الأسبوع الثقافي لسلطنة عمان بقسنطينة

جسر بين عاصمة الثقافة الإسلامية وعاصمة الثقافة العربية

جسر بين عاصمة الثقافة الإسلامية وعاصمة الثقافة العربية
  • القراءات: 1772
زبير.ز زبير.ز
من مدينة نزوى التي تحتضن فعاليات عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2015، إلى مدينة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، مدت سلطنة عمان جسورها للتواصل، لتحط ضيفا مرحَّبا به على مدينة الجسور المعلّقة وهي تحمل حرف الضاد، هذا الوعاء الذي انصهرت فيه العديد من الثقافات والحضارات، هي ”ظفار” أو ”جبل النحاس”، كما كان يطلَق عليها قديما، جهّزت قوافلها وانطلقت من بوابة مسقط، وحطت أمتعتها في سيرتا التاريخ، سيرتا الحضارة وقسنطينة مدينة العلم والعلماء، جاءت لتقول شعرا في حضرة ملوك الأمازيغ، جاءت لتتفقد مدينة ابن باديس ومالك بن نبي، جاءت لتقول: في العروبة عزتنا، وأننا وطن واحد وشعب واحد.
وزير الثقافة الذي كان مرفقا بسفير سلطنة عمان بالجزائر، افتتح فعاليات الأسبوع الثقافي لهذه الدولة أول أمس بقاعة العروض أحمد باي، في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، حيث دشن جناح المعرض الذي ضم لوحات للفنون التشكيلية وإصدارات ومطبوعات ومعرضا للمخطوطات، قبل أن يتوجه إلى قاعة العروض للاستمتاع باللقاءات الشعرية، حيث قدّم رئيس الوفد العماني كلمته بالمناسبة، قبل أن يفسح المجال لوزير الثقافة الجزائرية بإلقاء الكلمة، ثم فسح المجال للحرف والقافية لتقول هي الأخرى كلمتها، حيث اعتلت المنصة الشاعرة حصة بنت عبد الله البادي، ثم تلاها زميلها الشاعر خالد بن علي المعمري، ليفسح المجال بعدها للتكريمات من الطرفين، حيث تم تكريم الوفد العماني من لدن الوزير وكذا السلطات المحلية بقسنطينة، كما تم تكريم الجانب الجزائري من طرف سفير سلطنة عمان بالجزائر السيد ناصر بن سيف الحسيني، الذي أثنى على العلاقات المتميزة بين البلدين.

عز الدين ميهوبي (وزير الثقافة الجزائري):

