«حرب الجزائر بفرنسا ذاكرة وكفاح 1956-1962» بمكتبة «الشهاب»

جيزيلا آيت مختار تفتح تاريخ الثورة على الجبهة الفرنسية

جيزيلا آيت مختار تفتح تاريخ الثورة على الجبهة الفرنسية
  • القراءات: 711
❊مريم.ن  ❊مريم.ن

قدمت المناضلة جيزيلا قوتنار آيت مختار، أول أمس، بمكتبة «الشهاب»، كتابها «حرب الجزائر بفرنسا ذاكرة وكفاح 1956-1962»، تناولت فيه مسيرة زوجها بطل حرب التحرير بفرنسا، الذي ظل يحتفظ بوطنيته الأصيلة حتى بعد الاستقلال، وفضل أن يعيش وسط شعبه بتواضع بعيدا عن أية امتيازات كانت من حقه، ليساهم بكل إمكانياته وجهده في مرحلة التشييد، خاصة في المجال الطبي.

عبرت السيدة جيزيلا عن حرقتها من التهميش الذي طال زوجها، وعن فترة مرضه التي لم يتلق فيها الرعاية الكافية، ثم رحيله الصامت الذي لا يعكس مكانته المرموقة على المستوى الوطني والدولي.

نشط اللقاء المؤرخ دحو جربال الذي بدا متأثرا بقصة هذا البطل الوطني المعروف، معترفا في نفس الوقت بروعة هذه التجربة الإنسانية، فالسيدة جيزيلا عاشت حياتها مع مسؤول كبير في ثورتنا، وكان بطلا على الجبهة الفرنسية، بمعنى أنه حارب العدو في عقر داره، وهي تجربة لم تعرفها أية ثورة من ثورات التاريخ المعاصر. كما أن هذا التاريخ لم يكن مرتبطا بعمليات عسكرية وفدائية صغيرة تمتد لأيام، بل كانت أحداثا تاريخية أساسية في مسيرة الثورة التحريرية المجيدة، بنيت على استراتيجية محكمة غير اعتباطية أخضعت فرنسا لقبول التفاوض مع جبهة التحرير.

أشرف هذا المناضل الراحل على المنظمة الخاصة للثورة على الجبهة الفرنسية، واسمه الكامل نصر الدين آيت مختار، واسمه الثوري «مجيد». أشار الدكتور جربال إلى أن معرفة تاريخ هذا البطل واجب على الأجيال.

جلست السيدة جيزيلا في وقار وهدوء، لكن ذلك لم يخف خفة ظلها، حيث ورغم ألمها، كانت تعلق ببعض الكلمات الطريفة. وأول حديثها عن الكتاب، وصفها له بأنه قطعة منها يوثق لنضال زوجين، ولمرحلة تاريخية جمعت الجزائر ببلدها الأم ألمانيا، وهذا التاريخ بقي ـ حسبها- مجهولا عند العامة. كما قالت بأن الكتاب عرفان لنضال زوجها البطل ولرفيق حياتها الوفي. وأضافت «أردت أن أحارب سياسة النسيان والتهميش وأضع هذا التاريخ تحت الضوء ليُرى، وهي مهمة صعبة لأنني لست مؤرخة ولا كاتبة محترفة، بل شاهدة على هذا التاريخ المجيد. بدأ زوجي بكتابة القليل عن حياته لأرفع أنا المشعل بعد رحيله».

