المخرج علي فاتح عيادي لـ"المساء":

حلمي تأسيس مركز وطني للأفلام والوثائقيات

حلمي تأسيس مركز وطني للأفلام والوثائقيات
المخرج علي فاتح عيادي
  • القراءات: 551
حاورته: مريم . ن حاورته: مريم . ن

ارتبط اسم المخرج الكبير علي فاتح عيادي بالأفلام الوثائقية التي تتناول التاريخ الوطني خاصة منه تاريخ الثورة التحريرية، واستطاع تقديم روائع تدعم بها الأرشيف الوطني، ولا يزال يبحث ويجمع المادة التاريخية ويدافع عن الذاكرة في كلّ المحافل الدولية خاصة منها الفرنسية، التقته "المساء" على هامش مهرجان الجزائر الدولي للسينما ليحدّثها عن تجربته الممتدة لعقود. 

ارتبط اسمك بالأفلام الوثائقية التاريخية، فهل كان ذلك نتيجة تكوينك؟

تكويني الأكاديمي كان في الأفلام الدرامية الروائية الطويلة، لكنّني اخترت وبدون ندم الفيلم الوثائقي والسبب كان بعد اقتناعي بأنّ الفيلم الطويل مكلف ويتطلّب الكثير من الإمكانيات والأموال الضخمة التي ينبغي الالتزام بها وعدم التحايل، لأنّ أيّ تقصير سينعكس على قيمة الفيلم، فمثلا أنا عندما أخرج فيلما روائيا طويلا أفرض كلّ متطلّبات الفيلم المادية ولا أتنازل عن ذلك وهذا غير وارد دائما لذلك انسحبت واتّجهت للوثائقي، وهنا أوضح مثلا أنّني عندما أخرج فيلما عن الثورة لابدّ من إحضار أو شراء طائرة حربية فرنسية تماما كالتي كانت تقصف الجزائريين وقراهم ولا تروقني طائرة أخرى وهذا تثبيتا للتاريخ ومصداقية للعرض وطبعا مثل هذه الامكانيات لا يمكن لأيّ كان أن يوفّرها عندنا سوى الدولة.

السبب الآخر الذي دفعني للفيلم الوثائقي هو انتمائي العائلي والاجتماعي، فأنا ابن مدينة سطيف الشهيدة التي عاشت مجازر 8 ماي 1945، وكانت عائلتي قبل هذا التاريخ وبعده مناضلة من أجل القضية الوطنية، وفي أحداث ماي استشهد 80 فردا من عائلة عيادي بعضهم سقط على بعد 12 كم من سطيف، وكلّ ذلك ترسّخ في وجداني كطفل ثم شاب ولم أستطع أن أحيد عنه وجسّدت ذلك التاريخ المؤلم من مدينتي ومن وطني الجزائر في 14 فيلما وثائقيا عن مجازر 8 ماي 45 لوحدها، علما أنه في كل مرة أواصل البحث واكتشف الجديد الذي أسجّله في أفلام أخرى وعن نفس المجازر.

هل تتذكّر أوّل عمل لك؟

طبعا كان في سنة 1989 وكان عن مجازر 8 ماي 45 جمعت فيه شهادات حية ومهمة منها شهادة العيد بوراس الذي اشترى السلاح من الخارج وأدخله لسطيف، وشهادات أخرى عن مقتل 103 أوروبي، وجاء أيضا أنّ العيد شراقة كان أوّل من رفع العلم الوطني في المظاهرات وليس بوزيد سعال هذا الأخير الذي استشهد والعلم في يده وغيرها من الشهادات، وقبل هذا الفيلم وبالضبط سنة 1973 شاركت في بعض الوثائقيات عن تاريخ الجزائر وعن الطبيعة في الأوراس وجرجرة والقالة، كما أنجزت فيلما عن المهاجرين بعنوان مائة سنة هجرة.

هل تعتمد في أفلامك على النصوص التاريخية أو الأرشيف المصور أم على الشهادات؟

اللقطات الأرشيفية مهمة أكيد، لكنّني كمخرج وباحث عن الحقيقة التاريخية، أعتمد على الشهادات الحية لمن عاشوا الحدث أو كانوا فاعلين فيه، فهذا أهمّ عندي من أيّ نصّ محضر لأنّه لا يرقى للشهادة الحية، لكنّني أشترط على كلّ من أسجّل معه من هؤلاء الفاعلين والشاهدين أن يحكي عن تجربته هو كما عاشها باللحظة وأتقزّز من كلمة كنا فالدقة مطلوبة وكلّ واحد يحكي عن حاله هو وباسمه.

