مكتبة ”ناجي ميغا بوك ستور” بحسين داي

حلم يتحقق وخطوة نحو تأصيل الثقافة في المجتمع

حلم يتحقق وخطوة نحو تأصيل الثقافة في المجتمع
  • القراءات: 1138
مريم. ن مريم. ن

تشهد مكتبة ناجي ميغا بوك ستور بحسين داي، منذ الساعات الأولى من الصباح، توافدا كبيرا للجمهور المتعطش لهذه الفضاءات التي كادت تختفي من محيطه، فمنذ افتتاحها في 3 أكتوبر الجاري، لم تهدأ حركة الزوار في مشهد يحاكي ما يستقطبه المعرض الدولي للكتاب.. زارت المساء المكتبة ورصدت جانبا من محتوياتها الثمينة، وتحدثت مع القائمين على شؤونها، حيث بدوا متفائلين بما هو آت من نشاطات ثقافية وفنية تلوح بوادرها منذ لحظة الافتتاح، مع ضمان التواصل اليومي مع الجمهور لتلبية رغباته وطلباته.

كانت الساعة تشير إلى التاسعة والربع صباحا، حين اصطف الزوار أمام مدخل المكتبة، لكن أعوان الأمن الداخلي طلبوا الالتزام بالمواعيد، حيث تعمل المكتبة من العاشرة صباحا إلى السادسة مساء، ورغم ذلك، لم يغادر أحد مكانه إلى غاية لحظة الدخول، حيث توجه كل واحد إلى مقصده (لا يتعدى الداخلون في الدفعة الواحدة الـ40 شخصا)، مع التزام الجميع بتعليمات السلامة والوقاية، أولها ارتداء الكمامة، فلا دخول بدونها، كما أن دخول الأطفال دون سن الـ16 سنة ممنوع منعا باتا.

3 طوابق شاسعة برائحة الورق والكتب

تقع مكتبة ناجي ميغا بوك ستور، وهي أكبر مكتبة في الجزائر، بحي عميروش في حسين داي، وهو حي شعبي عريق يقدر الثقافة ومنخرط في النشاط الجمعوي والرياضي منذ زمن، كما ساعد هذا الموقع القريب من محطة الميترو من التنقل إلى المكتبة، ويتوقع القائمون على هذه المكتبة الكبيرة أن يتضاعف عدد الزوار، مع استئناف عمل الميترو في الفاتح نوفمبر، ومع الدخول المدرسي أيضا.

تتنوع فئات الجمهور الوافد إلى المكتبة بين الشباب، أغلبهم من الطلبة، وبين الكهول والسيدات وغيرهم، ليجد هؤلاء أنفسهم يتنقلون بين الطوابق الثلاثة الشاسعة بحرية مطلقة، متنسمين رائحة الورق والكتب التي افتقدوها هذه السنة، بعد أن غابت عنهم طبعة سيلا 2020، تماما كما غابت عدة فضاءات للكتاب في حسين داي، وفي غيرها من مناطق العاصمة.

في الطابق الأرضي، تصطف الرفوف في شكل متناسق وجذاب، حيث تمتد سلاسل الأطلس ذات الـ1600 دينار جزائري حتى 3600 دينار، وهي كتب علمية على شكل موسوعات في شتى العلوم (الحيوان، النبات، المعادن، الطبيعة، الأحياء وغيرها)، وأخرى خاصة بتاريخ الجزائر وتاريخ العالم منه التاريخ القديم، وفي نفس المضمون، تطل السكلوبيديات منها؛ ذاكرة القرن و«حرب السحرة 1940-1945” و«أزهار أوروبا، لتتوالى بعدها المعاجم، أغلبها المدرسية، في اللغات العربية والفرنسية والإسبانية والألمانية، وهناك أخرى باللغة الصينية، ويتراوح ثمنها من 250 دينارا إلى 4700 دينار، بما فيها المعاجم العلمية، كمعاجم المصطلحات القانونية.