علاقتنا متميزة اقتصاديّا ونسعى لتعزيزها ثقافيّا

أثنى وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي على التلاحم بين الجزائر وسلطنة عمان، مؤكدا أن العلاقة بين البلدين تعود إلى عقود سابقة مرورا بثورة التحرير الجزائرية، حيث قال إن التعاون بين البلدين تَعزّز بفضل حكمة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأخيه السلطان قابوس بن سعيد، بعد التأسيس للعلاقات القوية والمتينة، التي ستتجاوز، حسبه، الشق الاقتصادي إلى البعد الثقافي والفكري.
واعتبر ميهوبي أن لقاء مثل هذا يُعد خطوة أخرى من خطوات التعاون الثقافي بين البلدين، وأن الجزائر سعيدة بأن تكون سلطنة عمان ضيفا على قسنطينة. وقال عند الحديث عن عمان: ”تتجلى العراقة”، مضيفا أن ”هذا البلد الذي يجب أن يقرأ الباحثون جيدا عنه، هو بلد متميز عن غيره؛ يمتلك حسا حضاريا عريقا، وزائر هذا البلد يكتشف أنه في واحة تمتد عميقا في التاريخ وفي الحضارة”. وقال إن هذا البلد الذي تشعبت أحداثه وكانت له أسماء كثيرة، يحيل الباحث في تاريخه على حضارات عريقة وعميقة، وقد تم اكتشاف مقتنيات تعود إلى الفترات الفرعونية، وهناك الكثير من الآثار في هذا البلد المصنّفة في التراث العالمي، ليخلص الوزير إلى أن سلطنة عمان لم تنشأ حديثا، وهي بلد له جذوره، وهو حريّ بأن يُحترم في تاريخه بما حققه في مسيرة عمرها حوالي 10 آلاف سنة، وكذا في حاضره الزاهر بقيادة السلطان قابوس، واجتهاد شعبه، ليؤسس نهضة تأخذ شيئا من الأصالة وكثيرا من الحداثة. وقال ميهوبي إنه عندما زار عمان خلال شهر مارس الفارط، اكتشف أن شعبه متواضع وأصيل ومحب وهو يحتفل؛ شأنه شأن قسنطينة، بمدينة نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية، معتبرا أن هذه المدينة كواحدة من الحواضر المعروفة بحصونها وقلاعها وجوامعها ومساجدها وعلمائها، وقد كانت واحدة من عواصم سلطنة عمان في فترة من فترات التاريخ، هي تعلن أيضا انتماءها وهويتها من خلال الفعاليات التي تنظمها.
وقال ميهوبي إن الجزائر ترتبط بالكثير من أواصر المحبة والأخوة بهذا البلد، مضيفا أن العلاقة تجاوزت ذلك؛ لأن جزءا واسعا من هذا البلد له نفس المذهب الإباضي، كما هو موجود بالجزائر، وأن هناك عددا كبيرا من الأساتذة الجزائريين الذين يساهمون في النهضة المعرفية بعمان من خلال التدريس بجامعاتها.وعاد وزير الثقافة بالحديث إلى الجانب التاريخي، عندما قال إن هذا البلد يذكّر أيضا بواحد من أهم الرموز في التاريخ، وهو أحمد بن ماجد المعروف بأسد البحار، الذي كان وراء اكتشاف آلة الاسطرلاب، وله العديد من المؤلفات في عام البحر كما له إنجازات كبيرة، استفاد كثير من المكتشفين من أبحاثه، وكان سبّاقا في اكتشاف رأس الرجاء الصالح، وذكره البحّار العالمي والمكتشف البرتغالي فاسغو ديغاما.وبعد تجوله في المعرض الذي دشنه رفقة سفير سلطنة عمان، صرح وزير الثقافة قائلا: ”اكتشفنا من خلال المعارض المقدَّمة واللوحات التي زيّنت هذه القاعة، التراث الهائل وثقافة متميزة، هي أصالة صادقة نقية وهادئة”، مضيفا أنه بعد بحث مستفيض اكتشف، وفقا لمقال صحفي فرنسي، استند هو الآخر على دراسة دقيقة أمريكية، في التطور الجيني الذي يخص الجانب المادي وغير المادي، أن مجموعات بشرية انتقلت من غرب إفريقا التي كانت منشأ البشرية، إلى منطقة رطبة هي عمان، قبل أن تنتقل لتستقر في شمال إفريقيا، أوروبا وآسيا.
راضون عن سير التظاهرة وعدد كبير من الدول غير العربية تريد المشاركة
وفي سياق منفصل، وردا عن بعض الأسئلة التي وجهتها جريدة ”المساء” لوزير الثقافة عز الدين ميهوبي عقب حفل الافتتاح، أعرب هذا الأخير عن رضاه عن مدى سير تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 بعد مرور حوالي 7 أشهر من انطلاق التظاهرة، وقال إن التظاهرة تسير بصورة عادية، وأن البرنامج المسطر ينفَّذ كما خُطط له، وأن الفعاليات تجري في وقتها وفي أوانها، وأن كل الفضاءات التي خُصصت لهذه التظاهرة تعرف أنشطة متنوعة من أسابيع وأيام ثقافية للبلدان الضيفة، فضلا عن مختلف الندوات والملتقيات العلمية المبرمجة، مضيفا أن ما كان يتخوف منه البعض قد تم تجازوه، منوّها بالجهد الكبير والمحمود الذي تقوم به السلطات المحلية بقسنطينة، مؤكدا أن هناك رفعا لسقف المشاركة في الأسابيع الثقافية لمختلف الولايات ونوعية المشاركة العلمية وطبيعة الملتقيات التي تنظَّم، وقال: ”نحن نسير في نسق تصاعدي، مضت 5 شهور وبقيت 7 شهور، ستكون قوية في العديد من الفعاليات المقررة والمبرمجة في هذه التظاهرة”.وعـــن جانب مشاركة الولايات المتحدة في التظاهرة بعد الطلب الذي تقدمت به سفيرة هذا البلد بالجزائر، رد ميهوبي بأن هناك العديد من الدول غير العربية أبدت رغبتها في المشاركة بهذه التظاهرة الثقافية، مؤكدا أن الجزائر متفتحة على مشاركة كل بلد يشعر بأنه سيقدّم قيمة للثقافة الإنسانية بهذه المدينة التاريخية.  

