ندوة "المعرفة والسلطة.. نحو أساليب جديدة للهيمنة" بمقر الجاحظية

جدلية ممارسة السلطة وكيفية تشكل المعرفة

جدلية ممارسة السلطة وكيفية تشكل المعرفة
  • 417
مريم. ن مريم. ن

نظّمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية بالاشتراك مع مخابر البحث جماليات وإشكالية البحث العلمي، أوّل أمس، بمقر "الجاحظية" ندوة نشّطها الأستاذ صهيب بن الشيخ بعنوان "المعرفة والسلطة، نحو أساليب جديدة للهيمنة"، تناولت مختلف أوجه السلطة عبر التاريخ وكيف كانت علاقتها مع المعرفة ومع جمهور العلماء والفلاسفة. انطلق المحاضر من زمن سقراط الذي اعتبره أب المعارف ومنبع الفلسفة قائلا "سقراط علّمنا وباقي الأجيال التي سبقت أن المعرفة هي في ذات الإنسان، وكان لا يفرض على أحد معرفته وآراءه ليترك الإنسان لنفسه ولتجاربه وآرائه وكذلك كان الحال فيما بعد مع تلميذه أفلاطون".

العقل مركز المعرفة

في تنقله عبر الزمن والتاريخ، توقّف المحاضر عند إيمانويل كانت خاصة في كتابه "نقد العقل" حيث كان يرفض "السلطات الخارجية" دون تفكير نقدي. يرى كانت أنّ العقل هو مركز المعرفة والنشاط الذي يقوم بتأليف المعرفة، مؤكّدا أيضا أنّ هناك أمور تفرض نفسها على ذهن الإنسان مضيفا أنّ لكلّ سبب مسبّب والعكس، كما أنّ العقل، حسبه، هو عقل عام إنساني كوني. أشار المحاضر إلى كتاب كانت "نقد العقل" حيث أسّس الواقع إلى عالم الظواهر، وهو ما يمكن إدراكه بالحواس والعقل، وعالم الشيء في ذاته، الذي يظلّ مجهولا للعقل البشري، كما أكّد أنّ الإنسان يدرك العالم من خلال مقولات سابقة على التجربة، مثل الزمان والمكان، التي تنظّم تجربته.

قدّم كانت مفهوم الأخلاق القائمة على العقل ورأى أنّ الأخلاق تعتمد على الواجب لا الميول، وأنّ القاعدة الأخلاقية يجب أن تكون كونية، كما صاغ الأمر المطلق، الذي ينصّ على أنّه من الواجب على الفرد أن يتصرّف وفق قاعدة يمكن أن تصبح قانونا عاما، بمعنى تسبيق الفرد على الجماعة. بالنسبة للمعرفة عند الفيلسوف الغزالي ، فإنّها تعتمد على الحواس والعقل، والإلهام، إذ يرى الغزالي أنّ الحواس تدرك عالم الشهادة لكنّها قاصرة عن كشف الحقائق الغيبية، بينما العقل قادر على تحليل المدركات الحسية وتكوين المعاني الكلية.

لا قراءة للتاريخ بنظام الراهن

كما استعرض المحاضر الأستاذ صهيب بن الشيخ بعضا من فكر جون ميشال فوكو إذ تعدّ نظرية فوكو حول السلطة والمعرفة من أكثر مساهماته تأثيرا في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وهي ترتبط بشكل أساسي بتحليله لكيفية ممارسة السلطة وكيف تتشكّل المعرفة من خلال الشبكات الاجتماعية والمؤسّسات ولفهم هذه النظرية بالتفصيل نحتاج إلى النظر في عدّة مفاهيم أساسية تتعلّق بكيفية تفاعل السلطة والمعرفة في حياة الأفراد والمجتمعات.

أكّد المحاضر أيضا أنّنا لم نستطيع الخروج من قبعة القدماء (أشخاص ومعارف)، وأننا لا نزال نقرأ التاريخ برؤية الراهن وبحكم نظامه، وبالمناسبة استعرض الأستاذ بن الشيخ الكثير من أوجه السلطة منها سلطة الرأي العام، والسلطة الأبوية الضرورية لبناء القيم، والسلطة الأستاذية المبنية على قدسية الشيوخ، وأيضا سلطة الإعلام الحر والمفتوح خاصة عبر وسائل التواصل والتي سمحت باختراع لغة مشتركة وقيما جديدة وتعايش بين أفراد من العالم عبر التواصل مما سمح بظهور تفكيرا متقاربا .

أما سلطة الدين، فقال عنها المحاضر إنّها تتجلى أكثر في دين الإسلام وفي المذهب البروستانتي المسيحي، محذّرا من الخلط بين سلطة الدين كإيمان وسلطة الإدارة، وحين فكّ الارتباط بين الدين والإدارة فسيستريح الدين، حسبه، من المستغلين، ليخصّص الخاتمة للخلاص ولمصطلح "الغنوصية" التي هي تيار فكري ديني صوفي يركّز على المعرفة كسبيل للخلاص، وذلك عبر الإدراك الباطني أو الحدسي للحقيقة الإلهية وأسرار الوجود. 

للإشارة، شهدت الندوة حضورا كبيرا لم تسعه القاعة، فتح المحاضر معه نقاشا مطوّلا وكان من المتدخّلين العديد من دكاترة الفلسفة الناشطين على المستوى الأكاديمي والثقافي والإعلامي تطرّقوا لعودة البعد الديني في الدراسات الأكاديمية بجامعات أوربا والتي شكّك فيها المحاضر على اعتبارها ردّة فعل فقط لمواجهة المدّ الإسلامي في القارة، كما تم الوقوف عند السلطة الماركسية وسلطة المال وسلطة الجهل وكذا الجهل التكنولوجي وسلطة الغوغاء .