المسرح الجهوي "عز الدين مجوبي" بعنابة

"جواهر التاج".. يحتفي بالرمزية وجماليات الأداء

"جواهر التاج".. يحتفي بالرمزية وجماليات الأداء
  • 123
سميرة عوام سميرة عوام

تألّق عرض "جواهر التاج"، مؤخرا، على ركح مسرح "عز الدين مجوبي" بعنابة، في لحظة مسرحية ناضجة استثمرت طاقات الجسد، وأدوات الإيحاء، وبلاغة الصورة؛ لتقديم عمل يوازن بين الحلم والأسطورة، وبين الواقع وتأملاته. وكتب النص سهيل شبلي. وأخرجه كمال رويني، فشكّلا معاً رؤية فنية تجاوزت الحكاية السطحية، ولامست عمق التجربة الإنسانية.

نجح الفريق الفني في بناء عرض يتكئ على التعدّد البصري والدلالي، حيث منحت السينوغرافيا التي صمّمها حبال البوخاري للمكان، طابعا متغيّرا، مشحونا بالتوتر والرمز، بينما جاءت الكوريغرافيا تحت إشراف توفيق قارة لتفتح أمام الجسد فضاءً تعبيريا قويّا، يروي عبر الحركة، ما يعجز عنه الكلام. 

كما ساهمت الموسيقى التي وضعها عبد القادر صوفي، في تشكيل طبقة صوتية موازية، جعلت من الإيقاع عنصرا دراميا لا يقلّ أهمية عن الحوار. وفي الأداء، قدّم الممثلون تجسيدا جماعيا متناغما، برز فيه شمس الدين غزغوز في دور "السلطان" ، بشخصية متردّدة، تعكس هشاشة السلطة خلف المهابة الظاهرة، فيما منح محمد أمين العابد شخصية "الأمير" ، بعدا نفسيا عميقا، متأرجحا بين الثورة والانكسار. 

ولعب نزيم زكريا بوقزولة دور "الوزير" بدهاء سياسي مقنِع، في حين أضفى أحمد سفيان هميسي على شخصية "الفتى" ، صدقا إنسانيا لافتا، جعله رمزا للحلم النقي. أما جيهان بن طراد فبرعت في دور "الراوية"، وجعلت من لغتها الجسدية والصوتية خيطا رابطا بين المشاهد، بينما تنقلت أمينة بويونس بسلاسة بين دورين متناقضين ("ياقوتة" و«القبطان")، في عرض لقدرة فنية عالية. 

بقية الطاقم ومنهم عبد النور كندي، وزكريا شنوف، ومنى بن سلطان، وإيناس عدي، وصباح غضابنة، وأنور كوال، وعبد القادر برانسي، ساهموا في تشكيل لوحة مركّبة من الشخصيات التي تتحاور، وتتصارع، وتُعبّر عن أزمات وجودية وواقعية. ولا تحكي "جواهر التاج" قصة تقليدية عن سلطان ووزير وأمير، بل توظّف هذه الشخصيات كرموز لنظم السلطة، والتحوّل، والخيانة، بأسلوب يمزج بين الحكاية الشعبية والتأمّل الفلسفي.

لقد اختار المخرج أن يمنح المشاهد مساحة للتفكير لا للاستهلاك السريع، فكان العرض بمثابة نص مفتوح على التأويل. وبهذا العمل يقدّم مسرح عنابة تجربة فنية متكاملة، تضع الجمال البصري في خدمة الفكرة، ويستعيد مكانة المسرح كفن يُسائل الواقع، ويُعيد تشكيله لا نسخه. "جواهر التاج" ليست مجرّد عرض، بل لحظة فنية تحتفي بما هو أعمق من الفرجة: الوعي، والتخييل، والدهشة.