الدكتورتان بن بوستة وآيت سعيد تحاضران بتيبازة

حماية المخطوط ضرورة والاستنجاد بالفقارة حتمية

حماية المخطوط ضرورة والاستنجاد بالفقارة حتمية
  • القراءات: 664
لطيفة داريب لطيفة داريب

أكدت  الدكتورة نعيمة بن بوستة حاجتنا للنهل من تراثنا، ممثلة بنظام الفقارة الذي تتميز به مناطق الجنوب الغربي من الجزائر، بينما تطرقت الدكتورة نبيلة آيت سعيد، لوسائل حفظ وترميم المخطوطات الجزائرية، كان هذا أول أمس بالمدرسة الوطنية لحفظ الممتلكات الثقافية وترميمها بتيبازة.

عرّفت الدكتورة نبيلة آيت سعيد المخطوطات، بأنها كل ما يُكتب باليد، مضيفة أن الجزائر تملك عددا هائلا منها. كما تمثل تراثا ماديا وعضويا مهمّا، يجب الحفاظ عليه. وتابعت أن المخطوط يتشكل من ورق وجلد، وبالتالي المحافظة عليه تتأتى بالعناية بهاتين المادتين، علما أن الورق المستعمل في المخطوط يُصنع إما من لحاء الخشب، أو ببابيروس الذي استُعمل سابقا من الفراعنة. أما عن اللواصق التي تُستخدم فهناك النشاء، والصمغ العربي.

المخطوط... أحد رموز الهوية الجزائرية

أشارت المتحدثة إلى منع هارون الرشيد استعمال الرق (بارشومان) المصنوع من الجلد الرقيق للغزال والماعز، في المراسلات الرسمية؛ نظرا لتعرض كتاباته للمحو، ومن ثم للتزوير، ليطالب باستعمال الورق.

أما عن الحبر المستعمل في المخطوطات فينقسم، بدوره، إلى الحبر الكربوني، والحبر الحديدي، في حين يُستخرج اللون الأحمر من دودة القز. وذكرت الدكتورة في مداخلتها العوامل التي تؤدي إلى تلف المخطوط، وهي العوامل الطبيعية والبيولوجية؛ مثل الفيضانات، والزلازل، والحرائق، وحتى الرطوبة، والمواد الحمضية، والحرارة، والحشرات، ومن بينها الحشرة الفضية، التي يطلق عليها اسم "دودة الكتب"، والقوارض، والفطريات غيرها. وهناك العوامل الكيميائية - تضيف آيت سعيد - مثل الغازات المنبعثة من المصانع، والتي تترسب على المخطوطات، علاوة على العوامل البشرية؛ مثل طي صفحة من صفحات المخطوط، أو الأكل والشرب بقربه؛ ما يشكل خطرا على سلامته.  وتطرقت للطرق التي تمكّننا من الحفاظ على المخطوط؛ مثل التحكم في الرطوبة التي تؤدي إلى التعفن؛ من خلال استعمال مزيل الرطوبة، بالإضافة إلى اختيار مصابيح خاصة بقاعات عرض هذه التحف، وخفّتها، وحتى إطفائها حينما لا يكون هناك زوار، علاوة على تغيير أمكنة المخطوطات المعروضة حتى لا تتعرض للتلف.  أما عن المخطوطات التي تضم رسومات فمن الضروري وضع ورقة معالجة بين كل رسمة وأخرى؛ للحفاظ عليها. وتناولت نبيلة آيت سعيد بعض التقنيات المرتبطة بترميم المخطوطات. وأكدت أن في حال هجوم الحشرات على المخطوط مثلا، يمكن القضاء على كل أشكال الحياة باستعمال مواد كيميائية كالآزوت. أما إذا كان المخطوط في حالة متقدمة جدا من التعفن، فيمكن وضع المخطوط في كيس مخصص، وإغلاقه بإحكام لقطع الأكسجين عن الحشرات الطفيلية.

الفقارة.. إرث فريد من نوعه

ومن جانبها، تطرقت الدكتورة نعيمة بن بوستة لخصائص الفقارة في الجزائر، وهذا بعد أن نوّهت بهذا النظام العادل في توزيع المياه، والذي يعود إلى وقت سحيق. وهكذا قالت إن هذا النظام التقليدي موجود في كل مكان، تقريبا في جميع أنحاء العالم، لكن نمط المشاركة كما هو مستخدم من خلال الفقارة لا سيما في مناطق توات والقرارة وتيديكلت، موجود، فقط، في الجزائر. وتابعت المتحدثة: "يمكن أن تضم الفقارة ما يقرب من 500 إلى 600 بئر. كما يصل عمقها من 3 إلى 4 أمتار. ويجب ألا تقل المسافة بين فقارة وأخرى عن 200 متر، وتسمى بـ"نفاد. كما إن الفقارة عبارة عن رواق تحت الأرض، يصرف من خلاله منسوب المياه عن طريق الجاذبية باتجاه القصور وبساتين النخيل". وتابعت مجددا: "الفقارة هي ملكية جماعية، يشبه مبدأ عملها شركة مساهمة؛ إذ كلما كان الاستثمار أكثر أهمية كلما زاد عدد حصص الماء أو ما يسمى بـ "الحبة"، علما أن صيانة الفقارة عمل متعب، ويتم تحت رقابة "كيال الماء"، الذي يتدخل في العمليات اليدوية والفكرية للفقارة؛ حيث يحدد نسب المياه باستخدام أداة قياس تقليدية مصنّعة محليا". كما ذكرت بن بوستة استناد تشغيل نظام تقاسم الماء، على القواعد الاجتماعية للأجداد التي تدعم العلاقات بين المجتمعات، خاصة أن الماء يمثل العنصر الأساس لبساتين النخيل والقصور في هذه المناطق التي تتهاطل فيها المياه إلا نادرا. واعتبرت أن تعدد المشاكل القانونية في إدارة ووراثة بيع أو حتى إيجار حصص المياه، أدى إلى إنشاء نظام شديد التعقد. وقد زادت من حدته المشاكل الاجتماعية وحتى السياسية في هذه المناطق، علاوة على صعوبة صيانة الفقارة، ونقل معارف استغلالها، مما ضاعف حجم المشاكل المتعلقة بها.

وذكرت الدكتورة أن هذا النظام العتيق لتقاسم الماء هو رمز من رموز هوية الصحراويين، وتحديدا ولاية أدرار. ويتكون من معرفة ودراية وطقوس، تحتوي على العديد من عناصر التراث غير المادي، وتهتم بإدارة الموارد البيئية الطبيعية لاستغلال رشيد لندرة المياه، لتوصي بحماية الفقارة، خاصة في ظل غياب جيل يحمل مشعل القدامى. وأضافت أن العودة إلى التراث الثقافي التقليدي المرتبط بتقسيم حصص الماء والذي يعود إلى آلاف السنين، ضرورة لحل مشاكل الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية.

كما أكدت الدكتورة بن بوستة اهتمام منظمة الأمم المتحدة واليونسكو والمنظمات غير الحكومية المتخصصة، بمثل هذا التراث، لا سيما في إطار تحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات، وكذا السيطرة على العوامل التقنية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بالحصول على المياه، واستخدامها بالشكل الجيد.