كمال بن ديمراد يستعرض مسار المسرح الجزائري بفضاء بن قطاف:

حضر التراث وغاب التفعيل

حضر التراث وغاب التفعيل
  • القراءات: 1265
مريم.ن مريم.ن

استضاف نادي محمد بن قطاف بالمسرح الوطني أمس، الناقد المسرحي الكبير كمال بن ديمراد، الذي قدّم محاضرة بعنوان «ناس الفرجة أو مسار المسرح الجزائري»، تناول فيها قيمة التراث الفني والمسرحي في الجزائر، والذي يعتبره الأول في تاريخ البشرية جمعاء. كما توقف عند مسألة مدى توظيف هذا التراث فنيا، وتابع مع الجمهور الحاضر رائعة «ناس الفرجة» التي اعتبرها مدرسة فنية، عكست قيمة تراثنا الشعبي.

اعتبر كمال بن ديمراد أن فن الدراما وُلد من رحم التاسيلي ناجر بصحراء الجزائر، حسب دراسة ميدانية قام بها الباحث السويدي جورج كريستيا من معهد الفن الدرامي لستوكهولم، الذي قام بثلاث حملات علمية إلى «أكبر متحف في الهواء الطلق عبر العالم» بمساعدة جامعيين جزائريين، وكل تلك النقوش والرسومات تملك كل العناصر الدرامية، وهكذا برهنت الاكتشافات العلمية أن التاسيلي كان منبع المسرح منذ 8 آلاف سنة، وأن هذا الفن انتقل من الغرب الإفريقي إلى شرقه وليس العكس، كما يشاع.

قدّم المحاضر أيضا نماذج تاريخية من تاريخ الجزائر في فنون أخرى، منها الرواية مع أبوليوس ومع تراث سان أوغوستان وغيرها.

أشاد المحاضر بالإرث الثقافي المسمى «أيراد»، والذي نفض الغبار عنه الباحثان الجزائريان المعروفان بوطرفة السعيد وزيزي عباس. ويُعد «الإيراد» حفلا أو مهرجانا شبيها بالكرنفال أكثر منه بمسرح الشارع، كان يتم إحياؤه منذ عصور غابرة بمنطقة بني سنوس بمناسبة عيد «يناير». وفي رأي المحاضر فإن هذا الحفل الدرامي الذي يعبّر عن عمق ثقافي مشترك بين الجزائريين يُعد «مسرحا كاملا»؛ لأن الممثل يشترط عليه أن يتقمص كل الأدوار. وبتعاقب الأجيال أخذ هذا الحفل بعدا اجتماعيا يتضمن رموزا لشخوص حيوانية وبشرية، وكان هذا الحفل يحضَّر في السر، ويُسبق باستعداد السكان لاستقباله. وفي رأي بن ديمراد فإن حرب الأسود التي تحكى من خلال «الأيراد» تستمد مرجعيتها من الحرب الطاحنة بين الإخوة الأعداء لمملكتي الشرق والغرب ماسينيسا وسيفاقس.

ثمّن المحاضر التحضير لهذا الكارنافال من خلال تحضير الملابس التي تفوق في جودتها ملابس أكبر المسارح وكارنافالات العالم، منها كارنافال بالبندقية، وتوقف عند كارنافال يناير ببني سنوس والذي يختلف حسب مناطقها منها «الخميس» و»أولاد موسى» و»أولاد العربي»، وبعضها يتضمن قيم التسامح الديني شاهدة إلى اليوم. كما ذكر دور المقدم الذي يقود الكارنافال وكل الشخصيات المقنعة التي تجوب البيوت، بطلب المساعدة وإعادة توزيعها على الفقراء.

استعرض بعدها المحاضر قيمة العمل الفني «ناس الفرجة» الذي أخرجه نور الدين الهاشمي في الثمانينيات، والذي يعتبر من روائع الفن الجزائري، استمد شكله الفني من التراث وصور في بوسعادة وبين أهلها. وتمت استشارة أكبر أبنائها من الشيوخ (105 سنة و93 سنة) الذين ساهموا بشهاداتهم عن كارنافال بوسعادة، في هذا العمل. وأظهر أهل القرية كيف يصنعون ملابس العرض وأقنعته، وبعدها مباشرة تم عرضه على الشاشة؛ حيث جلب الحضور بأبطاله، منهم الراحلون بن قطاف وسيراط بومدين وبوزيدة، ومنهم وردة آمال وحيمور وكبار الفنانين في الجزائر، وكل المشاهد كانت في إحدى قرى بوسعادة وأمام الجمهور الذي كان أحيانا مشاركا في العرض.

في سياق آخر، أشار المتحدث إلى أن رائد المسرح المعاصر الراحل علالو، استمد أعماله من التراث بما في ذلك مسرحيته «جحا» وليس كما يراج عنه بأنه استمد أعماله من موليار ، وخلص في حديثه إلى أن تراثنا يحتاج للبحث وللتوظيف.