وهمجية الحضارة المادية التي غالبا ما تقزّم القيم، وبالتالي يحاول الكاتب في رحلته، البحث عن قناع الحقيقة الضائع؛ من خلال سفر بطل الرواية إلياس على متن سفينة تجارية تشق البحر الأبيض المتوسط، فيواجه الصعاب، ويتعرف على أناس مختلفين، فيكتسب تجارب حياة جديدة.

ويَعدّ الكاتب روايته بمثابة إلياذة جديدة؛ "أوديسة" تعكس جوانب عديدة من التاريخ المشترك بين ضفتي المتوسط، وبين الشرق والغرب عموما، لكن الرحلة تبدأ من الجنوب؛ أي من الشمال الإفريقي نحو الشمال؛ عكس ما قدمه هوميروس الشاعر الملحمي الإغريقي. كما وظف التراث الديني الإسلامي ليعطي بعدا حضاريا وإنسانيا آخر للنص، خاصة من خلال سورة الكهف، الغنية بالأسفار والألغاز والأسرار، والبحث الدائم فيها عن الحقيقة.

هي رحلة لاكتشاف الذات ومد جسور نحو الآخر، كما قال بن زليخة. ومن ثمة يسافر رفقة البطل "إلياس"، إلى عوالم غابرة، علما أن البطل كان منهكا جسديا وفكريا، لا يقوى على المغامرة، ولا يحل ولا يربط؛ لذلك يخصص الكاتب حيزا معتبرا لعرض حالة هذا البطل القادم من الجنوب، لعل ذلك يشفع له عند القراء، فيتفهم حالته وقرار رحيله الذي لا رجعة فيه؛ فهو يحاول أن يرى بأي ثمن، الضفة الأخرى وما فيها.

وأشار الكاتب بن زليخة خلال هذا اللقاء، إلى أن الرواية تحمل قيمة اللانهاية بعوامل مثيرة وببطولة غير مطلقة، وبسفر غير عادي مستوحى من الأسفار القديمة ومن الثقافات المختلفة، مع الاحتفاظ بقيمة المعنى والرمزية ابتداء من سفر الإسراء والمعراج في الثقافة الإسلامية، ومن سورة الكهف التي فضلت فيها مجموعة من الشباب السفر بعيدا عن المجتمع وناموا قرونا، وصولا إلى سفر سيدنا موسى، والتقائه بسيدنا الخضر، وسفر ذي القرنين، وكلها أسفار خالدة، تعطي قيما إنسانية جامعة.

وبالمقابل؛ أي في الثقافة الغربية هناك الأوديسة، وهي منسوبة إلى هومروس، وتُعد ركنا رئيسا للأدب الغربي الحديث؛ فهي ثاني أقدم عمل أدبي أنتجته الحضارة الغربية، وهي تعني الرحلة الملحمية. واستغل الكتاب كل ذلك التراث الإنساني في روايته.

كما تم استغلال صورة "سكلوب" الخيالية؛ أي المخلوق ذو العين الواحدة؛ كرمز للتحجر والتعصب وضيق النظرة والأفق، الذي يؤدي إلى اللاتسامح مع الآخر.

ويواصل الكاتب حديثه عن بطل روايته المنهك الذي يواجه في سفره قوى الشر، منها مارك كارت الذي هو رمز للثقافة الضيقة، ليدخل البطل مدينة الأطلال الراسخة على شاطئ البحر، ويكتشف هناك أسرار الحياة، ثم يكتشف معها قناع الحقيقة، الذي يبحث عنه أيضا مارك وقوى الشر في صراع أزلي، علما أن الكاتب أكد أن المعركة لم تكن مواجهة، بل معركة رمزية.

وفتح بعدها باب المناقشة مع جمهور نخبوي ساهم بتدخلاته في إثراء اللقاء، حيث تم التطرق للأسفار الإفريقية، منها رحلات ابن خلدون ذات البعدين المتوسطي والعالمي، وغيرها من الرحلات. وأكد الكاتب أن العودة إلى الماضي تهدف إلى قراءة الحاضر، وفتح حوار ديني متسامح، واستحضار الذاكرة المشتركة للشعوب التي من شأنها أن توحّد العالم. ورغم أن الكتاب يحمل قيما دينية إلا أن القارئ غير المتدين يمكنه الاستمتاع به في مناحي المغامرة والحركة وكشف أسرار التراث المتوسطي. كما تحدّث الكاتب عن تعلقه الدائم  بالبحر الذي هو جزء من طفولته.