"سرفانتاس والمتوسط" بقصر "رياس البحر"

جزائر القرن الـ16 من خلال الأرشيف الإسباني

جزائر القرن الـ16 من خلال الأرشيف الإسباني�
  • القراءات: 1095
مريم. ن � مريم. ن

نظّمت السفارة الإسبانية بالجزائر، بالتعاون مع معهد "سرفنتاس" ندوة بقصر "رياس البحر"، حملت عنوان "سيرفانتاس والمتوسط" قدّمها المؤرّخ والمؤلّف الإسباني ألفريدو ألفار أزكيرا وخصّص فيها حيّزا  لتاريخ الجزائر العاصمة إبان القرن الـ16م.

في كلمتها الترحيبية، أشارت السيدة روميترو مديرة معهد سرفانتاس بالجزائر العاصمة، إلى أنّ اللقاء يحاول الكشف عن تراث سرفانتاس والتراث الأدبي الإسباني عموما، معلنة أنّه سيتم إعادة طبع بعض أعماله بشكل منقّح. 

في بداية تدخّله، أشار البروفيسور ألفريدو إلى أنّ الحديث مثلا عن عاصمة الجزائر، من خلال علم الخرائط، تفرّد به الخبيران الإسبانيان سوسا وآيدو اللذان اعتمدا في دراساتهما على بعض من تراث وشهادات الراحل سرفانتاس، حيث عاصرا هذا الكاتب، بالتالي فإنّ دراساتهما اعتمدت بشكل رسمي في كلّ أوروبا بما في ذلك فرنسا (قبل غزو الجزائر سنة 1830) وكان المحاضر يؤكّد أنّ هذان الخبيران كانا الوحيدان المؤهلان لوصف مدينة الجزائر في القرن الـ16م، وثمّن المحاضر من جهة أخرى، جهود بعض الخبراء الجزائريين سواء في البحث أو في الترجمة، ليتوقّف عند ترجمة تراث سرفانتاس كرائعة "دون كيشوت" التي ترجمت إلى العربية.

وأكّد المحاضر أنّ سرفانتاس عاش بمدينة الجزائر 5 سنوات (1571-1575) بعد أسره فيها، ليكتشف خلال هذه الفترة كتابا لسليخة أحمد برغتي الذي روى فيه نبل وحياة الفرسان، فحوّله إلى رائعة "دون كيشوت" وضمّنها أيضا جانبا من حياته في الجزائر، لذلك يشير المحاضر الإسباني إلى أنّ كلّ من يقرأ هذا العمل يلاحظ فيه الخصوصية الإسلامية التي كانت سائدة في ذلك الزمن.

وفي الجزء الأوّل من المحاضرة، ركّز البروفيسور ألفريدو على منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة من الناحية التاريخية والجيو- استراتيجية، فهذه المنطقة شهدت توسّع وتوغّل الإمبراطورية الإسبانية خاصة مع بداية القرن الـ16 لتستمر في التواجد مدة ثلاثة قرون من الزمن، وهكذا أصبح ماء المتوسط إسبانيا عبر العديد من المدن المتوسطية منها جنوة وسردينيا وصقلية والجزائر وكانت كلّها "تشهد ازدهارا"، وكانت كلّ مدينة متميّزة عن أخرى، لكنّها متكاملة ومنسجمة ومتعايشة على عكس العلاقة مثلا بين إسبانيا ودول أخرى، منها فرنسا، والتي استمر الصراع معها 500 سنة.

ونتيجة هذا الازدهار والغنائم والرخاء الذي كانت تقطفه مدريد، تحوّلت إسبانيا سنة 1580 في عهد فليب الثاني إلى قوّة عالمية بعدما عبرت الأطلسي نحو أمريكا، وبهذا الإنجاز أصبح هذا المحيط هو سيد العالم وسيد الهيمنة بعدما كانت في يد البحر المتوسط.

