تراث مليانة (عين الدفلى)

ثروة بحاجة إلى تثمين

ثروة بحاجة إلى تثمين
  • القراءات: 747
ق. ث ق. ث

تزخر مدينة مليانة العريقة، في ولاية عين الدفلى، بتراث ثري ساهم في تصنيفها كقطاع محمي، وهي اليوم، كما أكد المختصون في المجال، بحاجة إلى تثمين، حيث أشار مدير متحف مليانة، عباس كبير بن يوسف، إلى أن اجتماع عدة عوامل بهذه المدينة العريقة الحضرية المتوفرة على تراث ثري، والتي سكنها من أبناء الأندلسيين والكراجلة وبربر زكار، ويعود تأسيسها إلى الحقبة الرومانية، أدت بها إلى تسميتها فيما بعد "مليانة" (التي تعني مليئة بالثروات والخيرات)، عوامل ساهمت في تصنيف هذه المدينة كقطاع محمي.

في حديثه لـ"واج"، تطرق المدير، الذي هو كاتب وصاحب عدة مؤلفات، من بينها "عبد المؤمن بن علي، فارس المغرب العربي" و"تاريخ الجزائر" و"الرايس حميدو، قرصان الجزائر العاصمة"، و"وجوه بطولية في المغرب" وكذا "الكاهنة، ملكة الأوراس" و"17 أكتوبر 1961"، إلى الجانب التاريخي للمدينة، حيث أشار إلى إقامة الأمير عبد القادر لفترة طويلة  بمليانة، حيث تم إعادة تهيئة وترميم مقر إقامته القديمة التي تتوسط المدينة بطابع عمراني أندلسي، ليتم تحويلها إلى متحف. يتضمن هذا المتحف عدة قاعات لعرض تاريخ المنطقة، من آثار تعود للحضارات الرومانية والإسلامية والمقاومات الشعبية خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر، وكذا شواهد متعددة عن الأجناس البشرية التي تواجدت بالجنوب الجزائري.

كانت هذه المدينة العريقة مقرا لإقامة العديد من الوجوه التاريخية، على غرار ابن خلدون والإدريسي (العصور الوسطى)، والكاتب الفرنسي الشهير الفونس دوديه (1840-1897)، الذي كرس في مؤلفه الشهير "رسائل من الطاحونة" (1869)، قصة قصيرة بعنوان "إلى مليانة"، ذكر فيها الساعة والأسوار وضريح الولي الصالح للمدينة. تحدث السيد بن يوسف، وهو مصمم ورسام وموسيقار وعالم آثار، بصفته من الذين ساهموا في تصنيف مليانة كقطاع محمي منذ 2014، عن ما يسمى بركب مليانة، وهو عبارة عن تقليد قديم لقبيلة بربر بني فرث، يتمثل في القيام بزيارة سنوية إلى ضريح سيدي أحمد بن يوسف. أكد أن ركب بني فرث من التقاليد القارة لتقويم أحداث المنطقة واحتفالاتها، و"هو موعد أبناء مليانة مع المئات من الزوار المتوافدين من عدة مناطق من الوطن، الذين يشاركون في مسيرة طويلة، انطلاقا من مدينة مسلمون بتيبازة، للالتقاء عند ضريح سيدي احمد بن يوسف".

من جهته، أشار رئيس جمعية "أصدقاء مليانة"، لطفي خواتمي، إلى توفر هذه المدينة على آثار ذات قيمة نفيسة معترف بها عالميا"، معتبرا أن "تصنيفها ضمن قائمة القطاعات المحفوظة، سيضمن لها الأدوات التي من شأنها حماية تراثها الحضري وضمان تنميتها"، كما أبرز المتحدث أهمية النقاش حول الوسائل، التي من شأنها أن تجعل من هذا التراث مصدرا للثراء والتنمية الاقتصادية"، كما قال السيد خواتمي (طبيب أسنان جراح)، داعيا إلى ضرورة "إسهام الجماعات الإقليمية والمجتمع المدني في مسار حماية التراث المادي وغير المادي لمدينة مليانة".

مخطط دائم للتثمين.. ضرورة قصوى

يرى مدير الثقافة لولاية عين الدفلى، محمود حسناوي، أن "التراث مورد لا يستهان به، والحفاظ على هذه الثروة من شأنه تثمين هوية سكان أي منطقة كانت، بالتالي تحسين الإطار المعيشي المحلي". كما لاحظ المسؤول المختص في مجال علم الآثار، ولديه تجربة كبيرة في هذا الميدان، حيث ساهم في تصنيف مدينة التنس بالشلف، "وجود وحدات تراثية قارة في فضاء متجانس على مستوى مدينة مليانة، استدعت إنشاء قطاع محمي لهذه المدينة"، على حد قوله. تتمثل الأهداف الأساسية المرجوة من هذا التصنيف؛ "تجنب اندثار أو تدهور كبير" للأحياء التاريخية بهذه المدينة، من خلال وضع إجراءات قانونية لحمايتها، وإعادة تأهيل التراث التاريخي والمعماري والحضري، كما ترمي نفس العملية، مثلما لفت نفس المسؤول، إلى "الجمع ما بين المحافظة والتثمين في إطار مسعى معماري ذي جودة، موازاة مع حماية المعمار والإطار المبني، بما يسمح بتطور منسجم للأحياء القديمة".

واعتبر أن أهم عمل يجب القيام به إثر تصنيف مدينة مليانة، هو "وضع مخطط دائم للحفاظ وتثمين القطاع المحمي للمدينة القديمة"، مشيرا إلى "عدم إمكانية إنجاز هذه العملية في الوقت الراهن، بسبب التجميد الذي طالها". الجدير بالذكر، أنه تم منذ أربع سنوات، وفق المصدر نفسه، تخصيص 15 مليون دينار، بهدف إطلاق الدراسة المتعلقة بهذا المخطط، لكن عدم تصنيف المدينة حال دون تحقيق هذه العملية، التي يتكفل بها مكتب مختص في التراث، ومعتمد من طرف وزارة الثقافة، كما أفاد بـعدم إمكانية وضع هذا المخطط راهنا بعد تصنيف القطاع، كون العملية مرهونة برفع التجميد الذي طال المشروع".