وصفت الكاتبة زوجها بالمناضل الذي لا يتراجع أمام مسؤوليات الثورة، ولا واجبات مرحلة الاستقلال، وتؤكد أن الثورة كانت عظيمة برجالها وشهدائها الذين لم يصمد الاستعمار أمامهم، مشيرة إلى أن أول لقاء بينها وبين زوجها، كان بمحطة قطار في ألمانيا، حيث سألها عن وقت انطلاقه نحو كولونيا، وهي التي فاتها هذا القطار تحت درجة أقل من 10 تحت الصفر، كان ذلك في أواخر سنة 1959، وهنا صفق لها الحضور عندما قالت «كان القدر يحضر لي قطارا باتجاه الجزائر»، بمعنى انضمامها إلى صفوف الثوار، تولد إعجابا  بين الشاب الجزائري الأنيق والوسيم والشابة الألمانية الشقراء، لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لها هو دخول هذا الشاب إلى بيت والدها ليلا ليبادله العناق والتحية، حينها عرفت أنهما شريكان في العمل الثوري، خاصة على الحدود الألمانية الفرنسية، لتتزوج جيزيلا هذا الشاب وتنضم هي أيضا للثورة.

عن علاقة والدها بالثورة، أشارت السيدة جيزيلا إلى أن أسرتها كانت من النبلاء وعانت من السيطرة الفرنسية التي استهدفت بعض الأسر الألمانية التي رفضت التفرنس (الحرب العالمية الأولى والثانية)، واتهم والدها بالتجسس، وبذلك طوردت وقتلت جدتها بالرصاص، الأمر الذي لم ينسه الوالد فأقسم أن ينصر الثورة الجزائرية العادلة وأعطاها كل ما يملك.

يكمن ذلك العمل في تهريب السلاح وعملت جيزيلا مرافقة للفدائيين، خاصة عبر المعابر، وكانت تنقل الأسلحة. وفي هذه الفترة، تعرفت على الراحل عيسى عبد الصمد، صانع السلاح والقنابل، الذي فقد عينه وجاء إلى ألمانيا لتهريب السلاح نحو فرنسا، وهكذا تكونت شبكة مهمة.

عن نضال زوجها، أشارت إلى أنه جند سنة 1956 من طرف اعمر بن عدودة وموسى قبايلي، حينها كان طالبا بكلية الطب بباريس، وكان يعمل في مصنع لضمان مصاريف الدراسة، بعدما سلبت فرنسا من أبيه القايد كل الامتيازات نتيجة مواقفه الوطنية المشرفة، لكنه غادر الكلية ليلتحق بالثورة، علما أنه كباقي زملائه الفرنسيين في الجامعة، استفاد من التكوين العسكري، لكنه حول إلى احتياطي، لأنه جزائري، وهو أمر أكسبه خبرة فيما بعد، علما أنه فور دخوله الثورة، أعطيت له مسؤوليات هامة نظرا لكفاءته.

غداة الاستقلال، عاد الراحل مع زوجته إلى الجزائر في 31 أكتوبر 1962 وعاد إلى مهنة الطب، وأصبح طبيبا وأستاذا في اختصاص «طب النساء»، ثم ساهم في تأسيس مدرسة التمريض بمستشفى «بارني» بالعاصمة، وهنا تقول «كان زوجي زاهدا لا يعنيه المال ولا يحب من يحدثه عنه حتى أنا، لذلك لم يطلب أية امتيازات ولو لابنيه اللذان يعيشان الآن في الخارج». أما جيزيلا فكانت تعمل (حاملة لشهادات عليا) بالجزائر من 63 حتى التقاعد.

تعرض الراحل لمرض عضال على مستوى صفائح الدم وأصبح مقعدا، ووجدت جيزيلا نفسها وحدها مسؤولة عنه في ظل غياب التكفل، لكنها استغلت عملها بسفارة ألمانيا في الجزائر لتنقله إلى بروكسل، ومكث هناك في ظل النسيان إلى غاية وفاته ونقله إلى أرض الوطن كي يدفن على أرض الجزائر. 

في الختام، أشارت الكاتبة إلى أنه رغم كل المآسي والتهميش،  ظلت متشبثة بالإقامة في الجزائر لأنها تحبها وأعطتها سنوات من عمرها قضتها في النضال مع زوجها، ومع مناضلين أشاوس، مذكرة بتاريخ صعب عاشته الجزائر لنيل استقلالها، ومتوقفة أيضا عند صعوبات مرت بها بلدها الأم ألمانيا.

مريم.ن