قاسي تيزي وزو.. مسيرة إبداع

حارب التهريج وأسس لفن ساخر ملتزم

حارب التهريج وأسس لفن ساخر ملتزم
  • القراءات: 832
 مريم. ن   مريم. ن
رحل عضو من جيل رواد الكوميديا الجزائرية الذي كان يعكس هوية شعب ضحك في وجه المحن، وقتل بصمود أبنائه، موتا بطيئا فرض عليه قسرا، فالضحك كان ترجمة لقوة كامنة تستهزئ بالغازي المحتل وتستهين بالصعاب وتلعب بذقون المغفلين الذين تنكروا لجزائريتهم ولثقافتهم، من رجال هذا الجيل المقاوم الذي كان يرعب المنحرفين ويبهج الجزائريين، الكبير قاسي تيزي وزو (حميد لوراري) الذي غادرنا في صمت.
نتذكر كجمهور وفي للراحل، سهراته الفنية التي كان يحييها على المباشر في بداية الثمانينيات مع صديقه المقرب المرحوم حسن الحسني المدعو (بوبقرة)، حيث كانا يشاركان في تنشيط حفلات غنائية من تنظيم التلفزة الجزائرية وكانت تلقى نجاحا منقطع النظير، ونتذكر ذلك الانسجام بين العملاقين إلى درجة التكامل دون هفوة أو سقطة، على الرغم من المباشر الذي لم يكن ليغطي أو يرحم أي تقصير.
في إحدى تلك السهرات، أبدع الراحلان في انتقاد الفن المستورد الذي يتبناه بعض أشباه الفنانين، فأديا رقصة أجنبية بأغنية غربية وراحا يصيحان ويتمرغان أرضا.
كان «عمي قاسي» ينطق بالحق ويقول الكلمة في موضعها وفي وقتها، ولم يكن يهمه سوى أن يرى الجزائر وأبناءها في أحسن حال.
ارتبط اسم قاسي تزي وزو في السينما بالفنان قريقش، وكم كان تعاونهما رائعا بالأبيض والأسود، جسدا من خلاله روح السذاجة والدعابة والتلقائية التي كانت تجذب الجمهور.
ظل الراحل متمسكا بيده وأسنانه بخصوصية الكوميديا الجزائرية الأصيلة التي تعكس القيم والرقي والإبداع، التي كانت تضحك الجزائريين بلغتهم لتمرر رسائل مهمة تدافع عن هذه القيم وهذا الوجدان الجماعي الذي بقي مستعصيا على من أراد النيل منه، تماما كما فعل باقي أبناء هذا الجيل المؤسس للكوميديا الجزائرية ابتداء من علالو ورشيد القسنطيني ورويشد ومحمد التوري، وغيرهم من الذين ساهموا في بناء الوعي وصون المجتمع ومقوماته.
ظل «عمي قاسي» وفيا لهذا الجيل، لذلك حارب التهريج والكوميديا الرخيصة التي لا تلتزم بخصوصية الجزائري، والتي رأى بأنها تؤدي لا محالة إلى الرداءة والانحطاط وتثبيت الرداءة على حساب الأعمال الجادة.
الراحل المرهف القلب الذي لا يبخل في تدليع الجزائريين بكلمة «بوبون وبوبونة»، لم تفارق ذاكرته صور أليمة حفرت فترة طفولته، لذلك كان يبكي بحرقة كلما مرت هذه الذكريات، كما حدث ذات مرة، وهو يسجل فيلما عن حياته، حيث بكى عندما وصل إلى مسقط رأسه بقرية إيغيل أوفلى ببني ورثيلان، حين تذكر الفقر المدقع الذي عاشه إبان الاحتلال وكيف ماتت أمه نتيجة المرض والفقر، لذلك كان يحرص دوما على التذكير بنعمة الاستقلال عند الأبناء، وكان ينبذ الطمع والأنانية التي تفسد الأخلاق، إضافة إلى حرصه على نشر مبادئ نوفمبر وترسيخها عند الأجيال وهو ما جعل الراحل مقدرا بين كل الجزائريين وحتى من الرؤساء الذين ربطته بهم علاقات مودة واحترام.
أخذت الإذاعة الكثير من عمر الراحل، إذ سجل بها 6 آلاف حصة في 30 سنة من العمل، ابتداء من سنة 1946 مع الراحل رضا باي، وخصص أيضا فترة من حياة فنه للأطفال، فأمتعهم وقدم لهم الكثير من كل مثمر.
هكذا يرحل الكبار بشرف وبشموخ تاركين مآثرهم تحكي عنهم وتذكر بهم الأجيال، فالمرحوم حميد لوراري المعروف بقاسي تيزي وزو لم يكن فقط يضحك بل كان يبكي أيضا عندما يضع يده على الجرح، لذلك كانت الراحلة وردة تبكي عندما تحضر بعض تمثيلياته، فهل سيلتزم جيل الشباب من المبدعين بهذه المدرسة الجزائرية التي لا تعترف بالأعمال التافهة؟
نذكر أن الفنان قاسي تيزي وزو انتقل إلى جوار ربه مساء يوم الأربعاء الماضي بمستشفى بئر طرارية بالجزائر العاصمة عن عمر 83 سنة، إثر مرض عضال ألزمه الفراش مدة طويلة، حسبما علم من الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.