ندوة الحكواتي بفضاء "روح بناف"

جمع الحكايا وتدوينها.. ضرورة مستعجلة

جمع الحكايا وتدوينها.. ضرورة مستعجلة
  • 335
لطيفة داريب لطيفة داريب

في إطار البرنامج الثقافي لـ"سيلا" 2025، احتضن فضاء روح البناف "فرانز فانزن"، أوّل أمس، بقصر المعارض بالصنوبر البحري مداخلة بعنوان "الحكواتي والحفاظ على التراث والذاكرة الشعبية"، نشّطها الأساتذة عبد الحميد بورايو، زبيدة معمرية، نورة أسيفال والعيد جلولي.

استُهلت الندوة بمداخلة الدكتور عبد الحميد بورايو الذي تحدّث عن تجربته في الاحتكاك بالمدّاحين خلال تحضيره لشهادة الماجستير حول الأدب الشعبي، موضّحا أنّ الجزائريين لا يستخدمون مصطلح حكواتي بل مدّاح. فالمدّاح، كما قال، كان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء الصالحين، وينقل الأخبار اليومية ويتحدّث عن الماضي، أي عن التاريخ، ولهذا لُقّب بالمدّاح، بينما يُستعمل مصطلح الحكواتي في بلاد الشام ومصر.

أضاف بورايو أنه تعرّف على العديد من المدّاحين، شبابا وشيوخا في منطقتي بسكرة ووادي سوف بين عامي 1976 و1978، أثناء إعداده لشهادته التي قدّمها بجامعة القاهرة، نظرًا لعدم وجود تخصّص في الأدب الشعبي بالجزائر آنذاك. وأوضح أنّه تغلغل في أوساط المدّاحين واطّلع على طباعهم وصفاتهم وموضوعات مديحهم، إذ عايشوا أحداث الفترة الاستعمارية وما بعدها، فكانوا بحقّ شهودا على تاريخ الجزائر.

أما الأستاذ العيد جلولي، فاعتبر أنّ وظيفة الحكواتي الأولى تربوية تثقيفية، موجّهة بالأساس للأطفال والناشئة، والثانية ترفيهية من حيث أسلوب السرد وطريقته، والثالثة توثيقية لأنّ الحكواتي يوثّق تراث بلده الذي لولاه لاندثر. ودعا إلى الاستفادة من الوسائل الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق هذا التراث في زمن تغيّر فعلاً وسرق أطفالنا إلى عالم التكنولوجيا.

من جهتها، تحدثت الأستاذة زبيدة معمرية عن أصل الحكايات الشعبية التي تُعدّ ثروة من ثروات التراث الشعبي والأسرة، خاصة الأم، بل وحتى الأب، إذ كان لكلّ منهما حكايات يرويها بقيت محفورة في ذاكرة العائلة. وأضافت أنها نشأت في كنف عائلة تهوى سرد الحكايات، فقرّرت عندما كبرت أن تدوّنها حتى لا تندثر، وتبقى حيّة في الذاكرة الجماعية. وأوضحت أنّ هذه الحكايات تربوية في جوهرها وصالحة للصغار والكبار على حدّ سواء، بل إنّها قصص فلسفية تحمل قيما أخلاقية تمكّن المستمع، كبيرا كان أم صغيرا، من إصلاح ذاته، فتكون بحقّ درسا حياتيا لكل من يسمعها.

كما أشارت إلى الدور الاجتماعي للحكواتي الذي ينقل للمستمع ما يحدث في محيطه ويتناول أحداثا تاريخية، مؤكّدة ضرورة استرجاع التراث الحيّ المتمثّل في شخصية الحكواتي، فـ«كلّ حكواتي يموت، مكتبة تحترق". ودعت إلى جمع أكبر عدد ممكن من الحكايات التي يشترك فيها المخيال الجزائري، مقدّمة مثالا بتجربتها في جمع 1001 حكاية شعبية كتبتها بالفرنسية، مشيرة إلى أنّ هناك الكثير من الحكايات التي لم تُدوّن بعد.

بدورها، قدمت الأستاذة نورة أسيفال مداخلتها، فقالت إنّ الحكاية كائن حيّ لا يجوز أن تُخزّن في متحف وتموت، بل يجب أن تظلّ حيّة ومتجدّدة. وأضافت أنّ الحكاية مرتبطة بالمشاعر، إذ يعيش المستمع أحاسيس مختلفة أثناء سماعها، مشيرة إلى أنّ الحكايات موجودة، لكن الفضاءات التي تحتضن سردها غائبة. وأكّدت في ختام كلمتها على ضرورة التمسّك بالجذور، وأن نحكي حكاياتنا متكيفة مع الحداثة، فالكلمة موجودة دائما، لكنّها تحتاج إلى فضاءات معاصرة تواكب ما نعيشه من تحوّلات. وختمت بقولها"الحكواتي لا يُصبح حكواتيا... بل يُولَد حكواتيا".