حصة البادي وخالد العميري في سهرة شعرية حالمة

أَبى الوفد العماني إلا أن تكون سهرة الافتتاح شعرية محضة، من خلال اختيار شاعرين عمانيين من جيل الشباب لتنشيط هذه الأمسية الأدبية، حيث اعتلت الشاعرة حصة بنت عبد الله البادي التي تعلقت بالجزائر منذ صغرها عندما درست بثانوية بمحافظة البريمي بسلطنة عمان، وتعرفت على اسم جميلة بوحيرد، وقالت إنها تعلقت وجدانيا بالجزائر في مرحلة المراهقة، وإنها قرأت الكثير للشعراء والأدباء الجزائريين، وعلى رأسهم عز الدين ميهوبي الذي وصفته بأستاذها، واستهلت قراءتها بقصيدة نظمتها وهي على طريق السفر إلى الجزائر، عنونتها ”أنا من جميلة”، وقالت فيها:
من أين جاء الغيم يخطر بين مئذنة وثائر؟
من أين هذا النخل يتلو سيرة الشعب المكابر؟
من أنتِ؟ هذا الكحل في عينيك شرقيّا يُسافر
من أنتِ بنت البيدِ؟ ... تعرفك الجزائر
أنا من جميلة
فيها قرأت الحرف والأحلام واللغة النبيلة
وعرفت أن سِفْرَ يحوي قامة الأرض الأصيلة
وعرفت معنى أن يموت الحرُّ ما خنقوا صهيله
وعرفت أنًّ جميلة السمراء بعض دمِ الجزائر
أنا من جميلة
حيث النخيلُ تلبسَّت حُللَ النقاءْ
وعلى الجسور لمستُ أوردة الضياءْ
ما عزّت الغيمات إذْ دنت السماءْ
هذا دمُ الشهداء تُغذيه الجزائرْ
أنا من جميلة
بالحب لونتُ المسافةَ والزمانْ
وأتيتُ، في قلبي لسيرتا وردتانْ
مني ومن صوت الجزائر في عمان
نروي سطورَ الفخرِ حبا يا جزائر.
ثم قرأت قصيدة عن بلدها عمان بعنوان ”ترتيلة النخل”، وقالت في مطلعها:
للشمس في عليائها أرجوحة
                                                                عَلِقت بكحل عمان في أهدابي
طوّفتُ أَستجلي الجمال فهالني
                                                           حرف الحنين وفاض ملء أهدابي
خاطرت قلبك يا أبيَّةُ حينما
                                                                   جفت عروق الماء، ضنّ سحابي
فتلقّفتني من حنانك همسةٌ:
                                                                ”ها غيميّ الهتّان ..ها تِسْكابي”
 وختمت بقصيدة عنونتها بـ ”حداد يليق بغيمة”، استهلتها بقولها:
نمشي بأرض الله لا ندري بأية قرية
سنقول للأحلام: يا أحلام بلغناك ربع القلب
دونك صدقنا وأمان قريتهم فبيضي وأصفري
ونقول للأشواك: يا أشواكُ عفوك ما انتبهنا – حين أخلصنا- لغير الورد
لو أنّا انتبهنا ربمّا كنا اجتنبنا الوخز
واخترنا السلامة في رحاب الياسمين
 لو أن أهل القرية استهدوا بضوء الروح
للفتوى لما نحروا الفَصيلْ...
أما الشاعر خالد بن علي المعمري فبلباسه الأبيض التقليدي والعمامة التي تميز سكان سلطنة عمان، قال في مستهل حديثه، إن زيارته للجزائر تُعد الثانية، وكانت الزيارة الأولى في سنة 2004. وقال لجريدة ”المساء” إن قسنطينة مدينة جميلة وزادها جمالا احتضانها لفعاليات عاصمة الثقافة العربية، واستهل إلقاءه بقصيدة ”رحلة المعراج”، قال في مطلعها:
أنّى أرى النور إن مرت قوافله
                                                          صحرائي الليل واللاءات تكويني
أنّى أرى النور والأشعار قد حجبت
                                                            والذنب يغلق باسمي كل تلحيني
كأسي بكف ولم أرشف سُلافتها
                                                              بين الزوايا انهمار ليس يغريني
الضوء عاتبني عن كل قافيةٍ
                                                                   أوقد ضياءك في حلم المساكين
كحبة في يد الفلاح يقبضها
                                                         وترتجي الخلد في حضن البساتين
مررت بالدرب شيخا زاهدا ورعا
                                                                 عاصيا حرفي والآهات تهديني
في دفتر النور ما كانت محابره
                                                                إلاي حين البعد يطويني
إلى أن يقول:
اقصص حوارك إن الليل يسمعنا
                                                                    حرية الخط ما كانت لمسجون
كتبت مخططة العشاق لحظتها
                                                               الشك جاهر والأوهام تغزوني
وعدت من رحلة المعراج منطفئا
                                                         لو تذكرون انكسار الماء في الطين

