مزيان بوسعيد يعرض بمؤسسة ”أحمد ورابح عسلة”

جدران صامتة في العلن وثرثارة في العمق

جدران صامتة في العلن وثرثارة في العمق
الفنان التشكيلي مزيان بوسعيد
  • القراءات: 536
لطيفة داريب لطيفة داريب

تجاوز الفنان التشكيلي مزيان بوسعيد الرسومات الكلاسيكية، ووجد نفسه في عالم لم يجد له اسما بعد، عالمٌ بدأ في صنعه من خلال استعمال الألمنيوم لتشكيل شخوصه في اللوحات، ومن ثم وضع عليها لماع الأحذية لإبرازها وتشجيعها على الظهور أمام الملء من دون خجل. عالم يبنيه شيئا فشيئا ليصل إلى هدف مجهول إلى حد الآن، إلا أن المسار المتبع لتحقيقه ممتع حقا.

يعرض الفنان التشكيلي وأستاذ ونائب مدير الدراسات بالمدرسة الجهوية للفنون الجميلة بعزازقة مزيان بوسعيد، 28 لوحة بمؤسسة أحمد ورابح عسلة تحت عنوان جدران الصمت، وتتواصل فعاليات المعرض إلى غاية 16 من نوفمبر المقبل.

لوحات مزيان تغزوها جدران ترتفع في كل ركن، ولا تخشى لومة لائم، وكأنها تحاول أن تغرس جذورها؛ علّها تتشبث بهذا الفضاء الذي وجدت نفسها فيه، أو  تنفر من كل تهديد قد يحوّلها إلى ركام.

جدران كتومة في ظاهرها، إلا أن باطنها يحمل حديثا كثيرا، في طياته أسرار لا يجب أن تُفصح أو تُكتشف، جدران لماعة لا تتحمل شفقة أحد، فترتدي لباسا مثيرا قد نعتقد أنه يعبّر عن سعادتها، لكن من يدري حقا ما تخبئه هذه الجدران؟

جدران مختلفة الأحجام والأشكال، إلا أنها تشترك في نقطة واحدة تتمثل في عمقها، فكأنها منقوشة أو مكتوب عليها بحروف لا يمكن فك طلاسمها، ما يزيد في فضولنا لفهم ما تخفيه عنا. وقد نجد أجوبة على تساؤلاتنا لو نعود إلى عصور سحيقة، حيث كانت الطبيعة، بتولا، لم يفضّ بكارتها بشر.

جدران جعل لبعضها مزيان أوجها، وأخرى أشكالا يمكن التكهن بتفاصيلها، خاصة حينما وضع عليها لماع الأحذية، فأصبح لها وجود بارز؛ ما دفعها إلى مواجهة الجمهور زائر المعرض بدون تحفظ ولا حشمة تُذكر.

جدران لم تحمل كتابات ونقوشا فحسب، بل تغذت أيضا بمواد عديدة، تدل على حب مزيان لكل ما يدخل في بناء البيت القبائلي المتين، مثل الإسمنت الذي قام مزيان بخلطه بمواد أخرى ووضعه على اللوحات. كما اعتمد على إلصاق العديد من الأشياء في اللوحات، مثل حلي الفنتازيا، والحلقة التي تُستعمل في الآلات وغيرها.

وكأن مزيان يشيّد عالمه الفني الجديد بتقنيات قلما يستعملها الفنانون، وبأسلوب فريد يؤكد على وصوله إلى مرحلة جديدة من الفن التشكيلي، بعيدا عن كل ما هو كلاسيكي. وفي هذا قال لـ المساء، لا أدري أين أنا الآن، كل ما أعرفه أنني لم أعد أرى نفسي في الرسومات الكلاسيكية ولا حتى في الأسلوبين الواقعي والتجريدي، فأنا في مرحلة من مساري الفني لا أدري كيف أعنونها ولا إلى أين تأخذني، كل ما أريده هو أن أواصل في هذا الطريق المجهول والممتع جدا في نفس الوقت.نعم؛ ليس كل ما هو مجهول بمخيف، بل الحياة بحركتها التي لا تستكين، تدفع بالإنسان العادي إلى التوق إلى حياة مختلفة، فما بالنا بالفنان الذي يجد نفسه بعد أن اختبر الكثير في الفن والحياة، في مرتبة لا بد له أن يجتازها، ليتجه مباشرة إلى محطة أخرى، قد تكون مجهولة فعلا، إلا أنها في الأعماق غير ذلك، فكلنا نتجه حيث تأخذنا أعماقنا التي تدرك الأمور أكثر من ظاهرنا، وهكذا يخطو مزيان بخطوات أكيدة نحو المزيد من التجديد في الفن التشكيلي.وبالمقابل، سبق للفنان أن عرض أعماله بهذه التقنية الجديدة في العديد من المعارض الجماعية، أولها معرض باليونان، حيث وجدت صدى كبيرا من الجمهور في انتظار أن يتحقق ذلك في الجزائر. كما أفصح لـ المساء عن قلة استعماله الرمز في لوحاته؛ لأنه فنان لا يحب أن ينحصر في المحلية رغم أن أعماله تضم العديد من الإيحاءات التي ترمز إلى البناء التقليدي في منطقة القبائل. أما عن اختياره العناوين فيحدث ذلك بعد أن ينتهي من لوحاته. كما لا يرغب مزيان في تقديم شروح لأعماله، بل يحبذ أن يستمع إلى ما تحدثه لوحاته من أثر لدى زوار معارضه.

وفي إطار آخر، أشار مزيان بوسعيد إلى أهمية أن يحتك أستاذ الفنون الجميلة بطلابه، وهذا من خلال نقل خبرته إليه، مضيفا أنه كأستاذ في المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بعزازقة (تيزي وزو)، يهتم رفقة زملائه من الأساتذة؛ بتوجيه الطلبة لإبراز إبداعهم، خاصة في سنتي التخصص (الثالثة والرابعة)، ومساعدتهم في التعبير عن مواهبهم.