الدكتور عابد لزرق يحاضر بتسيمسيلت:

جدلية المعرفة في الرواية الجزائرية وسؤال التشكيل الفني

جدلية المعرفة في الرواية الجزائرية وسؤال التشكيل الفني
  • القراءات: 1410
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدم الدكتور عابد لزرق مداخلة موسومة بـجدلية المعرفة في الرواية الجزائرية وسؤال التشكيل الفني: رواية كولاج لأحمد عبد الكريم نموذجا، خلال الملتقى الوطني الأول جدل المرجعيات وانفتاح النص في الأدب الجزائري، الذي نظمه قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة تيسمسيلت، مؤخرا.

تنطلق هذه المداخلة، من إشكالية توظيف المعرفة في الرواية عموما، وبالأخص في الرواية الجزائرية، وقد أنبتت مجموعة أسئلة، لعل أبرزها، بداية ما المقصود بالمعرفة في الرواية؟ وهل تُكتب الرواية للمتعة أم للمنفعة؟ وما الذي يجب على الكاتب مراعاته حتى لا يُشعِر قرّاءه، أنهم بصدد مطالعة نص تاريخي ما، أو حكاية مثقلة بالمعلومات دون تشكيل فني كاف؟.

أضاف الدكتور أن الرواية ليست مجرد توليفة للعناصر البِنوية، المكونة لها من (شخصيات، وفضاء زماني ومكاني، وعقدة، ووصف وحوار...إلخ)، بل هي كذلك ما تقدمه من معارف متنوعة وما تكشف عنه من مخزون فكري، الأمر الذي يدفع بالقارئ إلى التفريق بين روائي يشتغل خلال الكتابة ويؤسس لأفكاره، وبين كاتب يتكئ فقط على الفكرة واللغة الشعرية.

تابع أن التساؤل حول المعرفة في الرواية، يقودنا إلى إشكال آخر مرتبط بجوهر الفن عموما، وسؤال المتعة فيه أو المعرفة، أو سؤال الفن بوصفه غاية لذاته، أو ذا وظيفة نفعية. مضيفا أن الرواية ليست كتابا معرفيا، لكن في المقابل، لا ينبغي لها كذلك أن تخلو من أي معرفة، لتتّكئ فقط على عنصر الإمتاع، كمبرر لمن يرفض الاشتغال المعرفي في نصوصه ويستسهل بفعل الكتابة.

توقف المحاضر وطرح سؤالا آخر، وهو أي معرفة تقدمها الرواية؟ واستند هنا على ما طرحه الكاتب الفرنسي ميلان كونديرا في هذا المجال، والذي يرى أن الرواية الأوروبية قد ظهرت رغبة في اكتشاف الوجود. هذا الكَشْف أو الاكتشاف، هو ما يسمّيه [شغف المعرفة]، تأثرا بالفيلسوف إدموند هوسلر، الذي يعد هذا الشغف جوهرَ الروحانية عند الإنسان الأوروبي الحديث.

تطرق عابد إلى أنماط المعرفة الروائية، قائلا إنه يمكن أن نختصر ما تقدمه الرواية من معارف ضمن مجالين اثنين، هما معرفة إنسانية فلسفية، ومعرفة أخرى فكرية وعلمية لمجالات تاريخية، سياسية، فلسفية، اجتماعية، بيئية... وغيرها .أما بالنسبة لما يهمنا هنا، فهو كيفية التشكيل الفني لهذه المعرفة في الرواية، حيث أن المعرفة عنصر ضروري لتأثيث النص الروائي، شرط أن لا تكون مقحمة في بنيته. كما أنه من الضروري أن يراعي الكاتب طريقة فنية مناسبة، يقدم بها المعرفة في نصه، وأن يبتعد عن طابع التلقين وإثقال النص بأفكار يمكن الاستغناء عنها بسهولة، فتصبح هذه المعارف المقدمة غاية لديه على حساب بنية النص، مما قد يفقده جوهره وطبيعته الأجناسية والفنية.

في هذا السياق، اختار عابد رواية كولاج لأحمد عبد الكريم (فائزة بجائزة دار نشر الجزائر تقرأ 2018)، وهي رواية تتخذ من الفن والخط العربي تيمة أساسية لها. ومع ذلك، قد يجد القارئ نفسه في حالة من التشظي، بين محاولته عدم إفلات الخيط السردي العام للنص والبحث عن حل لعنصر العقدة فيه، كونها رواية ذات حبكة بوليسية، تحكي سرقة مخطوط هدنة بين المسلمين والمسحيين من متحف آيا صوفيا باسطنبول، كتبه الخطاط ابن مقلة بيده.

أشار إلى أنه في كولاج يتوقف البرنامج السردي مرارا، وفي مواضع عديدة، فاسِحا معها الكاتب المجال لمقاطع معرفية كثيرة، يتبع فيها أحيانا طابع التلقين، حيث يغيب معه التشكيل الفني الكافي بما يجعل بعضَ ما يقدمه هذا النص من معرفة مقحما فيه.

في هذا السياق، توقف الدكتور عند بعض النماذج، منها على سبيل التمثيل للكشف عن طبيعة تقديم المعرفة فيها، ففي الصفحتين رقم 24 و25، ذكر الكاتب تقرير جريدة "لو فيغارو" الفرنسية حول سرقة المخطوط من متحف صوفيا، بالتالي كان هذا التقرير المندمج ضمن مسار السرد، مبررا فنيّا لتقديم مثل هذه المعرفة. أما في الصفحة 53، ذكر فيها الكاتب معلومة تاريخية أخرى حول شخصية الولي الصالح أبي مدين شعيب، في صفحة كاملة اتبع فيها أسلوبا تقريريا محضا، تغيب معه أي تقنية سردية لتشكيل هذه المعرفة، حتى أن الراوي فيها غير معروف داخل المقطع، إن كان خادم ضريح الولي عبد القادر الجيلاني أم الكاتب نفسه.