"المسرح الجزائري والثورة التحريرية" في طبعة جديدة

توثيق لأعمال رافقت النضال

توثيق لأعمال رافقت النضال
  • القراءات: 785
م. ن م. ن

صدرت للباحث الدكتور احسن تليلاني، مؤخرا، طبعة جديدة لكتاب، عبارة عن بحث أكاديمي يناقش إشكالية تشخيص فن المسرح للثورة الجزائرية، يحاول إبراز إسهامات المسرح الجزائري في التعريف بالقضية الجزائرية والتحريض على الثورة التحريرية. تخص الدراسة، المسرح الشعبي الذي تمثله الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بأعمالها الخالدة، منها "نحو النور" و"أبناء القصبة"و"دم الأحرار" و"الخالدون"، أو المسرح الناطق بالفصحى ممثلا، في نشاط الطلبة الجزائريين بتونس، الذين من بين ما قدموه؛ مسرحية "مصرع الطغاة" للكاتب عبد الله الركيبي، أو المسرح الجزائري الناطق بالفرنسية، مجسدا في جهود كاتب ياسين بمسرحيته الشهيرة "الجثة المطوقة"، إضافة إلى ما قدمه المسرح العربي وكذا العالمي.

من خلال مباحث الكتاب وفصوله، توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج، منها أن المسرح الجزائري نشأ في العشرينات من القرن الماضي، تحت ظلال الحركة الوطنية، فتشرب من ينابيعها وامتزج بتطلعاتها نحو التحرر من ربقة الاستدمار الفرنسي، فكان مسرحا مقاوما منذ ولادته، هادفا إلى إصلاح المجتمع وتوعيته، وإذا كانت الحركة الوطنية قد أنتجت المسرح، فإن هذا المسرح قد أنتجها، حيث أصبح أداتها الفاعلة في مقاومة السياسة الاستدمارية وتنمية الوعي الوطني، فلا تخفى ملامح المقومة الوطنية على أي دارس حصيف يقارب التجارب التأسيسية للمسرح الجزائري، ومن بين تلك الملامح، كما قدمها الكاتب، هناك المسرح المتأثر بالمسرح العربي المشرقي، وليس بالمسرح الفرنسي الاستدماري الميتروبولي، إضافة إلى أن التجارب الأولى، كانت تستعمل اللغة العربية الفصحى كنزوع تحرري ضد سياسة الفرنسة.

من تلك الملامح أيضا؛ أن التراث كثيرا ما يوقع حضوره في تلك التجارب، كتعبير عن التمسك بالهوية الوطنية، وأنه مسرح تربوي إصلاحي هادف، وأن كثيرا من النصوص المسرحية المقاومة، والتي تعود إلى فترة الثورة التحريرية، أو قبلها قد ضاعت، وهي في حاجة إلى من يبحث عنها وينشرها، مثل مسرحية "الحاجز الأخير" لمصطفى الأشرف، والعديد من  المسرحيات الإذاعية التي كتبها صالح خرفي خاصة، وتشكل تراثا وطنيا هاما، له علاقة مباشرة بذاكرة الأمة في لحظات فارقة من تاريخها.

أكد المؤلف أيضا، أن المسرح الجزائري قاوم الاستعمار باستعمال اللهجة الشعبية الدارجة، وباللغة العربية الفصحى، وباستعمال اللغة الفرنسية، وقد سمح له هذا التنوع في لغة الحوار، من مخاطبة شرائح واسعة من الجمهور، فتمكن بذلك من إيصال مشهد الثورة وصوتها إلى أبعد مدى.كما أن الواقعية، حسب احسن تليلاني، هي أهم ما طبع المسرح الجزائري المواكب والمعبر عن الثورة التحريرية، فتجلت حقيقة الثورة وشمولية الصراع من أجل انتزاع الحرية والاستقلال، حتى أننا يمكن أن نعتبر تلك المسرحيات وثائق تاريخية، تكشف حقيقة الثورة وقيمها، لكنها واقعية متفائلة بحكم ارتباط هذا المسرح بوظيفته السياسة في الدعاية للثورة وتمجيدها ومناصرتها.

ونتيجة ذلك، يمكن أن يمتلأ الكاتب بالحماس الوطني الفياض، فيبادر إلى حسم الصراع لصالح الثورة، وتبرز النبرة الخطابية في المشاهد، غير أن بعض المسرحيات تجاوزت مثل هذه الهنات، وعلى العكس من ذلك، استطاعت أن تبلغ مستوى فنيا عالميا راقيا، امتزجت فيه قوة الرمز مع قوة الخطاب دراميا وشعريا وملحميا، موضحا أن الإبداعات المسرحية الجزائرية التي واكبت الثورة التحريرية وعبرت عنها، قليلة جدا، قياسا مع التراكم الشعري والقصصي، غير أن هذه النماذج القليلة استطاعت أن تعكس حقيقة الثورة، وأن تشخص عمق الصراع بأشكاله المختلفة . جاء في الكتاب، أن الثورة الجزائرية ألقت بظلالها على عالم المسرح العربي والعالمي، ومن بين أهم المسرحيات العربية التي شخصت الثورة التحريرية الجزائرية، هناك مسرحية "مأساة جميلة" للكاتب المصري عبد الرحمان الشرقاوي، التي عرضها المسرح القومي المصري عشية استقلال الجزائر في 05 جويلية 1962، ومن بين المسرحيات العالمية؛ مسرحية "الستارات" للكاتب الفرنسي جون جينيه، التي أحدثت ضجة عارمة عند عرضها في باريس، لأنها سخرت من الجيش الفرنسي.