كما تجلب موسوعات فئة الناشئة الزوار، برونقها وطبعاتها الفاخرة في شتى العلوم والفنون والمعارف، لكن ثمنها لا يقل عن 1600دينار.

ابتكار جديد والأولوية للجزائري

على غير عادة المعارض، حيث تقدم كتب الطبخ بطرق كلاسيكية، حاولت هذه المكتبة تخصيص جناح ضخم لكتاب الطبخ، ليس فقط كمنتوج تجاري بسيط، لكن أيضا ضمن موسوعات وكتب علمية خاصة بأساليب الطبخ، والطبخ المتعلق بالطب والعلوم، والطبخ كتراث وطني وعالمي وكتب وصفات الحمية للمرضى، وكتب الطبخ للصغار وغيرها، الأمر الذي أثار إعجاب الزوار ووجدوا فيه ابتكارا جديدا.

كالعادة، فإن الكتاب الديني كان له نصيب كبير من الحضور، لكن بشكل مختلف عما كان في السابق، حيث أعطيت الأولوية للكتاب الديني الجزائري بكل أبعاده، من تراث وتصوف وتاريخ إسلامي ومذهب إباضي، إضافة إلى كتب دينية أخرى مستوردة، خاصة بتاريخ الصحابة وبعض مسائل الفقه.

حضرت أيضا كتب السياسة والمال والأعمال والعولمة والقانون وكتب المهارات والثقافة العامة والموسوعات النفسية وعلم الاجتماع، وموسوعات العلماء والإعلام والدعاية والإخراج السينمائي والإشهار وعالم الشغل والسياسة الدولية، والثقافة العامة والطب البديل والصحة وغيرها كثير.

كما حضر الأدب بكل ثقله، من خلال العديد من الدراسات النقدية، وكذا تاريخ الشعر العربي في مراحله المتعاقبة، كما كانت السيادة المطلقة للرواية، خاصة منها العربية والفرنسية ومنها الكلاسيكيات، مع تشكيلة رائعة من الروايات الأكثر مبيعا في العالم العربي، علما أنه تم جلب أعمال روائيين مطلوبين من الجمهور الجزائري، منهم أدهم شرقاوي وأحمد خيري العمري وأحمد خالد مصطفى، وأحمد عبد اللطيف، وأيمن العتوم، وحنان فارس، وحنان لاشين، وعمرو عبد الحميد، ومنى سلامة ويوسف الدموكي ومحمود ماهر.

في الطابق الثالث، ازدحمت الروايات والكتب الأدبية، وحتى بعض كتب الثقافة العامة وكتب الناشئة ومجلات وقصص الشريط المرسوم فيبدا باللغتين العربية والفرنسية، ومنها المستوردة، وهي لا تقل عن 400 دينار فما فوق، أما كتب الأطفال، فهي ساحرة حالمة وملونة وفي شتى المجالات، منها الحكايات، لكن ثمنها ليس في متناول الجميع، أما الكتاب شبه المدرسي، فقصده الأولياء ليواجهوا به المناهج المقررة على أبنائهم، لكن سجل نقص بالنسبة لبعض المستويات التعليمية، منها الأولى ثانوي وبعض سنوات الابتدائي، وهنا أشارت إحدى المعلمات محدثة المساء، إلى أن محتويات هذه الكتب جيدة، وهي مطلوبة حتى من الأساتذة، لذلك نفذت، لكن المشرفين على الأروقة، قالوا إن دفعات جديدة ستصل، في المقابل، توجه الأولياء إلى رفوف الأدوات المدرسية لاقتناء حاجيات أبنائهم قبل الدخول المدرسي.