ثم ختم بقراءة قصيدة ”أشرعة وأفق لم يأت بعد”، وقال في مطلعها:
هل كنت لحنا كي أكون قصيدة؟
من أنت يا رجع الصدى؟
هل لي باسمك؟
كي أوزّع ماضي القمح المشتّت في عروق طفولتي
كي ألمس الواحات في عين المسافر
كي أرتّل من هديل حمامة بيضاء
كل قصائدي
ماذا جنى ذاك المدى برحيله؟
لو أشعلت كل الرمال حقيقة
لتفجرت أصداء رحلتنا الأخيرة...
وتتواصل فعاليات الأسبوع الثقافي العماني بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية إلى غاية اليوم السابع من الشهر الجاري بتنظيم معرض للفنون التشكيلية والمخطوطات والكتاب بقاعة العروض أحمد باي، وكذا قراءة شعرية بقاعة أحمد باي وبعض الإقامات الجامعية، على غرار لالة فاطمة نسومر، علي منجلي 2 وعلي منجلي 3.

محمد اليحيائي (مستشار وزير الثقافة العماني ورئيس الوفد):

عمان والجزائر يدركان أهمية العمل الثقافي

 في مجابهة الصراعات
قال السيد محمد اليحيائي، الإعلامي العربي البارز ومستشار وزير الثقافة العماني ورئيس وفد بلاده إلى قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، إن كلمة وزير الثقافة الجزائري كانت عميقة وشاملة، وجاءت من شاعر ومثقف وكاتب معروف على المستوى العربي، مقدما شكره للجزائر وقسنطينة على هذا الترحاب، ونقل تحية محبة وسلام من أرض المحبة عمان، وصرح قائلا: ”شرف لنا أن نقف اليوم في هذه التظاهرة، لكم تحيات وزارة التراث والثقافة العمانية، وعلى رأسهم معالي الوزير هيثم بن طارق آل سعيد، الذي يتمنى لهذه التظاهرة والقائمين عليها، كل النجاح والتوفيق. لقد كان لنا الشرف أن احتفلنا في عمان سنة 2006 باستضافة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، ونحتفل هذه السنة باختيار مدينة نزوى التاريخية والثقافية لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية. نحن نقدّر جيدا الأهمية الثقافية والحضارية لهكذا اختيار، وهو اعتراف دولي لقيمة وأهمية الثقافة في بعديها العربي والإسلامي”. وأضاف قائلا: ”في ظل ما يشهده العالم من توترات والعالم العربي على وجه الخصوص من صراعات تتجاوز السياسي إلى ما هو أخطر، تتعمق الحاجة إلى الثقافة لعلاج المشكلات ولملمة الشقوق العميقة التي أصابت العالم العربي، وعمان لعبت دوما دورا محوريا في نشر ثقافة السلم بين الأمم والشعوب وفي نزع فتيل الصراعات والخلافات، ورفعت راية ثقافة الإسلام، السلام والتسامح. والجزائر التي اختبرت الصراع في سنوات التسعينات، تشارك عمان وجهة النظر إلى الأهمية القصوى لتوظيف الثقافة والأدب وكل مجالات الإبداع الفني الأخرى في الحياة اليومية وفي حياة الأجيال الشابة والقادمة”.
وقال ضيف قسنطينة إن الجزائر لا تُذكر في عمان إلا وتُذكر معها كوكبة مشعة من زُمر الثقافة والأدب والفكر الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، والذين أسهموا ويساهمون في صناعة الوجدان العربي بدءا من الشيخ عبد الحميد بن باديس، مرورا بأسماء كبيرة، على غرار مفدي زكريا ومالك بن نبي ومحمد ديب وكاتب ياسين وآسيا جبار والطاهر وطار ووسيني لعرج وعز الدين ميهوبي وأحلام مستنغانمي وعياش يحيى وغيرهم، وكلها أسماء، حسبه، شكلت رقعة فسيفساء الإبداع العربي بألوانها وأصواتها المختلفة، وهي قامات، يضيف، قرأ لها العمانيون، ويتطلعون إلى مزيد من الحوار الثقافي والإبداعي عبر المؤسسات الرسمية، على غرار الوزارات أو الهيئات المحلية كاتحادات الكتّاب والنوادي الثقافية والأدبية.
وقال رئيس الوفد العماني: ”نتشرف بالمساهمة في احتفالات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية من خلال عرض نماذج من الإنتاج الثقافي العماني القديم؛ فنونا وآدابا، متمنين أن تفتح هذه المساهمة، نافذة لمعرفة جانب من جوانب هذا الإنتاج الثقافي والمعرفي”.