"لخضر بن طوبال - شهادات الداخل" بعد 36 سنة انتظار

جربال يقدم أسرارا وقضايا من سجل الثورة

جربال يقدم أسرارا وقضايا من سجل الثورة
  • القراءات: 1388
مريم.ن مريم.ن

قدم المؤرخ البروفيسور دحو جربال، أول أمس، بمكتبة "الشهاب" بالعاصمة، كتابه الجديد "مذكرات لخضر بن طوبال - شهادات الداخل" بعد 36 سنة، حيث كان الكاتب قد سجل شهادات الراحل بن طوبال من 1980 إلى غاية 1985، تضمنت قضايا مسكوت عنها، وتفاصيل أخرى عن مجرى الثورة وقادتها، وكذا تضحيات الشعب الجزائري الخالدة.

شهدت قاعة مكتبة "الشهاب" بباب الوادي، توافدا كبيرا، حيث لم يعد المكان يسع الجمهور الذي كان أغلبه من النخبة، لينطلق المؤرخ جربال في استعراض حياة ونضال هذه الشخصية، التي تعتبر واحدة من "الباءات الثلاثة" للثورة (كريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوالصوف)، حيث توقف عند بدايات انخراط الراحل بن طوبال (سي عبد الله) في النضال، علما أنه من مواليد 1923 بميلة، ليلتحق في عام 37 بصفوف الحركة الوطنية، ثم بالمنظمة الخاصة الجناح المسلح لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وبعدها هروبه نحو منطقة الأوراس إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية.

الكتاب كان حصيلة خمس سنوات من الحوار مع لخضر بن طوبال (المتوفي سنة 2010) منذ 1980، وكان بموافقته، بعدما راجع كل فقراته ومضامينه بنفسه، لكن الكتاب لم ير النور لعدة أسباب، منها تدخل عائلة الراحل، حيث طالبت أن يكون الكتاب مذكرات بن طوبال دون بروز اسم جربال، ولا تزال القضية في العدالة للفصل فيها، حسب ما أكده جربال. كما وعد جربال في هذا اللقاء، برقمنة التسجيلات الصوتية لشهادة لخضر بن طوبال، قصد وضعها تحت تصرف الجمهور والباحثين.

من جانب آخر، أشار المتحدث إلى رفضه استعمال مصطلح "الباءات الثلاث"، معتبرا إياه من صنع الصحفيين الفرنسيين، كذلك الأمر مع مصطلح "حرب الجزائر"، ثم "حرب الاستقلال" الذي يستعمله المؤرخون الفرنسيون، وهو مصطلح يختزل نضال شعبنا في المواجهة العسكرية فقط، أي في الحرب وليس في ظاهرة التحرر ككل، ويهمل بذلك النضالات الأخرى، منها السياسية والثقافية وتاريخ المقاومات الشعبية في القرن الـ19 وغيرها.

يحمل غلاف الكتاب، صورة للراحل بن طوبال في الثورة، يظهر فيها في قمة البساطة، رغم مسؤولياته، ابتداء من الولاية الثانية وحتى الحكومة المؤقتة، فلم يكن حينها برتبة عسكرية ولا بأي امتياز آخر (كأيها الناس)، وهنا تم الحديث عن مشاركته في مؤتمر الصومام، وكيف أن سكان القرى الـ14 بمنطقة اوزلاقن (أبيد من سكانها 2500 من أصل 5 آلاف شخص بالقصف الجوي بعد الصومام)، التي احتضنت المؤتمر، ظنت بن طوبال جنديا صينيا لملامحه، ولقامته التي يفوقها السلاح الذي يحمله، وهنا ذكر جربال أن بن طوبال حينما زار الصين إبان الثورة مع الوفد الجزائري، أعطى كل فرد من هذا الوفد باقة ورد، واستثني هو، ظنا من جهة التشريفات أنه صيني، وكان الراحل بشوشا مرحا ومتواضعا. فتح النقاش مع البروفيسور جربال من طرف المؤرخين والمجاهدين والشباب لأكثر من ساعتين، تميز بالثراء والموضوعية، وقال أحدهم مخاطبا جربال "كتابك فعل تحرري"، ورأى آخرون أن الكتاب يحمل الدقة والمقاييس العلمية الأكاديمية، مع بروز في المضمون الصبغة الإنسانية التي تميزت بها الثورة الجزائرية، وكيف أن أبطالها كانوا بشرا عاديين لا يملكون الخوارق ويواجهون الصعاب، وهنا أوضح الكاتب أنه خلال التحضير للكتاب، اكتشف بشكل أعمق، عبقرية الشعب الجزائري، كما توقف عند الرصيد الثقافي لهذا الشعب، حيث كان من أسباب التشبث بالهوية والوعي والثورة ضد فرنسا، ومن ذلك، الشعر الملحون الآتي من عمق الثقافة الشعبية، تأثر به بن طوبال وبحكمته وجماله وثورته على الطغيان، وبالمناسبة، حث المؤرخ على ضرورة تثمين هذا البعد في تاريخنا وثورتنا، بدل النزول إلى قاع الخلافات والمناوشات والتصفيات.

في الختام، قال البروفيسور جربال "قدمت المادة الأولية كي يتم استغلالها، وسجلت كما سجلت مع الراحلين علي كافي وبيار وكلودين شولي، وأحث اليوم كل من عنده مادة تاريخية، من شهادات أو وثائق، أن يسجل وينشر ليقرأ ويعرف الناس"، كما شكر بالمناسبة، زوجته السيدة دليلة اعمارن التي قدمت له الدعم والمساعدة، لإنجاز هذا الكتاب الهام.