القادم آت بمفاجآته الرائعة

التقت المساء في مكتبة ناجي ميغا بوك ستور بالأستاذ رضوان لمسيوي، الناطق الرسمي باسم مجموعة العزة للنشر بوهران، والعضو في طاقم تسيير المكتبة، حيث أكد أن هذا الفضاء هو للثقافة قبل أن يكون مكانا للبيع، مثمنا ارتباط الجزائري بالكتاب، فهو ليس كما يشاع عنه، أنه لا يقرأ، بل الحقيقة أنه أحيانا ليس له القدرة الشرائية لاقتناء الكتاب، ثم إنه يعرف ما يختار ومقتنع بأن الكتاب الورقي لا تعوضه التكنولوجيا الإلكترونية.

من جهة أخرى، ثمن المتحدث دور الوسائط الإلكترونية في الترويج للكتاب الورقي، علما أن أكبر الكتاب اليوم يطبعون بعض أعمالهم إلكترونيا، أو ما يسمى إشهارا إلكترونيا، لتباع فيما بعد النسخ الورقية، مما ساهم في ميلاد دور نشر جديدة، وهو ما يعرف بـ«نيو واي، وظهرت في هذا المجال عدة شركات عربية رائدة.

قال الأستاذ رضوان لمسيوي تحمل المكتبة اسم صاحب المؤسسة ناجي، لكن الإسم أيضا رمز للنجاة من واقع لا وجود فيه للفكر والثقافة، ثم أسهب في الحديث عن ثقافة الطفل قارئ المستقبل، مقترحا إعادة إحياء أقسام المطالعة المدرسية بحجم ساعي مدروس، علما أن غيابها انعكس على مردود الطلبة في الجامعة وعلى مستوى البحث العلمي.

بالنسبة للكتاب الديني، أشار المتحدث إلى أنه يتم اختيار الكتب نفس المرجعية الدينية الوسطية، علما أن دور نشر مشرقية، منها دار ابن حزم و«دار الكتب العلمية، أصبحت اليوم تبحث عن محققين جزائريين بمرجعية سنية وسطية، لتصبح الجزائر بذلك مرجعا هاما في هذا الشأن.

اشتكت بعض الشابات الزائرات للمعرض، التقتهن المساء، من غلاء بعض الكتب، وعلى رأسها الروايات، خاصة العالمية منها، وبدورها نقلت المساء ذلك للمعني، فأجاب بأن الأسعار متفاوتة ومتنوعة، وأن مبدأ المكتبة لا للقرصنة، فرواية ما قد تباع في السوق بـ1000 دينار، وهي في المكتبة بضعف هذا الثمن، لأنها ببساطة غير مقرصنة، ورغم ذلك يتم النضال من أجل تخفيض الأسعار مع دور النشر المشرقية، علما أن الجديد يدخل كل 3 أيام إلى الرفوف، وهناك تواصل مع القراء لجلب ما يطلبونه من الروايات، وفي هذا السياق، أضاف قائلا نعلم زبائننا الكرام أن جميع الكتب المتواجدة بمكتبتنا أصلية ومقتناة من دورها الأصلية، لهذا قد يكون بعض الفارق في الأسعار بينها وبين الكتب المزورة، لأن من مبادئ المؤسسة المحتوى، الأصل، الجودة والسعر، وفي نفس السياق يعمل فريق المكتبة العملاقة جاهدا في سبيل توفير أغلبية الكتب المطلوبة.

في الأخير، تأسف المتحدث على غلق المكتبات في زمن كورونا، خاصة أن التجارة الإلكترونية غير رائجة في بلادنا، بالتالي لا يمكن للقارئ أن يشتري كتابه، فرغم الحجر والضجر من الوسائط الإلكترونية، إلا أنه لم يجد البديل، ولوحظ أن الكثيرين عادوا للكتاب في زمن كورونا، كيف لا والكتابة في حد ذاتها فعل بيتوي بامتياز.

للإشارة، تبلغ مساحة المكتبة 1300 متر مربع، وبها ما يزيد عن 14 ألف عنوان، وأكثر من 40 ألف عنوان في المخازن، وسيتم مستقبلا، فتح رواق للفنون التشكيلية ومقهى أدبي، مع البيع بالإهداء ونشاطات ثقافية أخرى وفضاءات للصغار، كالرسم والحكواتي.