كما عرّج المحاضر على التواجد الإسلامي في بلاد الأندلس وكيف أنّه زال سنة 1492 بعد مكوثه 8 قرون، وما كان لذلك من تبعات سياسية واجتماعية خاصة بعد سنة 1609 التي شهدت الهجرة القسرية للعرب وكذا اضطهاد "الموريسكيين،" لتبدأ بعدها الحملات الإسبانية على الساحل الجنوبي للمتوسط ابتداء من وهران وتلمسان وبجاية والعاصمة ونحو جربة التونسية إلى أن فشلت الحملات مع شارلكان سنة 1541، وبقي الكر والفر إلى أن انتصر الإخوة بربروس وصعدت الجزائر كقوّة إقليمية بدعم عثماني، إلى أن تعزّزت الدولة الجزائرية ابتداء من عام 1573 وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المحاضر ولو من غير قصد كان يبرّر الحملات الصليبية على الشمال الإفريقي، وكان يصف العثمانيين في الكثير من الأحيان بالقراصنة الذين كانوا يمثّلون خطرا على المنطقة، وهي نظرة استعمارية خالصة، بينما كان يحدث بـ«التعايش" الحاصل بين الجزائريين والإسبان متجاوزا المجازر التي أودت بحياة عشرات الآلاف، كما كان الحال في المرسى الكبير بوهران.

وفي الجزء الثاني من المحاضرة، ركّز المحاضر على حياة سرفانتاس الأسير هو وأخوه رودريقو بالجزائر والرحلة الشاقة لافتدائهما بالمال إلى أن تحرّر الأخ وبقي ميقال، وهنا أكّد المحاضر أنّ الأخوين شاركا في معارك كثيرة مع الجيش الإسباني إلى غاية سنة 1569، وفقد سرفانتاس ذراعه في معركة ليبو.

يشهد سرفانتاس بأنّ مدينة الجزائر خلابة، لها منافذ بحرية وعرفت تطوّرا بعد دخول الأخوين بربروس وقبلها كان بها البربر والأندلسيون و200 ألف جندي إنكشاري، ثم خصّ الخبيران إيدو وسوسيا بخرائط ووصف دقيق لكلّ مناطقها ومعالمها وكيف أصبحت سيدة التجارة وصناعة الأسلحة والسفن والملاحة وغيرها وكانت ترسو بها البواخر والأساطيل لتحمل البضاعة من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وحتى من الهند وغيرها وكان سرفانتاس يقول وهو مفتون بهذه المدينة المتوسطية الساحرة؛ "نجد في الجزائر كلّ الثروات والإبداعات" .

بالمناسبة، قدّم المحاضر خرائط تعود إلى القرن الـ16، خاصة بمناظر عن العاصمة هي الآن ملك لأرشيف وزارة الثقافة الإسبانية وتعرض لأوّل مرة، ومن روائع سرفانتاس أيضا "معاهدة الجزائر" التي كتبها في نهاية حياته بإسبانيا وكذا رائعة "قلاتيا" التي خصّص لها 20 سنة كاملة، كما كتب للمسرح وفي الشعر أيضا.

وأثناء المناقشة، طلب بعض الحضور من البروفيسور ألفريدو ألفار أزكير عرض لوحات تعود إلى سنة 1535م، هي عبارة عن منسوجات ضخمة تبلغ مساحة كلّ منها الـ600 متر مربع، وقد رمّمت في ظرف 10 سنوات وتوجد بمتحف مدريد، وهي لا تعرض للجمهور وذات قيمة عالية لأنّها الأروع في تاريخ الإنسانية، بعضها يصوّر مدينة جنوة وتونس وحتى الحملات على الجزائر وفيها المعارك والأساطيل والفرسان وإقامة جسور العبور وغيرها كثير، وتكاد تنطق من فرط واقعيتها، علما أنّها مادة تاريخية حية.

في المناقشة أيضا، تدخّل بعض الخبراء الجزائريين -كان أغلبهم يجيد الإسبانية- للدفاع عن تاريخنا الوطني وكيف أنّ الجزائر كانت دولة ذات سيادة لها اتفاقيات مع جلّ دول العالم بما فيها فرنسا وإسبانيا كدليل على أنّ بلادنا لم يحكمها قطاع الطرق، كما تقول الرواية الاستعمارية، وهو الأمر الذي أكّده ألفريدو. وأكّد أنّه يجهل بعض المعلومات التاريخية التي أفاده بها هؤلاء الخبراء الجزائريون.

للإشارة، حضر اللقاء سفير الجزائر بمدريد ومستشار السفارة الإسبانية بالجزائر وكوكبة من المثقفين والطلبة الجزائريين والإسبان.