ندوة «المكتبة وكيل ثقافي وتجاري» بفضاء «شايب دزاير»

حديث عن العقل والفكر بعيدا عن الفلكلور

حديث عن العقل والفكر بعيدا عن الفلكلور
  • القراءات: 1718
❊مريم. ن  ❊مريم. ن

احتضنت مكتبة «شايب دزاير» أول أمس ندوة بعنوان «المكتبة وكيل ثقافي وتجاري في خدمة المعرفة» من تنشيط الأستاذين محمد بلحي وسيد علي صخري في إطار الاحتفال بيوم العلم. وتناول اللقاء عدة قضايا لها علاقة بالمعرفة والبحث خارج إطار المسلمات المتوارثة وخارج الفكر الجاهز والتظاهرات الفلكلورية.

أكد الأستاذ صخري أن الطريق نحو العلم والمعرفة يبدأ بالسؤال والمجادلة المبنية على فرضية الشك، ثم توقف عند تاريخ الاحتفال بيوم العلم في الجزائر الذي كان في عهد بومدين منذ سنة 1971، لكن المحاضر عبّر عن ضجره من الروتين المرتبط بهذا الاحتفال خاصة بالنسبة لطلبة المدارس، الذين يُطلب منهم في كل مرة تقديم بحث عن ابن باديس كشخصية وليس كعنوان أو انطلاقة نحو البحث وتقديس العلم، فيلجأ جميعهم إلى الإنترنت ويحضّروا نفس البحث، ليكرروا ذلك في العام القادم، وهكذا لا جديد، وهنا ذكر حال ابنته التي طلبت منه المساعدة لتحضير بحث عن ابن باديس، وعندما نصحها بالبحث في المكتبة تراجعت وأخذت كل شيء من المواقع الإلكترونية، وسرعان ما اكتشفت في القسم أن كل زملائها نهجوا نهجها، وقدموا نفس العمل، بل ونفس النص، وبالتالي يرى المتحدث أنه لم يعد هناك إبداع في مدارسنا، وتمنى لو أن بعضهم نظّم محاضرة عن العلم نفسه أو عن المكتبة عوض تكرار نفس الموضوع؛ يقول: «ابن باديس رمز ومناسبة للحديث عن دور العلم والمعرفة والثقافة»، ومثل صخري بروسيا التي تحيي يوم العلم في أول يوم دخول مدرسي، وتقدم الورود للمعلمين كتقدير للعلم. كما تناول المحاضر الدور الكبير للمكتبات في نشر المعرفة وتكوين النخبة، معتبرا المكتبة أجمل فضاء وأنبل مهنة لنشر الثقافة والمعرفة بين الناس، وهي مكان جامع تقصده كل الطبقات والأطياف والشرائح الاجتماعية، لكن، للأسف، أصبحت مكانتها مهددة ليس فقط في الجزائر بل في العالم، حيث أصبح الأنترنت رائجا، لكنه ليس ضامنا للقراءة والمعرفة كما الكتاب الورقي، الذي يضمن الاحتكاك مع القارئ، ويضمن القراءة المعمقة والتفاعل المباشر معها، عكس الأنترنت، الذي تبقى مطالعته محدودة الاطلاع، تعتمد على الاختصار، وبالتالي فإن غياب الكتاب الورقي تهديد للعلم والثقافة.

وتطرق صخري، بالمناسبة، لمهنة المكتبي غير المربحة، علما أن بعض الكتب تحقق الأرباح وتلقى الرواج، وعلى رأسها الكتاب شبه المدرسي، الذي من مزاياه جلب الطفل إلى المكتبة، ومعه أولياؤه، وهو استدراج جميل لاكتشاف عالم الكتب.

من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أنّ المطالعة تفتح الأفق نحو العلوم والفنون، والحي الذي به مكتبة تروّج فيه السينما والمسرح وغيرهما، كما كانت الحال منذ عقود بحي باب الوادي الشعبي، الذي كان بـ 11 قاعة سينما والكثير من المكتبات وبائعو الكتب، لكن بالمقابل رأى أن المطالعة ليست حشوا للرأس، بل هي تذوق وطريق إلى السؤال والشك والفرز والنقد.

أما الأستاذ محمد بلحي فدعا إلى تثمين التفكير الجماعي الذي نفتقده حاليا، وأن يكون التفكير لأفق بعيد يتجاوز العقدين، ثم توقف عند مسألة النخبة، وكيف أنها تعرضت للتهجير والتهميش وغيرها عند دخول الاستعمار أرض الجزائر، وهنا ذكر حال العربي تبسي الذي قتلته فرنسا ولا يوجد له قبر حتى اليوم ومع ذلك لا حديث عن الموضوع. وعاد بالحضور إلى أكبر جامعة جزائرية قبل الاستعمار، وهي «التاشفينية» التي دمرتها فرنسا سنة 1873 وكانت بمثابة سوربون الجزائر. كما توقف عند أسماء علماء الجزائر منهم ابن حمزة المغربي من العاصمة الذي توفي في 1611 والذي ألّف كتابا بالتركية به نظريات الرياضيات. كما كانت في العهد العثماني العديد من المكتبات التي تملكها العائلات الجزائرية العريقة، تضم علوما وفنونا ومخطوطات جاءت من الأندلس سلبتها فرنسا خاصة التقنية والعلمية منها، كذلك الزوايا التي بها كنوز من الكتب ومن التراث الثقافي والعلمي.

وتحدّث الأستاذ بلحي عن طريق التجارة والعلوم بين ضفتي المتوسط الذي استمر إلى غاية القرن 15 بعد سقوط غرناطة، ثم ظهور المماليك ببلدان المغرب العربي، ثم تراجع العالم الإسلامي عموما، ثم ظهور بعض بوادر الإصلاح مع حاكم مصر محمد علي باشا من خلال بعثة علمية إلى باريس كان فيها رفاعة الطهطاوي. وأشار المتحدث إلى ظهور النخبة السياسية في الجزائر بداية القرن 20، علما أن النخبة الدينية والعلمية تم تكسيرها من قبل المستعمر. وانتقلت هذه النخبة ممثلة في العائلات إلى فاس وتيطوان وسوريا، وساد الزوايا الفلكلور، وحرصت فرنسا على الترصد لأي نخبة دينية أو علمية. ووصل المحاضر في عرضه إلى فترة التسعينيات؛ حيث غيّب العقل والمنطق العلمي والسببية، وبالتالي غابت روح العلم، وحورب المثقفون والعلماء والتعليم، ليسود الفكر الأوحد المبني على التسليم المغيب للفكر والنقد، وهنا دعا المتدخل إلى تبنّي روح النقد العلمي.

المناقشة كانت ساخنة، شارك فيها خبراء ومثقفون ومؤرخون من أطياف وتوجهات سياسية وإيديولوجية وفكرية مختلفة، منهم فؤاد سوفي، الذي أكد أن يوم العلم ثمّنته الحركة الوطنية كمناسبة إجماع ووحدة. كما أشار بعضهم إلى أن الإسلام قدّس العلم وجعل المداد أغلى من دم الشهداء، ودعا إلى «اقرأ»، ولم يكن يوما دين جهل وتضييق على الفكر والتدبر، في حين دعا آخر إلى العودة إلى العلم وترسيخه عند النشء.