كنت تعتبر سوء استعمال الصورة الأرشيفية بالكذبة، فكيف ذلك؟

من يسيء استعمال مادة أرشيفية منها الصورة مثلا في غير موضعها، فذلك كذبة وكلّما عادت الكذبة وعادت وترسّخت تصبح للأسف حقيقة، كمن يكذب إلى أن يصدّق كذبته، وهنا أعطيك مثالا حيا نشاهده في كلّ مرة، فالصورة الأرشيفية التي نراها على التلفزيون يقوم فيها عسكر فرنسيون بقتل جزائريين بالرصاص قرب الخيمة تتكرّر كلّ 8 ماي إلى أن تمّ التصديق بأنّها من تلك المجازر، وحتى بعض القنوات العربية الكبرى تعرض ذلك تأثّرا بنا، في حين أنّ الصورة خاصة بمجازر الشمال القسنطيني سنة 1955 التي ارتقى فيها 7 آلاف شهيد، حسب الاحصائيات الفرنسية الرسمية، كذلك الحال مع صورة أرشيفية أخرى خاصة بمظاهرة مناضلي التيار اليساري الفرنسي بباريس احتجاجا على جرائم لو واس وتقدّم على أنّها مظاهرات 17 أكتوبر 1961، ما يوضّح أنّ استغلال الأرشيف خاصة من الإعلاميين غير مضبوط ولا يخضع للمراقبة والفحص والاطلاع على المرجع والمصدر وهذا كلّه تشويه وتزييف لتاريخنا.

هل ترى أنّ السينما تلقى الاهتمام اللازم عندنا؟

لا بدّ من أن يكون وجود السينما في بلادنا ضروريا فهي ليست لعبة ولا ترفيها، خاصة عند ارتباطها بالتاريخ والذاكرة، والفيلم الخيالي ضروري في هذا المنحى، لأنّه سيكون بعد 50 سنة مادة أرشيفية ولو من جانب اللباس والتقاليد واللغة، ليكون مرجعا للأجيال وللباحثين، وهذا طبعا لا بدّ أن يكون برعاية إرادة سياسية واعية بكلّ هذا، كما يجب دوما إعطاء هذا المجال من الفن لأهله المختصين والاستعانة بالخبراء والمؤرّخين كي لا نقع في الرواية الفرنسية الاستعمارية، كما حدث في بعض الأحيان حين تمّ تصوير بداية الثورة بقتل المعلم الفرنسي ما يؤكّد الدعاية الاستعمارية المزيّفة.

قابلت العديد من الشخصيات التاريخية، فماذا عن لقاءاتك مع رؤوس كبيرة ومن "لو واس"؟

صحيح قابلت شخصيات من الحركة الوطنية ومن رموز في الثورة التحريرية وأعطيت لكلّ حق حقه من ذلك الراحل مصالي الحاج ودوره في النضال، رغم أنّني طحت عليه حيال موقفه من المجموعة التي استشارته لإطلاق شرارة الثورة، حاورت أيضا  مسؤولين بارزين في منظمة "لو واس" لتسجيل شهاداتهم ومواقفهم وفي نفس الوقت حاورت الفرنسيين الداعمين للثورة ولفرنسا القيم والمبادئ منهم جونسون مثلا، وطبعا في كلّ ذلك أنا أخدم بلادي وأدافع عنها، تماما كما يدافع الفرنسيون عن "حقيقتهم" وبلادهم.

ما هو الحلم الذي تتمنى أن يتحقّق؟

حلمي وحلم الكثيرين معي أن يتم إنشاء مركز وطني للأرشيف السينمائي والسمعي بصري، وأوّلها الأفلام المموّلة من طرف الدولة فذلك شيء مهم، وأتذكّر هنا مبادرة الراحل عبده بن زيان بالتلفزيون الجزائري عندما جمع الأفلام لأرشفتها وحفظها بالسينماتيك.