طباعة هذه الصفحة

عن ترجمة إسماعيل مهنانة

جاك أتالي يتنبأ لما بعد تسونامي كورونا

جاك أتالي يتنبأ لما بعد تسونامي كورونا
  • القراءات: 3064
❊ ل.د ❊ ل.د

 

ترجم الدكتور الجزائري إسماعيل مهنانة مقالة للدكتور الفرنسي جاك أتالي بعنوان "نبوءات لما بعد الكارثة"، في إطار الكتابات الفلسفية المتعلقة بمرحلة كورونا وما بعدها، جاء في مقدمتها أنه لا شيء اليوم أكثر استعجالا من التحكم في نوعين من التسونامي؛ صحي واقتصادي، يضربان العالم بقوة. ولا شيء يضمن أننا نستطيع ذلك. إذا فشلنا فإن سنوات مظلمة في انتظارنا. أما الأكثر سوءا فغير مؤكد. ولتجنبه يجب النظر بعيدا إلى الخلف وإلى الأمام، لفهم ما يجري فعلا.

 

كتب جاك أتالي أنه منذ ألف عام، كل وباء كبير يقود إلى تغيرات جوهرية في التنظيم السياسي للأمم، وفي الثقافة التي تمتد تحت هذا التنظيم. وعلى سبيل المثال (وهذا لا يعني أن تختزل تعقيد التاريخ إلى العدم) نستطيع القول إن الطاعون الأكبر في القرن 14 (والذي نعرف أنه قضى على ثلث سكان أوروبا) ساهم في إعادة النظر جذريا في مكانة السياسي في الدين في القارة العجوز، وفي تأسيس الشرطة؛ بوصفها الشكل الوحيد الفعال في حماية حياة الناس. الدولة الحديثة والفكر العلمي أيضا وُلدا من تلك المأساة الصحية؛ كارتدادات ونتائج لاحقة، فكلاهما يحيل على نفس المنبع؛ حيث إن إعادة النظر في السلطة الدينية والسياسية للكنيسة التي صارت عاجزة عن إنقاذ الحيوات وعاجزة عن إعطاء معنى للموت، جعلت الشرطي يأخذ مكان القس. وبنفس الطريقة نجد أن الطبيب عوض الشرطي في القرن الثامن عشر؛ بوصفه أفضل حصن ضد الموت. ففي غضون بضعة قرون نكون مررنا من سلطة مؤسسة على الإيمان، إلى سلطة مؤسسة على احترام القوة، ثم إلى سلطة أكثر فعالية، تتأسس على احترام دولة القانون. وأضاف: "يمكننا أن نضرب أمثلة أخرى، ونرى أنه في كل مرة تضرب فيها الجائحة قارة ما، تنزع المصداقية عن منظومة المعتقدات والتحكم، التي لم تستطع منع وفاة الملايين من البشر؛ لهذا ينتقم الباقون على قيد الحياة من أسيادهم، ويقلبون العلاقة بالسلطة"، مشيرا: "اليوم أيضا، إذا تَبين أن السلطة القائمة في الغرب عاجزة عن التحكم في المأساة التي بدأت قبل أسابيع، فإن كل نظام السلطة وكل الأسس الإيديولوجية التي قامت عليها، ستخضع للمراجعة؛ لكي يتم استبدالها بنموذج جديد مؤسس على سلطة أخرى، وسيكون للثقة منظومة قيم أخرى بعد مرحلة مظلمة".

وبعبارة أخرى، أكد أتالي الانهيار الوشيك لنظام السلط المؤسس على حماية الحقوق الفردية، ومعه تنهار الآليتان اللتان تفعّلانه؛ أي السوق والديموقراطية، فكلاهما طريقة في تسيير تقاسم الموارد النادرة واحترام حقوق الأفراد، معتبرا في حال فشل الأنظمة الغربية لن نشهد فقط قيام أنظمة شمولية، تستعمل تكنولوجيات الذكاء الصناعي بشكل فعال جدا، ولكن أيضا طرقا سلطوية في توزيع الموارد (وهذا قد بدأ أصلا في الأماكن الأقل تهيّؤا للكارثة والأقل توقعا (في مانهاتن لا أحد لديه الحق في اقتناء أكثر من 2 كيلوغرام من الأرز). وبالمقابل، أكد أتالي أنّ هناك، لحسن الحظ، درسا آخر نخرج به من هذه الأزمات، وهو الرغبة في الحياة التي لاتزال قوية، وأنه، في الأخير، سيقلب البشر الطاولة بكل ما من شأنه أن يمنع تمتعهم باللحظات النادرة من عبورهم على هذه الأرض. وأضاف: "حين تنجلي الجائحة وبعد مراجعة عميقة للسلطة، سنمر بمرحلة تقهقر سلطوي، تحاول فيها السلطة القائمة التشبث بالبقاء، ثم مرحلة ارتخاء. بعدها سوف نرى شرعية جديدة للسلطة، ولن تكون مبنية لا على الإيمان ولا على القوة ولا على العقل (ولا حتى على النقود، هذا الأفاتار الأخير للعقل). سوف تنتمي السلطة السياسية إلى من يعرف كيف يُبدي تعاطفا أكبر للآخرين. كما أن القطاعات الاقتصادية التي سوف تهيمن هي تلك المتعلقة بالتعاطف؛ أي الصحة والمستشفيات والتغذية والتعليم والبيئة، وذلك طبعا بالاستناد أكثر على شبكات كبيرة من الإنتاج وتوزيع الطاقة والمعلومات الضرورية في كل فرضية"، مشيرا إلى توقفنا عن شراء بشكل هوسي، أشياء غير نافعة، والعودة إلى ما هو جوهري؛ فكل ما يثبت استعماله الأفضل للزمن فوق هذا الكوكب، سنتعلم الاعتراف به بوصفه نادرا وغاليا.

واختتم أتالي كتابته عن تداعيات انتشار فيروس كورونا في العالم، أن دورنا الآن يتمثل في جعل هذا الانتقال يمر بأثر سلاسة وأقل الخسائر؛ حتى لا نرث حقلا من الأنقاض. وكلما أسرعنا في تفعيل هذه الاستراتيجية كلما خرجنا من هذه الجائحة والأزمة الاقتصادية المرعبة التي تعقبها.